يقول الله تبارك وتعالى : (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (العنكبوت : 46 ) يعني : إذا اختلفتم أيها المسلمون مع اليهود والنصاري فلا تجادلوهم إلا بالخصلة التي هي أحسن , لأنهم أهل علم سماوي , فيرجى منهم أن يتعرفوا على الحق وأن يؤمنوا بالإسلام إذا كانوا من المعتدلين الذين يريدون معرفة الحق , أما إذا كانوا من الجامحين المتعصبين لأهوائهم المنحرفة وموروثاتهم الباطلة فهؤلاء الذين ظلموا أنفسهم بتعصبهم للباطل وعدم النظر لمستقبلهم الأخروي, وظلموكم أيها المسلمون بجحد الحق الذي تدعونهم إليه , فأغلظوا عليهم في المجادلة حتى تذهب منهم نخوة الشيطان وتتهيأ نفوسهم لقبول الحق , وقولوا لهم آمنا بالقرآن الذي أُنزل إلينا وبالتوارة والإنجيل الذين أُنزلا إليكم قبل أن يدخل إليهما التحريف , آمنا بهما على أنهما من وحي الله تعالى وأنهما مصدران لشريعة إلهية إلى زمن البعثة المحمدية , وإلهنا وإلهكم واحد هو الله جل وعلا , فأنبياؤكم ومن سبقوهم عليهم الصلاة والسلام دعوا إلى توحيد الله عز وجل, ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم دعا إلى التوحيد كذلك , فإذا تركتم الشرك الذي أحدثتموه وطبقتم ما أمركم به أنبياؤكم عليهم الصلاة والسلام من الإيمان بمحمد محمد صلى الله عليه وسلم إذا بعث فإن ذلك سيهديكم إلى الإيمان بالإسلام , ونحن المسلمين خاضعون لله تعالى وحده مطيعون له فأسلموا لله وحده يا أهل الكتاب تفلحوا .
ويقول الله تبارك وتعالى : (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) (العنكبوت : 61 ) أي: ولئن سألت أيها الرسول كفار مكة عن الإله الذي خلق السموات والأرض التي هي أعظم ما يشاهده الإنسان وسخر الشمس والقمر لنفع الكائنات ليقولُنَّ : الله , فهم يؤمنون بأن الله هو الرب الخالق وحده , فكيف يُصرفون عن إفراده بالعبادة ؟ وكيف يعبدون معه أوثانًا ليس لها أي شيء من الربوبية ؟!
(اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (العنكبوت : 62 ) فهو جل وعلا الرازق وحده فيوسع الرزق على من يشاء ويضيِّق على من يشاء حسب ما تقتضيه حكمته , وليس للأوثان ولا لجميع الخلق مشاركة معه تعالى فهو سبحانه بكل شيء عليم , ومن ذلك مافيه صلاح العباد وفسادهم .
(وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) (العنكبوت : 63 ) أي: أنهم يعترفون بأن الله وحده هو الذي نزل المطر وأحيا به الأرض , وماداموا يعترفون بذلك فلماذا يشركون معه غيره في العبادة ؟ : فقل يامحمد لهؤلاء المشركين : الحمد لله الذي أظهر الحق وهدى إليه خلقه , فليس الذي منع هؤلاء المشركين من إفراد الله تعالى بالعبادة هو عدم ظهور الحق بل أكثرهم لايستعملون عقولهم فيما خلقها الله جل وعلا من أجله , حيث اعترفوا بتوحيد الله تعالى في ربوبيته وجحدوا توحيده في ألوهيته , وهذا تناقض مع العقل السليم .