| قصص الاْنبياء من ادم عليه السلام الى خاتم النبئين و المرسلين محمد (ص)عليه افضل الصلاة و التسليم | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
اْستاذ صادق الرتبة
الدولة : الجنس : تاريخ التسجيل : 15/03/2011 عدد المساهمات : 10473 المهنة :
| موضوع: قصص الاْنبياء من ادم عليه السلام الى خاتم النبئين و المرسلين محمد (ص)عليه افضل الصلاة و التسليم الأربعاء سبتمبر 21, 2011 6:59 am | |
| النبي ادم
سيدنا ءادم عليه السلام هو أبو البشر وأول إنسان خلقه الله تعالى، فهو أول النوع البشري الذي فضله الله على سائر أنواع المخلوقات، فهو أفضل من النوع الملائكى وأفضل من النوع الجني.
وكان خلقه عليه السلام في الجنة ءاخر ساعة من يوم الجمعة من الأيام الست التي خلق الله فيها السموات والأرض كما جاء في حديث مسلم، وروى مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال(خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق ءادم)).
كيف خلق آدم عليه السلام
سبحانه وتعالى بمشيئته الأزلية التي لا تتبدل ولا تتغير وجود ءادم عليه السلام فأبرزه بقدرته من العدم إالى الوجود. فقد أمر الله تعالى ملكا من ملائكته الكرام أن يأخذ من جميع أنواع تراب الأرض التي نعيش عليها ليخلق منه ءادم عليه السلام، فأخذ هذا الملك من جميع أنواع تراب الأرض من أبيضها وأسودها وما بين ذلك، ومن سهلها وحزنها أي قاسيها وما بين ذلك،ومن طيبها ورديئها ومما هو بين ذلك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(إن الله قبض قبضة من الأرض من أبيضها وأسودها وما بين ذلك، ومن طيبها ورديئها وما بين ذلك فجاء ذرية ءادم على قدر ذلك)) رواه ابن حبان وغيره، وعند أحمد ((فجاء بنو ءادم على قدر الأرض، فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والسهل والحزم وبين ذلك، والخبيث والطيب وبين ذلك)).
أي جاءت أحوال وألوان ذرية ءادم عليه السلام مختلفة بسبب هذا التراب المختلف الذي خُلق منه ءادم عليه الصلاة والسلام.
قيل سمي ءادم بهذا الاسم لأنه من أديم الأرض.
خلق الله سيدنا ءادم جميل الشكل والصورة وحسن الصوت لأن جميع أنبياء الله الذين بعثهم الله لهداية الناس كانوا على صورة جميلة وشكل حسن وكذلك كانوا جميلي الصوت، قال صلى الله عليه وسلم( ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت وإن نبيكم إحسنهم وجها وأحسنهم صوتا)).
ولقد كان طول سيدنا ءادم عليه الصلاة والسلام ستين ذراعاً شبهه رسول الله في الطول بالنخلة السحُوق، فلما خلقه الله قال: اذهب فسلم على أولئك - نفر من الملائكة جلوس - فاستمع ما يُحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله. وكل من يدخل الجنة يكون على صورة ءادم في الطول فقد ورد في مسند الإمام أحمد بإسناد حسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة يدخلون الجنة على خلق ءادم ستين ذراعاً في عرض سبعة أذرع.
روى الإمام أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم((إن الله عز وجل لما صور ءادم تركه ما شاء الله أن يتركه فجعل إبليس يُطيف به فلما رءاه أجوف عرف أنه خلق لا يتمالك))، وعند أبي يعلي(فكان إبليس يمر به فيقول:لقد خلقت لأمر عظيم)).
ففي هذا الحديث الصحيح دليل على أن إبليس كان في الجنة لما خلق ءادم وذلك قبل أن يكفر لأنه كان مسلما يتعبد مع الملائكة ولم يكن منهم من حيث الجنس والأصل لأن الملائكة أصلهم النور وإبليس أصله من مارج من نار أي لهب النار، وفيه أن إبليس كان يدور حول هيكل ءادم وذلك قبل أن ينفخ فيه الروح فرءاه أجوف أي شيئا غير مصمت بل له جوف، فعرف أنه خلق لا يتمالك أي ليس كالملائكة ولا كالجمادات بل هو أضعف من ذلك.
ومن الكذب الظاهر ما شاع من نظرية ابتدعها بعض الكفار وهي أن أصل البشر قرد أو يشبه القرد وهذا فيه تكذيب
لقوله تعالى:فسيدنا ءادم عليه الصلاة والسلام هو أول إنسان خلقه الله تبارك وتعالى ولم يكن أصله قرداً ثم ترقى حتى صار إنساناً فنظرية داروين التي تقول إن الإنسان أصله قرد ثم ترقى بسبب العوامل المجهولة حتى صار هذا الإنسان، هي نظرية باطلة لا تقوم على أساس علمي وتردها دلائل النقل وإن تلقفها المفتونون بكل جديد ولو كان سخيفاً باطلا.
وما جاء في القرءان من مسخ بعض اليهود قردة وخنازير فهو حالة نادرة جعلها الله تبارك وتعالى عذابا للذين اعتدوا في السبت وعصوا الله تبارك وتعالى وموعظة وعبرة للمتقين، قال الله تبارك وتعال في كتابه الحكيم: .
على أن أولئك الذين مسخهم الله تبارك وتعالى قردة لم يعيشوا طويلا بل عاشوا ثلاثة أيام ثم ماتوا ولم يتركوا نسلا من جنس ما مسخوا إليه. هبوط آدم وحواء إلى الأرض
وهبط آدم وحواء إلى الأرض. واستغفرا ربهما وتاب إليه. فأدركته رحمة ربه التي تدركه دائما عندما يثوب إليها ويلوذ بها ... وأخبرهما الله أن الأرض هي مكانهما الأصلي.. يعيشان فيهما، ويموتان عليها، ويخرجان منها يوم البعث. يتصور بعض الناس أن خطيئة آدم بعصيانه هي التي أخرجتنا من الجنة. ولولا هذه الخطيئة لكنا اليوم هناك.
وهذا التصور غير منطقي لأن الله تعالى حين شاء أن يخلق آدم قال للملائكة: "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً" ولم يقل لهما إني جاعل في الجنة خليفة. لم يكن هبوط آدم إلى الأرض هبوط إهانة، وإنما كان هبوط كرامة كما يقول العارفون بالله. كان الله تعالى يعلم أن آدم وحواء سيأكلان من الشجرة. ويهبطان إلى الأرض.
أما تجربة السكن في الجنة فكانت ركنا من أركان الخلافة في الأرض. ليعلم آدم وحواء ويعلم جنسهما من بعدهما أن الشيطان طرد الأبوين من الجنة، وأن الطريق إلى الجنة يمر بطاعة الله وعداء الشيطان... .........سيدنا ادريس........
ملخص قصة إدريس عليه السلام
كان صديقا نبيا ومن الصابرين، أول نبي بعث في الأرض بعد آدم، وهو أبو جد نوح، أنزلت عليه ثلاثون صحيفة، ودعا إلى وحدانية الله وآمن به ألف إنسان، وهو أول من خط بالقلم وأول من خاط الثياب ولبسها، وأول من نظر في علم النجوم وسيرها.
قال تعالى في سورة (مريم):
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا
إدريس عليه السلام هو أحد الرسل الكرام الذين أخبر الله تعالي عنهم في كتابة العزيز، وذكره في بضعة مواطن من سور القرآن، وهو ممن يجب الإيمان بهم تفصيلاً أي يجب اعتقاد نبوته ورسالته على سبيل القطع والجزم لأن القرآن قد ذكره باسمه وحدث عن شخصه فوصفه بالنبوة والصديقية. نسبة هو إدريس بن يارد بن مهلائيل وينهي نسبة إلى شيث بن آدم عليه السلام واسمه عند العبرانيين (خنوخ) وفي الترجمة العربية (أخنوخ) وهو من أجداد نوح عليه السلام.
إدريس عليه السلام هو أول بني آدم أعطي النبوة بعد (آدم) و(شيث) عليهما السلام، وذكر ابن إسحاق أنه أول من خط بالقلم، وقد أدرك من حياة آدم عليه السلام 308 سنوات لأن آدم عمر طويلاً زهاء 1000 ألف سنة كما مر في قصته عليه السلام.
