الصوم ربع الإيمان بمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم :
(( الصوم نصف الصبر ))[1]
وبمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم
((الصبر نصف الإيمان))
ثم هو متميز بخاصية النسبة إلى الله تعالى من بين سائر الأركان
إذ قال الله تعالى فيما حكاه عنه نبيه صلى الله عليه وسلم :
(( كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام ، فإنه لي وأنا أجزي به ))
وقد قال الله تعالى :
﴿ إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ﴾
والصوم نصف الصبر فقد جاوز ثوابه قانون التقدير والحساب وناهيك في معرفة فضله
قوله صلى الله عليه وسلم :
(( والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك يقول
الله عز وجل إنما يذر شهوته وطعامه وشرابه لأجلي فالصوم لي وأنا أجزي به ))
وقال صلى الله عليه وسلم :
(( للجنة باب يقال له الريال لا يدخله إلا الصائمون وهو
موعود بلقاء الله تعالى في جزء صومه ))
وقال صلى الله عليه وسلم :
( للصائم فرحتان : فرحة عند إفطاره ، وفرحة عند لقاء ربه ))
وقال صلى الله عليه وسلم :
( لكل شيء باب وباب العبادة الصوم ))
وقال صلى الله عليه وسلم :
(( نوم الصائم عبادة ))
وروى أبو هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال :
(( إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين
ونادى مناد يا باغي الخير هلم ويا باغي الشر أقصر ))
وقال وكيع في قوله تعالى :
﴿ كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ﴾
(الحاقة : 24)
هي أيام الصيام إذ تركوا فيها الأكل والشرب ،
وقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رتبة المباهاة بين الزهد في
الدنيا وبين الصوم فقال :
((إن الله تعالى يباهي ملائكته بالشاب العابد فيقول أيها الشاب التارك
شهوته لأجلي المبذل شبابه لي أنت عندي كبعض ملائكتي))
وقال صلى الله عليه وسلم في الصائم :
(( يقول الله عز وجل : انظروا يا ملائكتي إلى عبدي ترك
شهوته ولذته وطعامه وشرابه من أجلي ))
وقيل في قوله تعالى :
﴿ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ﴾
(السجدة : 17)
قيل كان عملهم الصيام لأنه قال :
﴿ إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ﴾
(الزمر : 10)
فيفرغ للصائم جزاؤه إفراغا ويجازف جزافا فلا يدخل تحت
وهم وتقدير ، وجدير بأن يكون كذلك ؛
لأن الصوم إنما كان له ومشرفا بالنسبة إليه وإن كانت
العبادات كلها له كما شرف البيت بالنسبة إلى نفسه والأرض كلها له لمعنيين أحدهما :
أن الصوم كف وترك وهو في نفسه سر ليس فيه عمل يشاهد ،
وجميع أعمال الطاعات بمشهد من الخلق ومرأى ،
والصوم لا يراه إلا الله عز وجل فإنه عمل في الباطن بالصبر المجرد .
والثاني : أنه قهر لعدو الله عز وجل فإن وسيلة الشيطان لعنه الله الشهوات ، وإنما تقوى
الشهوات بالأكل والشرب ،
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم :
(( إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع ))
، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها :
(( داومي قرع باب الجنة ، قالت : بماذا ؟ قال صلى الله عليه وسلم : بالجوع ))
وسيأتي فضل الجوع في كتاب شره الطعام ، وعلاجه من ربع المهلكات .
فلما كان الصوم على الخصوص قمعا للشيطان وسدا لمسالكه وتضييقا لمجاريه
استحق التخصيص بالنسبة إلى الله عز وجل ففي قمع عدو الله نصرة لله
سبحانه وناصر الله تعالى موقوف على النصرة له
قال الله تعالى :
﴿ إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ﴾
(محمد : 7)
فالبداية بالجهد من العبد والجزاء بالهداية من الله عز وجل ، ولذلك قال تعالى :
﴿ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ﴾
(العنكبوت : 69)
وقال تعالى :
﴿ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)
(الرعد : 11)
وإنما التغير تكثير الشهوات فهي مرتع الشياطين ومرعاهم فما
دامت مخصبة لم ينقطع ترددهم وما داموا يترددون لم ينكشف
للعبد جلال الله سبحانه وكان محجوبا عن لقائه ،
وقال صلى الله عليه وسلم :
(( لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السموات ))
فمن هذا الوجه صار الصوم باب العبادة وصار جنة وإذا عظمت فضيلته إلى هذا الحد