الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذه جملة أحكام وفوائد متعلقة بشهر رمضان، انتقيتها من كتب الحديث والفقه ومن كلام أهل العلم، ولم أرد الإطناب، والله أسأل الإخلاص في القول والعمل.
1 ـ صيام شهر رمضان ركن من أركان الإسلام بالنص والإجماع؛ قال تعالى: ياأيها الّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِيَامُ [البقرة:183]، وقال النبي : { بُني الإسلام على خمس... }ومنها: { وصوم رمضان } [متفق عليه].
2 ـ يجب صيام شهر رمضان برؤية هلال ليلة الثلاثين من شعبان، فإن لم يُر أو غُم فبإتمام شعبان ثلاثين يوماً. والرؤية المعتمدة للهلال هي بعد غروب الشمس، والرؤية في النهار لا عبرة بها مطلقاً.
3 ـ يثبت دخول شهر رمضان برؤية شاهد واحد كما صح بذلك الخير عن ابن عمر، رواه أبو داود والدار قطني، وهو حديث ثابت.
4 ـ إذا صام الناس برؤية واحد ثلاثين يوماً ولم يروا هلال شوال فالصحيح أنهم يفطرون ويلزمهم ذلك، وهذا مذهب الشافعية، وعلى المشهور من مذهب الحنابلة يزيدون يوماً، والأول أصح، وهو وجه لأصحابنا رحمهم الله، ولأن الفطر تبع للصوم، ويثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً. [انظر المغني(4/420)].
5 ـ لا يجوز صيام يوم الشك وهو ثلاثين من شعبان إذا لا يُر الهلال لغيم أو قتر، وفي الباب أحاديث:
- { لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين } [متفق عليه].
- قول عمار رضي الله عنه: ( من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم ) [رواه الأربعة وصححة ابن خزيمه وعلقه البخاري في صحيحه].
- { فإن غُم عليكم فأتموا عدة شعبان ثلاثين } [متفق عليه] وهذا هو أصح الأقوال وهو اختيار الشيخين ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله، وما سواه فهو مصادم للسنة الظاهرة.
6 ـ الصوم هو الإمساك بنية التعبد لله عز وجل عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس.
7 ـ يجب الصوم على كل مسلم بالغ عاقل مقيم قادر سالم من الموانع.
8 ـ من رأى هلال رمضان ورُد قوله فإنه لا يصوم لوحده، بل يتبع الناس؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: { الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون... } الحديث. جاء عن أبي هريرة وعائشة، أخرجه الترمذي والبغوي وغيرهما، وهو حديث ثابت بمجموع طرقه، وهذا اختيار شيخ الإسلام رحمه الله سواء في دخول الشهر أو خروجه، كما في مجموع فتاويه (25/114).
9 ـ الكافر إذا أسلم أثناء النهار يلزمه الإمساك بقية اليوم فقط، ولا يلزمه صوم ما مضى حتى اليوم الذي أسلم فيه.
10 ـ الصبي إذا بلغ أثناء النهار يلزمه الإمساك بقية اليوم فقط. وقبل بلوغه يستحب تعويده على الصيام إذا أطاقه كما كان الصحابة يفعلون بأولادهم، كما ثبت ذلك من حديث الربيع بنت معوذ في الصحيحين.
11 ـ من أصبح صائماً فَجُن أثناء نهار الصوم بطل صومه في أصح قولي العلماء، وأما إذا أغمي عليه في أثناء النهار فصومه صحيح، ومن أغمى عليه جميع النهار ولم يفق جزءاً منه فلا يصح صومه. ومن نام قبل طلوع الفجر ولم يستيقظ إلا بعد غروب الشمس فصومه صحيح.
12 ـ المريض إذا كان يضره الصوم يحرم عليه الصوم، ويجب عليه الفطر. وإذا كان يشق عليه ولا يضره فيستجب له الفطر. وإذا كان لا يشق عليه فيجب عليه الصوم.
13 ـ المريض إذا زال عذره أثناء النهار وقد أصبح مفطراً جاز له إكمال نهار الصوم مفطراً.
14ـ المريض مرضاًًُ يشق علية الصوم معه ولا يرجى شفاؤه عند الناس يفطر ويطعم عن كل يوم افطره مسكيناً، ولا يطعم إلا بعد انتهاء يوم الصوم، ومثله كل عاجز مستمراً لا يُرجى زواله كالكبير.
15 ـ فاقد العقل لا يجب عليه الصوم ولا الإطعام ولا شيء من التكاليف.