وقد أختلف العلماء في مولده ونشأته، فقال بعضهم إن إدريس ولد ببابل، وقال آخرون إنه ولد بمصر والصحيح الاول، وقد أخذ في أول عمره بعلم شيث بن آدم، ولما كبر آتاه الله النبوة فنهي المفسدين من بني آدم عن مخالفتهم شريعة (آدم) وشيث) فأطاعه نفر قليل، وخالفه جمع خفير، فنوى الرحلة عنهم وأمر من أطاعه منهم بذلك فثقل عليهم الرحيل عن أوطانهم فقالوا له، وأين نجد إذا رحلنا مثل (بابل) فقال إذا هاجرنا الله رزقنا غيره، فخرج وخرجوا حتى وصلوا إلى أرض مصر فرأوا النيل فوقف على النيل وسبح الله، وأرقام إدريس ومن معه بمصر يدعو الناس إلى الله وإلى مكارم الأخلاق.
وقد كانت مدة إقامة (إدريس) عليه السلام في الأرض (82) سنة ثم رفعه الله إليه كما قال تعالي (ورفعناه مكاناً عليا) وكانت له مواعظ وآداب فقد دعا إلى دين الله، وإلى عبادة الخالق جل وعلا، وتخليص النفوس من العذاب في الآخرة، بالعمل الصالح في الدنيا وحض على الزهد في هذه الدنيا الفانية الزائلة، وأمرهم بالصلاة والصيام والزكاة وغلظ عليهم في الطهارة من الجنابة، وحرم المسكر من كل شي من المشروبات وشدد فيه أعظم تشديد وقيل إنه كان في زمانه 72 لساناً يتكلم الناس بها وقد علمه الله تعالي منطقهم جميعاً ليعلم كل فرقة منهم بلسانهم. وهو أول من علم السياسة المدنية، ورسم لقومه قواعد تمدين المدن، فبنت كل فرقة من الأمم مدناً في أرضها وانشئت في زمانه 188 مدينة وقد اشتهر بالحكمة فمن حكمة قوله، (خير الدنيا حسرة، وشرها ندم ) وقوله (السعيد من نظر إلى نفسه وشفاعته عند ربه أعماله الصالحة) وقوله الصبر مع الإيمان يورث نوح (عليه السلام) كان ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر رجالا صالحين أحبهم الناس، فلما ماتوا حزنوا عليهم حزنًا شديداً، واستغل الشيطان هذه الفرصة فوسوس للناس أن يصنعوا لهم تماثيل تخليداً لذكراهم، ففعلوا، ومرت السنوات، ومات الذين صنعوا تلك التماثيل، وجاء أحفادهم، فأغواهم الشيطان وجعلهم يظنون أن تلك التماثيل هي آلهتهم فعبدوها من دون الله، وانتشر الكفر بينهم، فبعث الله إليهم رجلا منهم، هو نوح -عليه السلام- فاختاره الله واصطفاه من بين خلقه، ليكون نبيًّا ورسولا، وأوحى إليه أن يدعو قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له. وظل نوح -عليه السلام- يدعو قومه إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام، فقال لهم: {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} [الأعراف:59] فاستجاب لدعوته عدد من الفقراء والضعفاء، أما الأغنياء والأقوياء فقد رفضوا دعوته، كما أن زوجته وأحد أبنائه كفرا بالله ولم يؤمنا به، وظل الكفار يعاندونه، وقالوا له: {ما نراك إلا بشرًا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين} [هود:27]. ولم ييأس نوح -عليه السلام- من عدم استجابتهم له، بل ظل يدعوهم بالليل والنهار، وينصحهم في السر والعلن، ويشرح لهم برفق وهدوء حقيقة دعوته التي جاء بها، إلا أنهم أصرُّوا على كفرهم، واستمروا في استكبارهم وطغيانهم، وظلوا يجادلونه مدة طويلة، وأخذوا يؤذونه ويسخرون منه، ويحاربون دعوته. وذات يوم ذهب بعض الأغنياء إلى نوح -عليه السلام- وطلبوا منه أن يطرد الفقراء الذين آمنوا به؛ حتى يرضى عنه الأغنياء ويجلسوا معه ويؤمنوا بدعوته فقال لهم نوح: {ما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قومًا تجهلون . ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون} [هود:29-30] فغضب قومه واتهموه بالضلال، وقالوا: {إنا لنراك في ضلال مبين } [الأعراف:60]. فقال لهم: {يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين . أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون} [الأعراف:61-62] واستمر نوح -عليه السلام- يدعو قومه يومًا بعد يوم، وعامًا بعد عام، دون أن يزيد عدد المؤمنين، وكان إذا ذهب إلى بعضهم يدعوهم إلى عبادة الله، ويحدثهم عن الإيمان به، وضعوا أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوا كلامه، وإذا ذهب إلى آخرين يحدثهم عن نعم الله عليهم وعن حسابهم يوم القيامة، وضعوا ثيابهم على وجوههم حتى لا يروه، واستمر هذا الأمر طويلا حتى قال الكفار له: {يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين} [هود:32]. فقال لهم نوح: {إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين . ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون} [هود: 33-34] وحزن نوح -عليه السلام- لعدم استجابة قومه وطلبهم للعذاب، لكنه لم ييأس، وظل لديه أمل في أن يؤمنوا بالله -تعالى- ومرت الأيام والسنون دون نتيجة أو ثمرة لدعوته، واتَّجه نوح -عليه السلام- إلى ربه يدعوه، ويشكو له ظلم قومه لأنفسهم، فأوحى الله إليه: {إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون} [هود:36]. وظل نوح -عليه السلام- يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين (950 سنة) دون أن يجد منهم استجابة، فقال: {رب إن قومي كذَّبونِ . فافتح بيني وبينهم فتحًا ونجني ومن معي من المؤمنين} [الشعراء:117-118] ودعا عليهم بالهلاك، فقال: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا . إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرًا كفارًا} [نوح: 26-27] فأمره الله أن يصنع سفينة، وعلَّمه كيف يتقن صنعها، وبدأ نوح -عليه السلام- والمؤمنون معه في صنع السفينة، وكلما مر الكفار عليهم سخروا منهم واستهزءوا بهم؛ إذ كيف يصنعون سفينة وهم يعيشون في صحراء جرداء لا بحر فيها ولا نهر، وزاد استهزاؤهم حينما عرفوا أن هذه السفينة هي التي سوف ينجو بها نوح ومن معه من المؤمنين حينما ينزل عذاب الله. وأتمَّ نوح -عليه السلام- صنع السفينة، وعرف أن الطوفان سوف يبدأ، فطلب من كل المؤمنين أن يركبوا السفينة، وحمل فيها من كل حيوان وطير وسائر المخلوقات زوجين اثنين، واستقر نوح -عليه السلام- على ظهر السفينة هو ومن معه، وبدأ الطوفان، فأمطرت السماء مطرًا غزيرًا، وتفجرت عيون الماء من الأرض وخرج الماء منها بقوة، فقال نوح: {بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم} [هود:41] . وبدأت السفينة تطفو على سطح الماء، ورأى نوح -عليه السلام- ابنه، وكان كافرًا لم يؤمن بالله، فناداه: {يا بني اركب معنا ولا تكن من الكافرين} [هود:42] فامتنع الابن ورفض أن يلبي نداء أبيه، وقال: {سآوي إلى جبل يعصمني من الماء} [هود:43] فقد ظن أن الماء لن يصل إلى رءوس الجبال وقممها العالية، فحذره نوح -عليه السلام- وقال له: {لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم} [هود: 43]. ورأى المشركون الماء يملأ بيوتهم، ويتدفق بسرعة رهيبة، فأدركوا أنهم هالكون فتسابقوا في الصعود إلى قمم الجبال، ولكن هيهات .. هيهات، فقد غطى الماء قمم الجبال، وأهلك الله كلَّ الكافرين والمشركين، ونجَّى نوحًا -عليه السلام- والمؤمنين؛ فشكروا الله على نجاتهم، وصدر أمر الله -تعالى- بأن يتوقف المطر، وأن تبتلع الأرض الماء: {وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودى وقيل بعدًا للقوم الظالمين} [هود: 44] وابتلعت الأرض الماء، وتوقفت السماء عن المطر، ورست السفينة على جبلٍ يسَمَّى الجودى. ثم أمر الله نوحًا -عليه السلام- ومن معه من المؤمنين بالهبوط من السفينة، قال تعالى: {يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم} [هود:48] وناشد نوح -عليه السلام- ربه في ولده، وسأله عن غرقه استفسارًا واستخبارًا عن الأمر، وقد وعده أن ينجيه وأهله، فقال سبحانه: {إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح} [هود:46] وكان ابن نوح من الكافرين فلم يستحق رحمة الله، فامتثل نوح لأمر الله، وهبط من السفينة ومعه المؤمنون، وأطلق سراح الحيوانات والطيور، لتبدأ دورة جديدة من الحياة على الأرض، وظل نوح يدعو المؤمنين، ويعلمهم أحكام الدين، ويكثر من طاعة الله من الذكر والصلاة الصيام إلى أن توفي ولقى ربه.
