يا أيها الأحبة
ما أجمل أن يعيش المرء في ظلال الرعيل الأول
يتدارس مواقفهم البطولية في صدر الإسلام
حين كانوا هم حملة راية الإسلام في أرض الله قاطبة
فكان عليهم يقع الحمل العظيم
فلله در المهاجرين والأنصار والصحابة أجمعين
وجزاهم الله خير الجزاء أن كانوا نواة الإسلام الأولى
واليوم نعيش سوياً مع حادثة عظيمة في الإسلام
فيها إمتحن الله المؤمنين ,,, فكانوا بذلك أحق من يستحق شرف الصحبة عامة , وفي هذه الحادثة خاصة ,, فقد خصهم الله بمزية عظيمة سيأتي بيانها لاحقاً …
إنها غزوة بدر الكبرى
سنعيش معها
بذكر مواقف ومقتطفات سريعة من روائع الإيمان في تلك الغزوة
ولن أعرج أو أعلق على المواقف
فهي ناطقة شاهدة على إيمان أولئك الرجال
الموقف الأول
كان سبب هذه الغزوة وكما هو مشهور ومعروف في السير
أن عيراً لقريش كانت قادمة من الشام إلى مكة بقيادة أبي سفيان ـ رضي الله عنه ـ وكان على الكفر آنذاك
وكانت محملة بخيرات مكة وفيها أنفس أموالهم
فأراد المسلمون أن يغنموا هذه القافلة , وستكون ضربة عسكرية قوية لاقتصاد مكة
فخرج من المسلمون نحو 300 وبضعة عشر رجل من المهاجرين والأنصار
ولم يعزم فيها الرسول صلى الله عليه وسلم على أحد بالخروج لأن المقصود القافلة , ولم يكن في علمهم أن هناك حرباً ستدور
لذلك لم يُعاتب من تخلف عن هذه الغزوة , كما عُتب المتخلفون في الغزوات الأخرى
وفي قصة طويلة
استطاع أبو سفيان النجاة بالقافلة
وكانت قريش قد جهزت جيشاً كبيراً قوامه 1000 رجل بعدة وعتاد
فما كان من الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن عقد مجلساً يستشير فيه المسلمين حول هذا الأمر
وكان يقصد بهذا الأنصار رضوان الله عليهم لأنه خشي أن يكونوا قد فهموا البيعة ( بيعة العقبة الثانية ـ والتي بناء عليها تمت الهجرة ) ومن ضمن بنودها أن يمنعوا الرسول صلى الله عليه وسلم مما يمنعوا منه أنفسهم وأزواجهم وأبنائهم
فخشي الرسول أن يكون الإنصارـ رضوان الله عليهم ـ قد فهموا أن هذا الأمر واجب عليهم في ديارهم ( المدينة المنورة ) ولا يلتزمون به خارج المدينة
فاستشار المسلمين في الأمر
فقام أبو بكر الصديق ، فقال وأحسن . ثم قام عمر بن الخطاب ، فقال وأحسن ثم قام المقداد بن عمرو ، فقال يا رسول الله : امض لما أراك الله فنحن معك ، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون . ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ” خيرا ” ، ودعا له
وكان هؤلاء كلهم من المهاجرين
الذين هم أصلاً تركوا ديارهم ( مكة المكرمة ) لله ورسوله ,,, فهم معه لا محالة
فأخذ يعيد
أشيروا علي أيها الناس .
وهو يريد الأنصار
.فقال له سعد بن معاذ : والله لكأنك تريدنا يا رسول الله ؟ قال أجل قال لقد آمنا بك فصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا ، على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك ، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا ، إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء , لعل الله يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله .
وفي رواية أن سعد بن معاذ رضي الله عنه قال : لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقا عليها أن لا تنصرك إلا في ديارها ، وإني أقول عن الأنصار ، وأجيب عنهم فاظعن حيث شئت ، وصل حبل من شئت واقطع حبل من شئت وخذ من أموالنا ما شئت وأعطنا ما شئت وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لأمرك فوالله لئن سرت حتى تبلغ البركمن غمدان، لنسيرن معك ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر فخضته خضناه معك .
فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك ثم قال سيروا وأبشروا ، فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم .
الموقف الثاني
قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدل صفوف أصحابه يوم بدر ، وفي يده قدح يعدل به القوم ، فمر بسواد بن غزية _ حليف بني عدي بن النجار _ وهو مستنتل من الصف ، فطعن في بطنه بالقدح ، وقال : استو يا سواد ، فقال : يا رسول الله ! أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل ؛ فاقدني . قال : فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه ، وقال : استقد . قال : فاعتنقه فقبل بطنه ، فقال : ما حملك على هذا يا سواد ؟ قال : يا رسول الله ! حضر ما ترى ، فأردت أن يكون آخر العهد بك : أن يمس جلدي جلدك ! فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير
الموقف الثالث
نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه يوم حمي الوطيس فقال :” قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض” فقال عمير بن الحمام” بخ بخ “, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما يحملك على قولك : بخ بخ ؟ قال : لا , والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها قال : فإنك من أهلها , فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة. فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل.
الموقف الرابع
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوم بدر ” إني قد عرفت رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أُخرجوا كرهاً لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقي منكم أحداً من بني هاشم فلا يقتله ومن لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله , ومن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله ” فقال حذيفة بن عتبة بن ربيعة رضي الله عنه ـ ” أنقتل آبائنا وأبنائنا وإخواننا وعشيرتنا ونتركـ العباس والله لئن لقيته لألحمنه السيف في عنقه ” فالتفت النبي صلى الله علية وسلم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال : ” يا أبا حفص أيضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف!! فقال عمر : فوالله إنها أول مرة يكنني فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول : أبا حفص , فسل عمر سيفه وقال : يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه بالسيف فو الله لقد نافق , قال : لا دعه ,,
فقال حذيفة رضي الله عنه :: والله ما أنا بآمن بعد تلك الكلمة التي قلت يومئذ ولا أزال منها خائفاً إلا أن تكفرها عني الشهادة , فقتل رضي الله عنه شهيداً يوم اليمامة
..
الموقف الخامس
مر مصعب بن عمير رضي الله عنه بعد انتهاء المعركة بأخيه أبي عزيز بن عمير ، وكان أبو عزيز مشركاً خرج مع المشركين وأسر في المعركة، مر به وأحد الأنصار يشد يده , فقال مصعب رضي الله عنه للأنصاري : اشدد يدك عليه، فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك ، فقال أبو عزيز لمصعب رضي الله عنه : أهذه وصاتك بي؟ فقال له مصعب : إنه ـ أي الأنصاري ـ أخي دونك.
الموقف السادس
قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه يؤمئذ خاله العاص بن هشام بن المغيرة
انتهـــت هذه الصور الرائعة والتي أسعفني الوقت للوقوف عليها
فضل أهل بدر
قال صلى الله عليه وسلم : وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدرفقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم
,,, نسأل الله أن يجمعنا بأولئك الأخيار في دار كرامته
فإنا نشهد الله على حبهم , والمرء مع من أحب ,,,
وقد تكون لنا وقفات مع غزوات أخرى إن سهل الله لنا
وأرحب بأي إضافة ومواقف غفلنا عنها حول غزوة بدر