عدم التكافؤ بين الشمال والجنوب
المقدمة
بعد الحرب العالمية الثانية برزت عدة تناقضات داخل المجموعة الدولية،كان من أبرزها عدم التكافؤ بين دول قوية غنية(الشمال)ودول فقيرة(الجنوب).فما هي مظاهر عدم التكافؤ بين المجموعتين؟وماهي طبيعة العلاقات التي تربط بينهما؟
البداية
تتميز المنظومة الدولية بعدم التكافؤ بين الشمال والجنوب:
1-تستعمل مجموعة مفاهيم ومؤشرات للتعبير عن عدم التكافؤ بين الشمال والجنوب:
-معايير عدم التكافؤ:بعد الحرب العالميةIIعادت الخلافات والتناقضات بين دول العالم لتفضي إلى التمييز بين هذه الدول وتصنيفها اعتمادا على معيارين:
|معيار إيديولوجي:وذلك بالتمييز بين مجموعتين:
•الأولى اشتراكية تابعة للاتحاد السوفياتي.
•الثانية رأسمالية غربية تتزعمها الولايات المتحدة الأمريكية.
|معيار اقتصادي:وذلك بالتمييز بين مجموعتين:
•دول قوية اقتصاديا،واستعملت عدة مصطلحات بالنسبة لهذه الدول:الدول المتقدمةpays développés ،دول العالمIوII ،دول المركز،دول الشمال.
•دول ضعيفة اقتصاديا،وقد استعملت عدة مصطلحات للتعبير عن وضعية هذه الدول الضعيفة:الدول المتخلفةpays sous-développés،دول سائرة في طريق النموpays en voie de développement ،دول العالم الثالثpays du tiers monde ،دول المحيط،دول الجنوبpays du sud .
-مؤشرات عدم التكافؤ:تم الاعتماد في التعبير عن عدم التكافؤ على مجموعة مؤشرات منها:
|الناتج الوطني الإجمالي للفرد:وهو نصيب كل فرد من الناتج الداخلي الإجمالي،وباستعماله لا تؤخذ بعين الاعتبار التفاوتات الاجتماعية والقدرة الشرائية الحقيقية.
|مؤشر التنمية البشرية:يرتكز على ثلاثة معطيات:مستوى الصحة،مستوى المعرفة،مستوى الدخل.
=ويلاحظ أن دول الشمال تهيمن على معظم ثروات العالم في حين أن دول الجنوب تملك الثروات الطبيعية وآهلة بالسكان. وتوجد تفاوتات بين دول الشمال،وأيضا بين دول الجنوب.
2-أفرز التطور في العلاقات بين دول العالم منظومة تتمحور حول قطب ثلاثي:
-تتخذ أوضاع دول العالم شكل منظومة يحتل مركزها قطب ثلاثي(الاتحاد الأوربي،الولايات المتحدة الأمريكية،اليابان)تحيط به باقي دول الشمال ثم دول الجنوب،في أوضاع متباينة حسب ثرواتها ودرجة تقدمها.
-عوامل عدم التكافؤ:هناك مجموعة تفسيرات وراء وضعية عدم التكافؤ بين دول الشمال ودول الجنوب:
|الأسباب التاريخية:حيث هيمنت أوربا الشمالية الغربية على مختلف دول العالم،وقامت بنشر ثقافتها،وتخصصت في الصناعة (التي عرفت حدوث الثورة الصناعية)بينما كانت المستعمرات مصدرة للمواد الأولية،وبعد حصول المستعمرات على الاستقلال السياسي استمرت الهيمنة الاقتصادية والثقافية وزاد في ذلك حدوث الثورة التكنولوجية والمعلوماتية لدول الشمال.
|الأسباب الذاتية:تتمثل في وجود ظروف طبيعية غير ملائمة وانفجار ديمغرافي وتفاوت اجتماعي كبير بدول الجنوب.
البداية
تتعدد المظاهر الديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية لعدم التكافؤ:
1-تختلف المعطيات الديمغرافية بين دول الشمال ودول الجنوب:
-النمو الديمغرافي:يوجد80%من سكان العالم بدول الجنوب،ويفسر هذا التفاوت بتباين السلوك الديمغرافي بين المنطقتين:
|دول الشمال:معظمها أنهت الانتقال الديمغرافي،حيث تتوفر حاليا على نسبة تزايد طبيعي منخفضة وانخفاض معدل الخصوبة وارتفاع أمد الحياة،وينتج عن ذلك شيخوخة المجتمع ويؤثر ذلك على المجال الاقتصادي.
|دول الجنوب:تعرف نموا ديمغرافيا تقليديا،وشهدت هذه الدول تحولا بانخفاض نسبة الوفيات ومعدل الخصوبة وينتج عن ذلك حدوث انفجار ديمغرافي،وارتفاع نسبة الصغار.