هود عليه السلام
نبذة:
أرسل إلى قوم عاد الذين كانوا بالأحقاف، وكانوا أقوياء الجسم والبنيان وآتاهم الله الكثير من رزقه ولكنهم لم يشكروا الله على ما آتاهم وعبدوا الأصنام فأرسل لهم الله هودا نبيا مبشرا، كان حكيما ولكنهم كذبوه وآذوه فجاء عقاب الله وأهلكهم بريح صرصر عاتية استمرت سبع ليال وثمانية أيام.
سيرته: عبادة الناس للأصنام: بعد أن ابتلعت الأرض مياه الطوفان الذي أغرق من كفر بنوح عليه السلام، قام من آمن معه ونجى بعمارة الأرض. فكان كل من على الأرض في ذلك الوقت من المؤمنين. لم يكن بينهم كافر واحد. ومرت سنوات وسنوات. مات الآباء والأبناء وجاء أبناء الأبناء. نسى الناس وصية نوح، وعادت عبادة الأصنام. انحرف الناس عن عبادة الله وحده، وتم الأمر بنفس الخدعة القديمة.
قال أحفاد قوم نوح: لا نريد أن ننسى آبائنا الذين نجاهم الله من الطوفان. وصنعوا للناجين تماثيل ليذكروهم بها، وتطور هذا التعظيم جيلا بعد جيل، فإذا الأمر ينقلب إلى العبادة، وإذا بالتماثيل تتحول بمكر من الشيطان إلى آلهة مع الله. وعادت الأرض تشكو من الظلام مرة ثانية. وأرسل الله سيدنا هودا إلى قومه.
إرسال هود عليه السلام: كان "هود" من قبيلة اسمها "عاد" وكانت هذه القبيلة تسكن مكانا يسمى الأحقاف.. وهو صحراء تمتلئ بالرمال، وتطل على البحر. أما مساكنهم فكانت خياما كبيرة لها أعمدة شديدة الضخامة والارتفاع، وكان قوم عاد أعظم أهل زمانهم في قوة الأجسام، والطول والشدة.. كانوا عمالقة وأقوياء، فكانوا يتفاخرون بقوتهم. فلم يكن في زمانهم أحد في قوتهم. ورغم ضخامة أجسامهم، كانت لهم عقول مظلمة. كانوا يعبدون الأصنام، ويدافعون عنها، ويحاربون من أجلها، ويتهمون نبيهم ويسخرون منه. وكان المفروض، ما داموا قد اعترفوا أنهم أشد الناس قوة، أن يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة.
قال لهم هود نفس الكلمة التي يقولها كل رسول. لا تتغير ولا تنقص ولا تتردد ولا تخاف ولا تتراجع. كلمة واحدة هي الشجاعة كلها، وهي الحق وحده (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ).
وسأله قومه: هل تريد أن تكون سيدا علينا بدعوتك؟ وأي أجر تريده؟
إن هذه الظنون السئية تتكرر على ألسنة الكافرين عندما يدعوهم نبيهم للإيمان بالله وحده. فعقولهم الصغيرة لا تتجاوز الحياة الدنيوية. ولا يفكروا إلا بالمجد والسلطة والرياسة.
أفهمهم هود أن أجره على الله، إنه لا يريد منهم شيئا غير أن يغسلوا عقولهم في نور الحقيقة. حدثهم عن نعمة الله عليهم، كيف جعلهم خلفاء لقوم نوح، كيف أعطاهم بسطة في الجسم، وشدة في البأس، كيف أسكنهم الأرض التي تمنح الخير والزرع. كيف أرسل عليهم المطر الذي يحيى به الأرض. وتلفت قوم هود حولهم فوجدوا أنهم أقوى من على الأرض، وأصابتهم الكبرياء وزادوا في العناد.
قالوا لهود: كيف تتهم آلهتنا التي وجدنا آباءنا يعبدونها؟ قال هود: كان آباؤكم مخطئين. قال قوم هود: هل تقول يا هود إننا بعد أن نموت ونصبح ترابا يتط... في الهواء، سنعود إلى الحياة؟ قال هود: ستعودون يوم القيامة، ويسأل الله كل واحد فيكم عما فعل.
انفجرت الضحكات بعد هذه الجملة الأخيرة. ما أغرب ادعاء هود. هكذا تهامس الكافرون من قومه. إن الإنسان يموت، فإذا مات تحلل جسده، فإذا تحلل جسده تحول إلى تراب، ثم يهب الهواء ويتط... التراب. كيف يعود هذا كله إلى أصله؟! ثم ما معنى وجود يوم للقيامة؟ لماذا يقوم الأموات من موتهم؟
استقبل هود كل هذه الأسئلة بصبر كريم.. ثم بدأ يحدث قومه عن يوم القيامة.. أفهمهم أن إيمان الناس بالآخرة ضرورة تتصل بعدل الله، مثلما هي ضرورة تتصل بحياة الناس. قال لهم ما يقوله كل نبي عن يوم القيامة. إن حكمة الخالق المدبر لا تكتمل بمجرد بدء الخلق، ثم انتهاء حياة المخلوقين في هذه الأرض. إن هذه الحياة اختبار، يتم الحساب بعدها. فليست تصرفات الناس في الدنيا واحدة، هناك من يظلم، وهناك من يقتل، وهناك من يعتدي.. وكثيرا ما نرى الظالمين يذهبون بغير عقاب، كثيرا ما نرى المعتدين يتمتعون في الحياة بالاحترام والسلطة. أين تذهب شكاة المظلومين؟ وأين يذهب ألم المضطهدين؟ هل يدفن معهم في التراب بعد الموت؟
إن العدالة تقتضي وجود يوم للقيامة. إن الخير لا ينتصر دائما في الحياة. أحيانا ينظم الشر جيوشه ويقتل حملة الخير. هل تذهب هذه الجريمة بغير عقاب؟
إن ظلما عظيما يتأكد لو افترضنا أن يوم القيامة لن يجئ. ولقد حرم الله تعالى الظلم على نفسه وجعله محرما بين عباده. ومن تمام العدل وجود يوم للقيامة والحساب والجزاء. ذلك أن يوم القيامة هو اليوم الذي تعاد فيه جميع القضايا مرة أخرى أمام الخالق، ويعاد نظرها مرة أخرى. ويحكم فيها رب العالمين سبحانه. هذه هي الضرورة الأولى ليوم القيامة، وهي تتصل بعدالة الله ذاته.
وثمة ضرورة أخرى ليوم القيامة، وهي تتصل بسلوك الإنسان نفسه. إن الاعتقاد بيوم الدين، والإيمان ببعث الأجساد، والوقوف للحساب، ثم تلقي الثواب والعقاب، ودخول الجنة أو النار، هذا شيء من شأنه أن يعلق أنظار البشر وقلوبهم بعالم أخر بعد عالم الأرض، فلا تستبد بهم ضرورات الحياة، ولا يستعبدهم الطمع، ولا تتملكهم الأنانية، ولا يقلقهم أنهم لم يحققوا جزاء سعيهم في عمرهم القصير المحدود، وبذلك يسمو الإنسان على الطين الذي خلق منه إلى الروح الذي نفخه ربه فيه. ولعل مفترق الطريق بين الخضوع لتصورات الأرض وقيمها وموازينها، والتعلق بقيم الله العليا، والانطلاق اللائق بالإنسان، يكمن في الإيمان بيوم القيامة.
