سنن السحور في رمضان
-عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً ».
هذه السنة العظيمة، والرخصة الكريمة، تركها بعض المسلمين، وأخل بها بعض
الصائمين، فبعض الناس يؤخر العَشَاء مستغنياً به عن السحور، والبعض يقدِّم السحور، فكلا الفريقين مجانب للصواب
وتارك للسنة. لقد أمرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بالسحور فقال: "تسحروا فإن في السحور بركة"، وعدَّ أكلة السحر
هي الفاصل بين صيام أهل الإسلام وصيام أهل الكتاب، فقال: "فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر" ،
وأمر أمته بتأخيره، فقال: "لا يزال الناس بخير ما عجِّلوا الفطر وأخروا السحور" ، وبيَّن لنا وقت السحور، فعن زيد بن
ثابت رضي الله عنه قال: "تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة؛ قيل: كم كان بينهما؟ قال: قدر خمسين آية".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان لرسـول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان: بـلال، وابن أم مكتوم، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "إن بلال يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم"، قال: ولم يكن بينهما إلا أن ينزل
هذا ويرقى هذا.
من بركات السحور...
1-أنه شعار المسلمين، وأن فيه مخالفةً لأهل الكتاب، قال النبي صلى الله عليه وسلم
فيما رواه مسلم: « فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَكْلَةُ السَّحَر ِ». ومن ذلك حصولُ الخيريةِ، والمحافظةُ عليها؛
عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ »
رواه البخاري ومسلم.
2-أن فيه تقويةً على الطاعة، وإعانةً على العبادة، وزيادةً في النشاط والعمل.
3-حصولُ الصلاةِ من الله وملائكته على المتسحرين، فعن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: «إِنَّ اللَّهَ وملائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى المُتَسَحِّرِينَ» رواه ابن حبان، والطبراني في (الأوسط)، وحسنه الألباني.
4-أن وقت السحور وقت مبارك؛ فهو وقت النزول الإلهي، كما يليق بجلال الله وعظمته، قال النبي صلى الله عليه
وسلم: « يَنزِلُ ربُّنا تباركَ وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السماءِ الدُّنيا حين يَبقى ثُلثُ الليل الآخرُ يقول: مَن يَدعوني فأستجيبَ له،
مَن يسألني فأُعطِيَه، من يَستغفِرُني فأغفِرَ له» رواه البخاري.
5- أن وقتَ السحرِ من أفضل أوقات الاستغفار إن لم يكن أفضلَها، كيف وقد أثنى الله عز وجل على المستغفرين في
ذلك الوقت بقوله: { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ }، وقوله: { وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }. فالقيام للسحور سببٌ لإدراك هذه
الفضيلة، ونيلِ بركات الاستغفار المتعددة.
6-أن تناولَه في حد ذاته عبادةٌ إذا نَوَى بها التَقَوِّيَ على طاعة الله، والمتابعةَ للرسول صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك أن
الصائم إذا تسحر لا يملُّ إعادة الصيام، بل يشتاق إليه، خلافاً لمن لا يتسحر؛ فإنه يجد حرجاً ومشقةً يُثْقِلان عليه العودة
إليه.
7-أن الله سبحانه يطرحُ الخيرَ في عمل المتسحر؛ فحريٌ به أن يوفّقَ لأعمال صالحة في ذلك اليوم؛ فيجد انبعاثاً لأداء
الفرائض، والنوافل، والإتيان بالأذكار، والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك، بخلاف ما إذا ترك السحور؛فإن الصيام قد يثقله عن الأعمال الصالحة.وبالجملة فإن بركاتِ السحورِ كثيرةٌ، ولا يمكن الإتيانُ عليها أو حصرُها؛ فلله في شرعه حكمٌ وأسرار تحار فيها العقول، وقد لا تحيط منها إلا بأقل القليل.من الأسباب المعيقة لتأخير السحور ما يأتي:
1. ما يفعله بعض المؤذنين بما يعرف بالتنبيه والتسحير، وهو خلاف السنة.
2. تقديم الأذان الأول، والسنة أن يكون الفارق بين الأذان الأول والثاني مقدار أن يطلع هذا وينزل هذا، وإن زاد على ذلك
فلا ينبغي أن يتجاوز ربع الساعة.
3. ما يقوم به بعض المسحرين في الأحياء من ضرب الطبول، وجوبان الشوارع، بعضهم من الساعة الثانية أوالثالثة، وفي هذا من الأضرار والإزعاج ما فيه، وإن لم يكن فيه إلا مخالفته للسنة لكفى، بجانب تقديم السحور، وربما كان ذلك سبباً في عدم قيام البعض لصلاة الصبح.
4. التقيد بالإمساكيات، حيث يؤمر فيها بالإمساك قبل نصف ساعة أوأكثر من طلوع الفجر، وهو خلاف السنة.
أخطاء في السحور ...
من الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين فيما يتعلق بسحور رمضان الأخطاء التالية:
1- ترك بعض الناس السحور، وهذا خلاف السنة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان من هديه تناول طعام السحور إذا
أراد صيام فرض أو نفل. وقد حث صلى الله عليه وسلم على تناول طعام السحور، وجعله فارقًا بين صيام المسلمين
وصيام أهل الكتاب، يقول عليه الصلاة والسلام: ( تسحروا؛ فإن في السحور بركة ) متفق عليه، ويقول عليه الصلاة والسلام: ( فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب، أكلة السحر ) رواه مسلم ، وعلاوة على ما تقدم، فإن في السحور
تقوية على الصيام، فلا ينبغي ترك هذه السنة المباركة.
2- التبكير في تناول طعام السحور وتقديمه في منتصف الليل أو قبل الفجر بساعة أو ساعتين، وهذا خلاف السنة أيضًا؛
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذا الشأن: ( عَجِّلوا الإفطار، وأخِّروا السحور ) رواه الطبراني وصححه
الألباني . والسنة أن يكون تناول السحور في وقت السحر، أي قبيل طلوع الفجر بشيء يكفي لتناول طعام السحور،
ويمكن تقديره بنصف ساعة تقريبًا. ومنه سمي السحور سحوراً، فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم و زيد بن ثابت تسحَّرا، فلما فرغا من سحورهما قام النبي صلى الله عليه وسلّم إلى الصلاةِ فصلى، فسئل أنس : كم
كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة ؟ قال: " قدْرَ ما يقرأ الرجل خمسين آية " رواه البخاري .
3- الاستمرار في الأكل والشرب مع أذان الصبح وهو يسمع النداء؛ إذ الواجب على العبد أن يحتاط لصومه، فيمسك قبل
أذان الفجر بدقيقتين أو ثلاث، وعلى أكثر تقدير بمجرد أن يسمع أذان المؤذن .