-النمو الحضري:يتزايد النمو الحضري في العالم بوتيرة سريعة أدت إلى حدوث انفجار حضري كبير حيث ارتفع عدد المدن المليونية،وتتباين خصائص النمو الحضري بين الشمال والجنوب.
|فقد انطلقت ظاهرة التمدين في معظم دول الشمال بعد الثورة الصناعية،في حين عرفتها معظم دول الجنوب في منتصف القرن العشرين.
|انتقلت المراتب الأولى للمدن الكبرى من دول الشمال(نيويورك،طوكيو)إلى دول الجنوب(ريودي جانيرو،ساوباولو،مكسيكو).
|تنمو مدن الجنوب بوتيرة أسرع من مدن دول الشمال.
|تتباين مشاكل المدن بين دول الشمال ودول الجنوب.
2-تتباين المظاهر الاجتماعية لعدم التكافؤ بين الشمال والجنوب:
-على المستوى المادي:
|يتمتع معظم سكان الشمال بمستويات معيشية مرتفعة.
|تعيش نسبة هامة من سكان الجنوب تحت عتبة الفقر.
-على مستوى التغذية:
|تمكنت دول الشمال من تحقيق أمن غذائي كافي.
|يعاني سكان الجنوب من نقص وسوء التغذية.
-على مستوى التأطير الصحي:وجود تفاوت كبير في عدد الأطباء وعدد الأسرة بين دول الشمال ودول الجنوب.
-على مستوى اكتساب المعرفة:
|تبلغ نسبة الإلمام بالقراءة والكتابة100%في دول الشمال.
|تقل عن35%في دول الجنوب.
-على مستوى التمدرس:ثلث الأطفال فقط يلجون المدارس في دول الجنوب.
-على مستوى توزيع الدخل الداخلي الإجمالي:تعاني دول الجنوب من وجود تفاوت طبقي كبير حيث تستحوذ أقلية من السكان على قسط هام من الدخل.
3-يعتبر التباين الاقتصادي من أبرز مظاهر عدم التكافؤ بين الشمال والجنوب:
-الهياكل الاقتصادية:يظهر عدم التكافؤ في مستوى العلاقات بين القطاعات الاقتصادية إذ تحقق دول الشمال تكاملا واندماجا بين مختلف القطاعات في حين ينعدم هذا التكامل في دول الجنوب إضافة إلى وجود طابع الازدواجية الاقتصاديةLa dualisme économiqueفي دول الجنوب(قطاع تقليدي وقطاع عصري):
|على مستوى الفلاحة:تحقق دول الشمال إنتاجا ضخما رغم ضعف نسبة السكان النشيطين،وبالمقابل فرغم أهمية الفلاحة في دول الجنوب فهي تعتمد على أساليب تقليدية ولا تحقق الاكتفاء الذاتي.
|على مستوى الصناعة:حققت دول الشمال نهضتها الصناعية بفضل حدوث الثورة الصناعية،وتوفرها على مختلف أنواع الصناعة،في حين تعتبر دول الجنوب حديثة التصنيع وترتبط في نهضتها الصناعية بدول الشمال.
|على مستوى التجارة:ترتبط دول الشمال ودول الجنوب بعلاقات تجارية غير متكافئة حيث تعتبر دول الجنوب مصدرة للمواد الأولية ومستوردة للمواد الغذائية والصناعية.
-تضخم المديونية:تراكمت لدى أبناك دول الشمال رصيدا ماليا هاما وخاصة بعد أزمة البترول سنة1973،وتم استثماره بتقديم قروض لدول الجنوب،وسبب تراكم هذه القروض وتضخم المديونية وعجز دول الجنوب عن تسديد ديونها لجوء المؤسسات المالية الدولية(صندوق النقد الدولي والبنك الدولي)إلى فرض تطبيق برنامج التقويم الهيكلي الذي نتجت عن تطبيقه مشاكل اجتماعية متعددة.
-مساعدات دول الشمال لدول الجنوب:أصبحت حدة الفوارق بين دول الشمال ودول الجنوب تهدد بانتقال مشاكل الجنوب إلى الشمال،وخاصة مع تزايد الارتباط بين المجموعتين وعولمة المبادلات التجارية.وتزايد الهجرة السرية،وعجز دول الجنوب عن الوفاء بالتزاماتها المالية من قوة هذا الارتباط.وتقدم دول الشمال مساعدات لدول الجنوب قصد التخفيف من حدة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية،وتصنف هذه المساعدات إلى:
|مساعدات المؤسسات العمومية:تتم من طرف الدول والمؤسسات المالية الدولية،وتكون غالبا مشروطة.
|مساعدات المنظمات غير الحكومية:تتجه نحو إنجاز مشاريع لفائدة السكان وخاصة في البوادي،وتعتبر غير ناجعة بسبب سوء استخدامها من طرف دول الجنوب.
خاتمة
توجد علاقات غير متكافئة بين دول الشمال ودول الجنوب على المستوى الديمغرافي والاجتماعي والاقتصادي بسبب عوامل تاريخية وذاتية مرتبطة بدول الجنوب.