حدثهم هود بهذا كله فاستمعوا إليه وكذبوه. قالوا له هيهات هيهات.. واستغربوا أن يبعث الله من في القبور، استغربوا أن يعيد الله خلق الإنسان بعد تحوله إلى التراب، رغم أنه خلقه من قبل من التراب. وطبقا للمقاييس البشرية، كان ينبغي أن يحس المكذبون للبعث أن إعادة خلق الإنسان من التراب والعظام أسهل من خلقه الأول. لقد بدأ الله الخلق فأي صعوبة في إعادته؟! إن الصعوبة -طبقا للمقياس البشري- تكمن في الخلق. وليس المقياس البشري غير مقياسٍ بشري ينطبق على الناس، أما الله، فليست هناك أمور صعبة أو سهلة بالنسبة إليه سبحانه، تجري الأمور بالنسبة إليه سبحانه بمجرد الأمر صالح عليه السلام
نبذة:
أرسله الله إلى قوم ثمود وكانوا قوما جاحدين آتاهم الله رزقا كثيرا ولكنهم عصوا ربهم وعبدوا الأصنام وتفاخروا بينهم بقوتهم فبعث الله إليهم صالحا مبشرا ومنذرا ولكنهم كذبوه وعصوه وطالبوه بأن يأتي بآية ليصدقوه فأتاهم بالناقة وأمرهم أن لا يؤذوها ولكنهم أصروا على كبرهم فعقروا الناقة وعاقبهم الله بالصاعقة فصعقوا جزاء لفعلتهم ونجى الله صالحا والمؤمنين.
سيرته:
إرسال صالح عليه السلام لثمود:
جاء قوم ثمود بعد قوم عاد، وتكررت قصة العذاب بشكل مختلف مع ثمود. كانت ثمود قبيلة تعبد الأصنام هي الأخرى، فأرسل الله سيدنا "صالحا" إليهم.. وقال صالح لقومه: (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ) نفس الكلمة التي يقولها كل نبي.. لا تتبدل ولا تتغير، كما أن الحق لا يتبدل ولا يتغير.
فوجئ الكبار من قوم صالح بما يقوله.. إنه يتهم آلهتهم بأنها بلا قيمة، وهو ينهاهم عن عبادتها ويأمرهم بعبادة الله وحده. وأحدثت دعوته هزة كبيرة في المجتمع.. وكان صالح معروفا بالحكمة والنقاء والخير. كان قومه يحترمونه قبل أن يوحي الله إليه ويرسله بالدعوة إليهم.. وقال قوم صالح له:
قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَـذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) (هود)
تأمل وجهة نظر الكافرين من قوم صالح. إنهم يدلفون إليه من باب شخصي بحت. لقد كان لنا رجاء فيك. كنت مرجوا فينا لعلمك وعقلك وصدقك وحسن تدبيرك، ثم خاب رجاؤنا فيك.. أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا؟! يا للكارثة.. كل شيء يا صالح إلا هذا. ما كنا نتوقع منك أن تعيب آلهتنا التي وجدنا آبائنا عاكفين عليها.. وهكذا يعجب القوم مما يدعوهم إليه. ويستنكرون ما هو واجب وحق، ويدهشون أن يدعوهم أخوهم صالح إلى عبادة الله وحده. لماذا؟ ما كان ذلك كله إلا لأن آبائهم كانوا يعبدون هذه الآلهة.
معجزة صالح عليه السلام:
ورغم نصاعة دعوة صالح عليه الصلاة والسلام، فقد بدا واضحا أن قومه لن يصدقونه. كانوا يشكون في دعوته، واعتقدوا أنه مسحور، وطالبوه بمعجزة تثبت أنه رسول من الله إليهم. وشاءت إرادة الله أن تستجيب لطلبهم. وكان قوم ثمود ينحتون من الجبال بيوتا عظيمة. كانوا يستخدمون الصخر في البناء، وكانوا أقوياء قد فتح الله عليهم رزقهم من كل شيء. جاءوا بعد قوم عاد فسكنوا الأرض التي استعمروها.
قال صالح لقومه حين طالبوه بمعجزة ليصدقوه:
وَيَا قَوْمِ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) (هود)
والآية هي المعجزة، ويقال إن الناقة كانت معجزة لأن صخرة بالجبل انشقت يوما وخرجت منها الناقة.. ولدت من غير الطريق المعروف للولادة. ويقال إنها كانت معجزة لأنها كانت تشرب المياه الموجودة في الآبار في يوم فلا تقترب بقية الحيوانات من المياه في هذا اليوم، وقيل إنها كانت معجزة لأنها كانت تدر لبنا يكفي لشرب الناس جميعا في هذا اليوم الذي تشرب فيه الماء فلا يبقى شيء للناس. كانت هذه الناقة معجزة، وصفها الله سبحانه وتعالى بقوله: (نَاقَةُ اللّهِ) أضافها لنفسه سبحانه بمعنى أنها ليست ناقة عادية وإنما هي معجزة من الله. وأصدر الله أمره إلى صالح أن يأمر قومه بعدم المساس بالناقة أو إيذائها أو قتلها، أمرهم أن يتركوها تأكل في أرض الله، وألا يمسوها بسوء، وحذرهم أنهم إذا مدوا أيديهم بالأذى للناقة فسوف يأخذهم عذاب قريب.
في البداية تعاظمت دهشة ثمود حين ولدت الناقة من صخور الجبل.. كانت ناقة مباركة. كان لبنها يكفي آلاف الرجال والنساء والأطفال. كان واضحا إنها ليست مجرد ناقة عادية، وإنما هي آية من الله. وعاشت الناقة بين قوم صالح، آمن منهم من آمن وبقي أغلبهم على العناد والكفر. وذلك لأن الكفار عندما يطلبون من نبيهم آية، ليس لأنهم يريدون التأكد من صدقه والإيمان به، وإنما لتحديه وإظهار عجزه أمام البشر. لكن الله كان يخذلهم بتأييد أنبياءه بمعجزات من عنده.
كان صالح عليه الصلاة والسلام يحدث قومه برفق وحب، وهو يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وينبههم إلى أن الله قد أخرج لهم معجزة هي الناقة، دليلا على صدقه وبينة على دعوته. وهو يرجو منهم أن يتركوا الناقة تأكل في أرض الله، وكل الأرض أرض الله. وهو يحذرهم أن يمسوها بسوء خشية وقوع عذاب الله عليهم. كما ذكرهم بإنعام الله عليهم: بأنه جعلهم خلفاء من بعد قوم عاد.. وأنعم عليهم بالقصور والجبال المنحوتة والنعيم والرزق والقوة. لكن قومه تجاوزوا كلماته وتركوه، واتجهوا إلى الذين آمنوا بصالح.
يسألونهم سؤال استخفاف وزراية: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ ؟!
قالت الفئة الضعيفة التي آمنت بصالح: إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ
فأخذت الذين كفروا العزة بالإثم.. قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ . هكذا باحتقار واستعلاء وغضب.
تآمر الملأ على الناقة:
وتحولت الكراهية عن سيدنا صالح إلى الناقة المباركة. تركزت عليها الكراهية، وبدأت المؤامرة تنسج خيوطها ضد الناقة. كره الكافرون هذه الآية العظيمة، ودبروا في أنفسهم أمرا.
وفي إحدى الليالي، انعقدت جلسة لكبار القوم، وقد أصبح من المألوف أن نرى أن في قصص الأنبياء هذه التدابير للقضاء على النبي أو معجزاته أو دعوته تأتي من رؤساء القوم، فهم من يخافون على مصالحهم إن تحول الناس للتوحيد، ومن خشيتهم إلى خشية الله وحده. أخذ رؤساء القوم يتشاورون فيما يجب القيام به لإنهاء دعوة صالح. فأشار عليهم واحد منهم بقتل الناقة ومن ثم قتل صالح نفسه.
وهذا هو سلاح الظلمة والكفرة في كل زمان ومكان، يعمدون إلى القوة والسلاح بدل الحوار والنقاش بالحجج والبراهين. لأنهم يعلمون أن الحق يعلوا ولا يعلى عليه، ومهما امتد بهم الزمان سيظهر الحق ويبطل كل حججهم. وهم لا يريدون أن يصلوا لهذه المرحلة، وقرروا القضاء على الحق قبل أن تقوى شوكته.
لكن أحدهم قال: حذرنا صالح من المساس بالناقة، وهددنا بالعذاب القريب. فقال أحدهم سريعا قبل أن يؤثر كلام من سبقه على عقول القوم: أعرف من يجرأ على قتل الناقة. ووقع الاختيار على تسعة من جبابرة القوم. وكانوا رجالا يعيثون الفساد في الأرض، الويل لمن يعترضهم.