16 ـ الحائض والنفساء لا يجب عليهما الصوم لأجل المانع الذي عليهن، وعليها القضاء. فإن نزل هذا الدم المانع أثناء نهار الصوم فسد الصوم، ولهُن الفطر باتفاق العلماء. وإن طهرت الحائض والنفساء أثناء النهار لم يلزمهما الإمساك بقية اليوم على الصحيح من أقوال أهل العلم.
17 ـ المسافر يُباح له الفطر لأجل السفر ولو لم يجد مشقة، فإن كان مع سفره يجد مشقة فيندب له الفطر، والأفضل له فعل الأسهل له والأرفق به من الصيام أو الفطر، فإن استويا في حقه كان الصوم أفضل ؛ لأنه أسرع في إبراء الذمة وأسهل عليه ؛ لأنه يصوم مع الناس وهو قول الجمهور.
18 ـ إذا قدم المسافر بلده أثناء النهار مفطراً اجاز له إكمال النهار مفطراً على الصحيح من قولي العلماء، وإن قدم بلده صائماً لزمه إكمال الصيام بالاتفاق. 19 ـ إذا خرج الإنسان في أثناء نهار الصوم مسافراً وقد أصبح صائماً فله الفطر إذا خرج من بنيان بلدته، وسواء أفطر بجماع أو بغيره.
20 ـ الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما، أو على نفسيهما، أو على نفسيهما وولديهما، فلهما الفطر، وعليهما القضاء فقط، وهذا هو القول الصحيح في المسألة، وهو إختيار شيخنا ابن باز رحمه الله.
21 ـ تبييت النية في الصيام الواجب واجب.
22 ـ تجزىء النية من النهار قبل الزوال أو بعده لمن أراد صيام نفل، وهو المنقول عن الصحابة فمن بعدهم، فقد صح عن نحو عشرة من الصحابة، وعليه عمل السلف، وفي الباب حديث عائشة عند مسلم، والأجر من حين نوى على الصحيح من أقوال أهل العلم بشرط ألا يكون تعاطى منافياً للصوم قبل ذلك غير نية الفطر. وانظر مجموع الفتاوى (25/120).
23 ـ إذا قامت بينة دخول شهر رمضان بالنهار، لزم الإمساك والقضاء، وهو قول جمهور العلماء، وقيل: لا يلزم إلا الإمساك، وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه اللّه، والأول أحوط.
24 ـ تجزىء نية واحدة لجميع الشهر مالم يقطعها في أصح قولي العلماء، وهو إختيار شيخ الإسلام، وهو قول مالك رحمه الله. وثمرة المسألة تظهر فيما لو نام المكلف جميع الليل في رمضان فهل يصح صومه لليوم الذي يليه أم لا؟
25 ـ يجوز لمن أصبح صائماً نفلاً الفطر، ولا يجب عليه القضاء، وحديث عائشة وحفصة رضي الله عنهما في الأمر بالقضاء لا يصح، بل هو حديث مرسل كما قال النسائي والترمذي، وقال الخلال: اتفق الثقاب على إرساله. ولا يصح في الأمر بقضاء التطوع حديث.
26 ـ من أصبح صائماً فرضاً او نفلاً فأكل او شرب أو جامع ناسياً فصومه لا يفسد بذلك. ومن المستطرف ما رواه عبد الرزاق في مصنفه ( 4 / 471 ) بإسناده أن إنساناً جاء أبا هريرة رضي اللّه عنه فقال: أصبحت صائماً، فنسيت فطعمت وشربت، قال: لا بأس، أطعمك اللّه وسقاك، قال: ثم دخلت على إنسان آخر فنسيت وطعمت، فقال أبو هريرة: أنت إنسان لم تتعود الصيام.
27 ـ من أُبيح له الفطر لأجل عذر شرعي جاز له تكميل اليوم مفطراً، ولا يلزمه الإمساك بقية اليوم.
28 ـ من لم يبح له الفطر إذا تعمد الفطر يلزمه الإمساك بقية اليوم وذلك أثناء نهار رمضان، وعليه القضاء والتوبة، وقد ذكر أهل العلم سبب المضيُ في الصوم الفاسد في نهار رمضان ( بغير الحيض والنفاس ) والحج الفاسد ؛ لأن وقت العبادة فيها ( الصوم والحج ) مضيق، بخلاف الصلاة الفاسدة فلا يجوز المضي فيها بل يجب قطعها، ويجب الإتيان بها صحيحة لأن وقتها موسع.