هؤلاء هم أداة الجريمة. اتفق على موعد الجريمة ومكان التنفيذ. وفي الليلة المحددة. وبينما كانت الناقة المباركة تنام في سلام. انتهى المجرمون التسعة من إعداد أسلحتهم وسيوفهم وسهامهم، لارتكاب الجريمة. هجم الرجال على الناقة فنهضت الناقة مفزوعة. امتدت الأيدي الآثمة القاتلة إليها. وسالت دمائها.
هلاك ثمود:
علم النبي صالح بما حدث فخرج غاضبا على قومه. قال لهم: ألم أحذركم من أن تمسوا الناقة؟
قالوا: قتلناها فأتنا بالعذاب واستعجله.. ألم تقل أنك من المرسلين؟
قال صالح لقومه: تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ
بعدها غادر صالح قومه. تركهم ومضى. انتهى الأمر ووعده الله بهلاكهم بعد ثلاثة أيام.
ومرت ثلاثة أيام على الكافرين من قوم صالح وهم يهزءون من العذاب وينتظرون، وفي فجر اليوم الرابع: انشقت السماء عن صيحة جبارة واحدة. انقضت الصيحة على الجبال فهلك فيها كل شيء حي. هي صرخة واحدة.. لم يكد أولها يبدأ وآخرها يجيء حتى كان كفار قوم صالح قد صعقوا جميعا صعقة واحدة.
هلكوا جميعا قبل أن يدركوا ما حدث. أما الذين آمنوا بسيدنا صالح، فكانوا قد غادروا المكان مع نبيهم ونجوا.
ابراهيم الخليل عليه السلام
إبراهيم (سنة 2200-2000 قبل الميلاد؛ بالعبرية: אברהם (إبراهام)؛ إبراهيم شخصية بارزة في الديانات الإسلامية والمسيحية واليهودية. وردت سيرة حياته في سفر التكوين وفي القرآن أيضاً. ويُعتقد بانها صحيحة ضمن هذه الأديان الكبرى باثبات كتبهم، واعتبرها بعض المؤرخون المعزلون اساطيرا (بعكس حقيقة) لغياب مصادر أخرى. تسمى العقائد الإسلامية والمسيحية واليهودية بالديانات الأبراهيمية لأن اعتقاداتهم كانت متأثرة بدور إبراهيم. ذٌكرَ في التناخ (الذي يتضمن كتاب التوراة وكتب الانبياء عند اليهود) والقران بأن إبراهيم كان مٌباركا من الله (سفر التكوين اصحاح 17:5). في التقليد اليهودي يسمى إبراهيم Avinu أو "أبونا إبراهيم". وَعَدَ الله إبراهيم بأشياء كثيرة وعظيمة، حيث وعدةٌ الله بنسل عظيم وان كل الأمم سوف تتبارك بهذا النسل (سفر التكوين اصحاح 12:3). يَعتَبر اليهود والمسيحيين بأن إبراهيم هو أبو شعب إسرائيل من ابنه الذي قدمه إبراهيم لله كذبيحة بحسب الاعتقاد المسيحي واليهودي (سفر الخروج اصحاح 6:3 و 32:13). ولكن في التأريخ الإسلامي تظهر اطاعة إبراهيم لله بتقديمه ابنه إسماعيل. يؤمن المسلمون بأن النبي محمد هو من نسل الأبن البكر لإبراهيم الذي هو إسماعيل. يٌعتَقَد في المسيحية بأن إبراهيم هو مثال يحتذى به في الايمان. في الإسلام يعتبرَ إبراهيم من أهم الانبياء الذين ارسلهم الله. كان اسم إبراهيم الأصلي هو إبرام (بالعبرية: אַבְרָם والذي معناه الأب الرفيع) وبعد ذلك سٌميَ اسمه إبراهيم (سفر التكوين 17:5).
إبراهيم حسب المفهوم الإسلامي
مولده ومختصر سيرته ورد في القرآن خلافا لما في العهد القديم ان إبراهيم بن آزر (الأنعام:74) (و قيل في تفسير الآية أنه عمه وليس أباه وناداه أبتاه لأنه هو الذي رباه). ويذكر القرآن قصته مع قومه حيث دعاهم إلى ترك عبادة الأصنام وعبادة الله وحده، فأبوا محتجين بتمسكهم بدين آبائهم، لكن إبراهيم كسر أصنامهم باستثناء أكبر تلك الأصنام أثناء غيابهم. وعندما اكتشفوا ذلك قرروا حرقه في النار إلا أن مشيئة الله -كما في القرآن- جعلت من النار برداً وسلاما عليه. ثم هاجر إبراهيم إلى فلسطين وسكن قرب قرية أربع (وهي مدينة كنعانية) في المكان الذي نشأت فيه فيما بعد مدينة الخليل، وفيها الحرم الإبراهيمي الذي يعتقد أنه مدفون فيه. وإبراهيم تزوج هاجر وأنجبت له إسماعيل، أما سارة فأنجبت له اسحاق، وكلاهما من الأنبياء. ويذكر القرآن أن إبراهيم رأى في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل وﻷن رؤيا الأنبياء تعتبر وحيا لم يتردد إبراهيم وابنه في تنفيذ هذا الأمر فما كان من الله إلا أن افتداه بكبش، ويعتبر المسلمون أن منسك تقديم الأضاحي في عيد الأضحى مستمد من هذه القصة. بالإضافة لذلك فقد أخبر الله إبراهيم انه سيدمر مدن قوم لوط - لان أكثر أهلها من الرجال كانوا يشتهون بعضهم البعض على النساء. و ملخص قصة سيدنا إبراهيم كالتالي : سأل إبراهيم الخليل ربّه أن يهبه ولدا صالحا، وذلك عندما هاجر من بلاد قومه، فبشّره الله عز وجل بغلام حليم، وهو إسماعيل، الذي ولد من هاجر، بينما كان إبراهيم الخليل، في السادسة والثمانين من عمره، فهو أي إسماعيل، أول ولد لإبراهيم وهو الولد البكر يقول الله : عز وجل "وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين، ربّ هب لي من الصالحين، فبشّرناه بغلام حليم" وعندما كبر إسماعيل، وشبّ، وصار بمقدوره، أن يسعى ويعمل كما يعمل ويسعى أبوه، رأى إبراهيم الخليل، في المنام أن الله." عز وجل يأمره أن يذبح ولده، ومعلوم أن "رؤيا الأنبياء وحي: يقول الله "فلما بلغ معه السّعى قال يابنيّ إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى" إنه لأمر عظيم، واختبار صعب، للنبي إبراهيم، فإسماعيل هذا الولد العزيز البكر، والذي جاءه على كبر، سوف يفقده بعدما أمره الله عز وجل أن يتركه مع أمه السيدة هاجر، في واد ليس به أنيس، ها هو الآن يأمره مرة أخرى. أن يذبحه ولكنّ إبراهيم، امتثل لأمر ربه واستجاب لطلبه وسارع إلى طاعته. ثم اتجه إلى ابنه إسماعيل، وعرض الأمر عليه، ولم يرد أن يذبحه قسرا، فماذا كان ردّ الغلام إسماعيل "قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين" إنه ردّ يدل على منتهى الطاعة وغايتها للوالد ولرب العباد، لقد أجاب إسماعيل بكلام فيه استسلام لقضاء الله وقدره، وفيه امتثال رائع لأمر الله عز وجل، وأيّ أمر هذا! إنه ليس بالأمر السهل، وحانت اللحظة الحاسمة بعد أن عزم إبراهيم على ذبح ابنه، انقيادا لأمر الله عز وجل، فأضجعه على الأرض،: والتصق جبين إسماعيل بالأرض، وهمّ إبراهيم أن يذبح ابنه فلما أسلما وتلّه للجبين ذكر القرآن : فَلَمَّا [بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَإذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ{102} فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ{103} وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ{104} قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ{105} إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ{106} وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ{107}] سورة الصافات ولكنّ السكين لم تقطع، بإرادة الله عز وجل، عندها فداه الله عز وجل، بكبش عظيم. من الجنة، أبيض الصوف ذي قرنين كبيرين، وهكذا أصبحت الأضحية سنة إبراهيم، سنّة للمسلمين كافة. يؤدونها أيام الحج إلى البيت العتيق
إبراهيم في التوراة (العهد القديم) إبراهيم مع ابنه وملاك الرب حسب التصور التوراتي تارَح هو أبو ابرام، جاء من اور بلاد الكلدانيين، وقد وضح ذلك سنة 1927 من قبَل (سر تشارلز وولي)، حيث كان هناك مدينة في بلاد ما بين النهرين تحت الحكم الكلداني. مع ذلك أقَرَ جوسيفس "أحد الدارسين اليهود", والدارسين من اليهود مثل موسى بن ميمون بن عبد الله القرطبي بأن اور الكلدانية هي في الشمال من بلاد ما بين النهرين (الآن تقع شمال شرق سوريا مٌعَرَفة مع ارارات والرها). وهذا يتفق مع التقليد حيث ان ابرام قد وٌلدَ في الرها أو قرب اوركيش (وهي مناطق ضمن اور الكلدانية). يطلق اسم الكلدانيين على الناس الذين عبدوا الآلهة.هاجر ابرام إلى حاران التي هي الآن مدينة قريبة من الحدود السورية التركية (اليوم هي بلدة في سورية قرب منبع نهر البليخ). وبعد مدة قليلة من بقاء ابرام هناك، هاجر بعدها مع ساراي وابن اخيه لوط والذين يتبعونه إلى أرض كنعان. هناك مدينتين يمكن التعرف على الكتاب المقدس اور، ولا من حاران الآن : عورة، وكلاهما شمال اور كما ذكر في الاقراص في أوغاريت، نوزي. هذه يمكن الرجوع إلى أور وعورة ووراو (انظر بار ين... 2000، الصفحة 16). هذه أسماء اجداد ابرام : رعو، سروج، ناحور وأبوه تارَح. وهناك مناطق في اور تحمل نفس هذه الأسماء (في قاموس هاربر الكتاب المقدس، الصفحة 373). الله يدعو ابرام بالذهاب إلى "الأرض التي اريها لك" ووعده الله بأن يباركه ويجعل له أمة عظيمة (مع العلم بأنه حتى الآن كان ابرام بدون أطفال). وثق ابرام بوعد الله له، فرحل إلى شكيم وعند الشجرة المقدسة (اقرأ سفر التكوين 25:4 وسفر يشوع 24:26 وسفر القضاة 9:6) أٌعطيَ العهد بأ رض له ولذريته. فَبَنَى أَبْرَامُ هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ. وَانْتَقَلَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى الْجَبَلِ شَرْقِيَّ بَيْتِ إِيلٍ حَيْثُ نَصَبَ خِيَامَهُ مَا بَيْنَ بَيْتِ إِيلٍ غَرْباً وَعَايَ شَرْقاً وَشَيَّدَ هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ وَدَعَا بِاسْمِهِ. ثُمَّ تَابَعَ أَبْرَامُ ارْتِحَالَهُ نَحْوَ الْجَنُوب (سفر التكوين 9-12:1). وبعد فترة من بقائهم هناك، َنَشَبَ نِزَاعٌ بَيْنَ رُعَاةِ مَوَاشِي أَبْرَامَ وَرُعَاةِ مَوَاشِي لُوطٍ، فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ فِيهِ الْكَنْعَانِيُّونَ وَالْفِرِزِّيُّونَ يُقِيمُونَ فِي الأَرْضِ. فَقَالَ أَبْرَامُ لِلُوطٍ بأنهم يجب أن يفترقوا وأعطى للوط اختيار ارضه أولاً، ففضَلَ السُّهُولَ الْمُحِيطَةَ بِنَهْرِ الأُرْدُنِّ وَإِذَا بِهَا رَيَّانَةٌ كُلُّهَا، وبعد ان استلم ابرام وعد اخر من يهوة، نصب خِيَامَهُ فِي سَهْلِ مَمْرَا فِي حَبْرُونَ وَهُنَاكَ شَيَّدَ لِلرَّبِّ مَذْبَحاً. لاحقاَ في تأريخ لوط نرى دمار مدينتي سدوم وعمورة. في سفر التكوين اصحاح 18 نرى ان ابرام يتوسل إلى الله بأن لايدمر سدوم " المدينة التي كان ابن اخوه لوط يعيش فيها"، فوافق الله على عدم تدمير المدينة إذا وَجَدَ 50 شخص صالح أو 45 أو 30 أو 20 أو حتى 10. وبعد حصول مجاعة في البلاد التي كان ابرام فيها، قرر الذهاب إلى مصر(سفر التكوين 26:11, 41:57 ،(42:1. كان ابرام قلق على ساراي من المصريين لجمالها، لذلك ادعى بأنها اخته لكي يحافظ على سلامتهما. ولكن بأدعاء ابرام هذا لم يخلصهم من الفرعون، حيث استدعى ساراي إلى بيته واغدق ابرام بالعجول والخدم. ولكن يهوة بلى بيت فرعون ببلاء عظيم فغادر ابرام وساراي أرض مصر. هناك قصتان متشابهتان في الكتاب المقدس بخصوص اعتبار الزوجة كأخت حيث نقرأ في سفر التكوين اصحاح 20 و 21 و 26، لكن المرة الثانية قام بها اسحق وليس ابرام. ولا زالت ساراي عاقر، ووعد الله لابرام بأعطائه أرض الميعاد لنسله لم يتحقق بعد. كان الوريث الوحيد لابرام هو خادمه أليعازر الدمشقي)حيث كان ابرام يثق به أكثر من سائر خدامه، ولعله كان مدير شؤون العائلة وحسب العادة، التي كانت جارية، لو مات أبرام بدون أن يكون له ابن، فسيصبح أكبر خدامه وارثا له. ومع أن أبرام كان يحب خادمه، إلا أن الله وعده بأن سيكون له ابن من صلبه لحفظ سلسلة العائلة) (سفر التكوين اصحاح 15:2).وان مقولة الله التي تثبت مصداقية عهدَهٌ هي مقولة مقدسة (سفر التكوين اصحاح 15). نسل إبراهيم إلي يهوذا 8 أبناء إبراهيم إسماعيل (1) إسحاق (2) زمران يُقشان مَدان مِديان يِشباق شوحا إبني اسحاق عيسو (1) يعقوب (2) 12 أبناء يعقوب (إسرائيل) يهوذا رئوبن شمعون لاوي يساکار زبولون دان نفتالي عاشر جاد يوسف بنيامين
وقامت ساراي (سارة) بحسب العادة بأعطاء ابرام جاريتها المصرية كزوجة لهٌ (سفر التكوين 16:3) ،ثم رأت ساراي ان في بيتها طفل وهي ما زالت عاقر، فعاملت هاجر بقسوة واجبرتها على الهرب (سفر التكوين 14-16:1)، اقرأ (قصة حنة في سفر صموئيل الأول 1:6). قد وعد الله هاجر بأن سيكثر نسلها وبأنها يجب أن تعود إلى بيت ابرام. كان إسماعيل "ابن هاجر" هو الابن الأكبر لابرام ،ولكنه لم يكن الابن الذي وعده الله به. عاهد الله ابرام بعد ولادة إسماعيل (سفر التكوين اصحاح 16 و 17)، وبعدها أٌبعدت هاجر وإسماعيل بصورة دائمة من إبراهيم عن طريق سارة (سفر التكوين اصحاح 21). وقد تبدل اسم ابرام إلى إبراهيم وساراي إلى سارة في نفس الوقت كعهد (سفر التكوين اصحاح 17)، وهذان الاسمان مستخدمان إلى الآن عند اليهود والمسيحيين والمسلمين. لم يعد الله إبراهيم بنسل كبير وحسب بل ويكون نسله من سارة بالتحديد وتكون الأرض التي هو فيها لنسله. قد تم تحقيق وعد الله عن طريق ولادة اسحق، وأيضا وعد الله بان سيكون لإسماعيل أمة عظيمة. كان عهد الختان- الذي هو مٌختلف عن العهد الأول – مكون من وجهين ومشروط: فأذا التزم إبراهيم ونسله بالعهد، فأن يهوة سيعطيهم الأرض الموعود بها. ان وعد الله لإبراهيم بأن يعطيه ولد من سارة قد جعلها "تضحك"، وبذلك أصبح هذا هو اسم الولد الموعود به " اسحق"، لان سارة ضحكت بسبب عمرها الكبير جداً عندما ظهر الله لإبراهيم عند بلوطات ممرا (سفر التكوين اصحاح 15-18:1). عندما وٌلدَ الطفل وَقَالَتْ سَارَةُ "لَقَدْ أَضْحَكَنِي الرَّبُّ. كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ هَذَا الأَمْرَ يَضْحَكُ مَعِي" (سفر التكوين اصحاح 21:6). وبعد وقت من ولادة اسحق، طلب الله من إبراهيم بأن يقدم ابنه كضحية في أرض المٌريا. وقد عجل إبراهيم بطاعة امر الله وبعدها ظهر له ملاك من الرب ومنعه من تقديم ابنه كضحية واعطاه بدله كبشاَ وجده في مكان المحرقة. وكافا الله إبراهيم بسبب طاعته بوعده بتكثير نسله (سفر التكون اصحاح 22) ثم رجع إبراهيم إلى بئر سبع. ويٌعد امتحان إبراهيم بتقديم ابنه كضحية هو من أكثر المقاطع صعوبة وتحدي في الكتاب المقدس. نسبة إلى جوسيفس بأن كان اسحق ابن الخامسة والعشرين سنة عند وقت التضحية، اما تلمودك ساجيس يقترح ان عٌمرَ اسحق كان 37 آنذاك. في كلتا الحالتين اسحق هو رجل ناضج يستطيع مقاومة أبيه الكبير بالسن (حيث كان إبراهيم اما 125 أو 137 سنة) من أن يربطه. وبعدها يبدأ التركيز بالشرح على ابن إبراهيم الوحيد اسحق (سفر التكوين اصحاح 22:2 و 22:12). بذلك اعطى إبراهيم كل مالديه وقد صرف بقية أبناءه إلى خارج أرض كنعان بعيداً عن اسحق، لذلك لم يكن لهم علاقة وطيدة مع اسحق (سفر التكوين اصحاح 6-25:1). ماتت سارة وهي طاعنة بالسن وقد دٌفنت في مغارة المكفيلة في قرية حبرون(بالانجليزية(Hebron) والان بالعربية تدعى الخليل وتوجد في فلسطين) التي اشتراها إبراهيم من عفرون الحثي (سفر التكوين اصحاح 23)، وهنا دٌفن إبراهيم أيضاً. بعد عدة قرون أصبحهذا المكان مكان للحج وقد بنى المسلمون مسجداً هناك. يعتبر إبراهيم أبو الشعب اليهودي، كبطريركهم الأول، وهو أبو اسحق أبو يعقوب، اصل القبائل الاثني عشر. من أجل ان يصبح إبراهيم أبو الشعب، اختبره الله بعشرة اختبارات، الاعظم هو تضحية ابنه اسحق. الله وعد أرض إسرائيل لاولاد إبراهيم، وهذا الادعاء الأول لليهود بحقهم في إسرائيل. اليهودية تضع صفة لكل بطريرك. صفة إبراهيم كانت العطف. ولذلك، اليهودية تعتبر العطف كأنه صفة يهودية متوارثة. اعتماداً على المؤرخ اليهودي في القرن الأول فلافيوس جوسيفس في كتابه ذو الإحدى والعشرين جزء "انتيكات اليهود"، قال: " نيقولاس من دمشق، في كتابه الرابع للتاريخ، قال هذا : <إبراهيم حكم دمشق، كاجنبي، الذي جاء بجيش من الاراضي فوق بابل (اعالي بلاد ما بين النهرين هي الآن شرق سوريا (الجزيرة السورية)، التي تسمى باراضي الكلدانيين> ولكن بعد وقت طويل، قام بازالته ،من الحكم ومن تلك هناك، فذهب إلى الأرض التي أصبح اسمها ارض كنعان ،و الآن ارض اليهودية.... الآن اسم إبراهيم ما يزال مشهورا في اراضي دمشق ؛ وأيضاً هناك قرية سميت على اسمه في سورية، مسكن إبراهيم". هو مصدر مهم للدراسات المهتمة بيهودية ما بعد المعبد.
لوط عليه السلام
وذلك أن لوطاً بن هاران بن تارح، وهو آزر, ولوط هو ابن أخي إبراهيم الخليل، فإبراهيم، وهاران وناحور إخوة كما ذكرنا فى قصة ابراهيم عليه السلام. ويقال: إنَّ هاران هذا هو الذي بنى حرّان. وهذا ضعيف والله تعالى أعلم.
وكان لوط قد نزح عن محلة عمه الخليل عليهما السلام بأمره له وأذنه، فنزل بمدينة سدوم من أرض غور، زُغَر، وكان أمّ تلك المحله، ولها أرض ومعتملات وقرى، مضافة إليها ولها أهل من أفجر الناس وأكفرهم وأسوأهم طوية، وأرداهم سريرة وسيرة، يقطعون السبيل ويأتون في ناديهم المنكر، ولا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون.
قصته مع قومه عليه السلام
و قوم لوط ابتدعوا فاحشة لم يسبقهم إليها أحد من بني آدم، وهي إتيان الذكران من العالمين، وترك ما خلق الله من النسوان لعباده الصالحين.
فدعاهم لوط إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي هذه المحرمات، والفواحش المنكرات، والأفاعيل المستقبحات، فتمادوا على ضلالهم وطغيانهم، واستمروا على فجورهم وكفرانهم، فأحل الله بهم من البأس الذي لا يرد ما لم يكن في خلدهم وحسبانهم، وجعلهم مثله في العالمين، وعبرة يتعظ بها الألباء من العالمين.
ولهذا ذكر الله تعالى قصتهم في غير ما موضع في كتابه المبين، فقال تعالى في سورة الأعراف: {وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ، إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ، وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ، فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ، وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}.
أن لوطاً عليه السلام لما دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي ما ذكر الله عنهم من الفواحش، لم يستجيبوا له ولم يؤمنوا به، حتى ولا رجل واحد منهم، ولم يتركوا ما عنه نهو ا [/b:fe
عدل سابقا من قبل صادق الوعد في الأربعاء سبتمبر 21, 2011 7:30 am عدل 2 مرات | |
|
| |
اْستاذ صادق الرتبة
الدولة : الجنس : تاريخ التسجيل : 15/03/2011 عدد المساهمات : 10473 المهنة :
| موضوع: رد: قصص الاْنبياء من ادم عليه السلام الى خاتم النبئين و المرسلين محمد (ص)عليه افضل الصلاة و التسليم الأربعاء سبتمبر 21, 2011 7:03 am | |
| إسماعيل عليه السلام
إسماعيل بكر إبراهيم الخليل، من هاجر القبطية المصرية عليها السلام من العظيم الجليل
ومن قال: إن الذبيح هو إسحاق فإنما تلقاه من نقلة بني إسرائيل، الذين بدلوا وحرفوا وأولوا التوراة والإنجيل، وخالفوا ما بأيديهم في هذا من التنزيل.
وقد أثنى الله تعالى عليه ووصفه بالحلم والصبر، وصدق الوعد، والمحافظة على الصلاة والأمر بها لأهله ليقيهم العذاب، مع ما كان يدعو إليه من عبادة رب الأرباب.
قال تعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}
فطاوع أباه على ما إليه دعاه، ووعده بأن سيصبر، فوفى بذلك بأن سيصبر وصبر على ذلك.
وقال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً}
وقال تعالى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ * وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ}
وقال تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ}
وقال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ...} الآية
وقال تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ} الأية. ونظيرتها من السورة الأخرى.
وقال تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ آنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} الآية.
فذكر الله عنه كل صفة جميلة، وجعله نبيه ورسوله، وبرأه من كل ما نسب إليه الجاهلون، وأمر بأن يؤمن بما أنزل عليه عباده المؤمنون.
وذكر علماء النسب وأيام الناس، أنه أول من ركب الخيل، وكانت قبل ذلك وحوشاً فأنسها وركبها.
عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((اتخذوا الخيل واعتبقوها فإنها مراث أبيكم إسماعيل)).
وكانت هذه العراب وحشاً، فدعا لها بدعوته التي كان أعطي فأجابته
وإنه أول من تكلم بالعربية الفصيحة البليغة، وكان قد تعلمها من العرب العاربة الذين نزلوا عندهم بمكة، من جرهم والعماليق وأهل اليمن من الأمم المتقدمين من العرب قبل الخليل.
عن محمد بن علي بن الحسين، عن آبائه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((أول من فتق لسانه بالعربية البينة إسماعيل، وهو ابن أربع عشرة سنة)).
فقال له يونس: صدقت يا أبا سيار هكذا أبو جرى حدثني.
وقد تزوج لما شب من العماليق امرأة، فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل، يطالع تركته فلم يجد إسماعيل،
فسأل امرأته عنه؟
فقالت: خرج يبتغي لنا.
ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم؟
فقالت: نحن بشرٍّ نحن في ضيق وشدّةٍ وشكت إليه.
قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغيّر عتبة بابه.
فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئاً، فقال: هل جاءكم من أحد؟
فقالت: نعم جاءنا شيخ كذا كذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة.
قال: فهل أوصاك بشيء؟
قالت: نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول لك غيّر عتبة بابك.
قال: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك، فالحقي بأهلك، وطلقها وتزوَّج منهم أخرى،
ولبث عنهم إبراهيم ما شاء الله. ثم أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه؟
فقالت: خرج يبتغي لنا
قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم،
فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله عز وجل،
فقال: ما طعامكم؟
قالت: اللحم
قال: فما شرابكم؟
قالت: الماء.
قال اللهم بارك لهم في اللحم والماء.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ولم يكن لهم يومئذ حب. ولو كان لهم حب لدعا لهم فيه" قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه.
قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومُريه يثبت عتبة بابه.
فلما جاء إسماعيل قال هل أتاكم من أحد؟
قالت: نعم أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه، فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنّا بخير.
قال: فأوصاك بشيء؟
قالت: نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك.
قال: ذاك أبي وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك.
وهي السيدة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي.
وقيل: هذه ثالثة فولدت له اثني عشر ولداً ذكراً، وقد سماهم محمد بن إسحاق رحمه الله وهم: نابت، وقيذر، وازبل، وميشى، ومسمع، وماش، ودوصا، وارر، ويطور، ونبش، وطيما، وقذيما.
وكان إسماعيل عليه السلام رسولاً إلى أهل تلك الناحية وما والاها، من قبائل جرهم، والعماليق، وأهل اليمن، صلوات الله وسلامه عليه.
وفاته عليه السلام
ولما حضرته الوفاة أوصى إلى أخيه إسحاق، وزوج ابنته نسمة من ابن أخيه العيص بن إسحاق فولدت له الروم، ويقال لهم: بنو الأصفر لصفرة كانت في العيص. وولدت له اليونان في أحد الأقوال، ومن ولد العيص الأشبان، قيل منهما أيضاً.
ودفن إسماعيل نبي الله بالحجر مع أمه هاجر، وكان عمره يوم مات مائة وسبعاً وثلاثين سنة، وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: شكى إسماعيل عليه السلام إلى ربه عز وجل حرَّ مكة، فأوحى الله إليه أني سأفتح لك باباً إلى الجنة إلى الموضع الذي تدفن فيه، تجري عليك روحها إلى يوم القيامة
إسحاق عليه السلام
إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام
وقد ذكره الله في عداد مجموعة الرسل عليهم السلام، وقال تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ}. {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنْ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ} ويترجح أنه كان رسولاً في أرض الكنعانيين "بلاد الشام في فلسطين"،
في البيئة التي عاش فيها سيدنا إبراهيم.
حياة إسحاق عليه السلام في فقرات:
(أ) أبرز ما تعرض له المؤرخون من حياته عليه السلام ما يلي: -1 لما بلغ إبراهيم عليه السلام من العمر (100) سنة ولدت له زوجته سارة المرأة العجوز العقيم إسحاق عليه السلام.
-2 أوصى إبراهيم أن لا يتزوج إسحاق إلا امرأة من أهل أبيه وقد كانوا مقيمين في أرض بابل "العراق". ونُفّذت وصية إبراهيم، فتزوج إسحاق عليه السلام "رفقة" بنت بتوئيل بن ناحور بن آزر، وناحور هذا هو أخو سيدنا إبراهيم عليه السلام، فتكون "رفقة" بنت ابن عمه.
(ب) وقد قص الله علينا في كتابه العزيز جوانب يسيرة من حياة إسحاق عليه السلام، تتلخص بالنقاط التالية: -1 إثبات نبوته ورسالته، وأن الله أوحى إليه، وأنزل إليه طائفة من الشرائع. -2 إثبات أنه عليم ونبي من الصالحين، وأن الله بارك عليه. -3 إثبات أن الملائكة بشّرت إبراهيم بمولده من زوجته العجوز العقيم -وهي سارة-، فلما سمعت البشرى قالت: "يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إن هذا لشيء عجيب؟!".
وبعد فترة، ظهر الحدث المنتظر والمعجزة الإلهية أمام عين إبراهيم وزوجته؛ حيث ولدت سارة غلامًا جميلاً، فسماه إبراهيم إسحاق، والقرآن الكريم لم يقص علينا من قصة إسحاق -عليه السلام- إلا بشارته، وكذلك لم يذكر لنا القوم الذي أرسل إليهم وماذا كانت إجابتهم له، وقد أثنى الله -عز وجل- عليه في كتابه الكريم في أكثر من موضع، قال تعالى: {واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار . إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار . وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار} [ص:45-47].
كما أثنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إسحاق، فقال: (الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام) [البخاري] ورزق الله إسحاق ولدًا اسمه يعقوب، ومرض إسحاق ثم مات بعد أن أدَّى الأمانة التي تحملها
-4 هو أبو إسرائيل الذي يرجع إليه نبل نسل بني إسرائيل.
يعقوب عليه السلام نبذة: ابن إسحاق يقال له "إسرائيل" وتعني عبد الله، كان نبيا لقومه، وكان تقيا وبشرت به الملائكة جده إبراهيم وزوجته سارة عليهما السلام وهو والد يوسف. هو يعقوب ابن نبي الله إسحاق ابن نبي الله إبراهيم، وأمه ((رفقة)) بنت بتوئيل بن ناصور بن ءازر أي بنت ابن عمه، ويسمى يعقوب ((إسرائيل)) الذي ينتسب إليه بنو إسرائيل. سيرته: هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.. اسمه إسرائيل.. كان نبيا إلى قومه.. ذكر الله تعالى ثلاث أجزاء من قصته.. بشارة ميلاده.. وقد بشر الملائكة به إبراهيم جده.. وسارة جدته.. أيضا ذكر الله تعالى وصيته عند وفاته.. وسيذكره الله فيما بعد -بغير إشارة لاسمه- في قصة يوسف. نعرف مقدار تقواه من هذه الإشارة السريعة إلى وفاته.. نعلم أن الموت كارثة تدهم الإنسان، فلا يذكر غير همه ومصيبته.. غير أن يعقوب لا ينسى وهو يموت أن يدعو إلى ربه.. قال تعالى في سورة (البقرة): أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) (البقرة) إن هذا المشهد بين يعقوب وبنيه في ساعة الموت ولحظات الاحتضار، مشهد عظيم الدلالة.. نحن أمام ميت يحتضر.. ما القضية التي تشغل باله في ساعة الاحتضار..؟ ما الأفكار التي تعبر ذهنه الذي يتهيأ للانزلاق مع سكرات الموت..؟ ما الأمر الخطير الذي يريد أن يطمئن عليه قبل موته..؟ ما التركة التي يريد أن يخلفها لأبنائه وأحفاده..؟ ما الشيء الذي يريد أن يطمئن -قبل موته- على سلامة وصوله للناس.. كل الناس..؟ ستجد الجواب عن هذه الأسئلة كلها في سؤاله (مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي). هذا ما يشغله ويؤرقه ويحرص عليه في سكرات الموت.. قضية الإيمان بالله. هي القضية الأولى والوحيدة، وهي الميراث الحقيقي الذي لا ينخره السوس ولا يفسده.. وهي الذخر والملاذ. قال أبناء إسرائيل: نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا، ونحن له مسلمون.. والنص قاطع في أنهم بعثوا على الإسلام.. إن خرجوا عنه، خرجوا من رحمة الله.. وإن ظلوا فيه، أدركتهم الرحمة. مات يعقوب وهو يسأل أبناءه عن الإسلام، ويطمئن على عقيدتهم.. وقبل موته، ابتلي بلاء شديدا في ابنه توفي يعقوب عليه السلام وله من العمر ما يزيد على المائة، وكان ذلك بعد سبعة عشر سنة من اجتماعه بيوسف، وقد أوصى نبي الله يعقوب ابنه يوسف عليه السلام أن يدفنه مع أبيه إسحاق وجده إبراهيم عليهم الصلاة والسلام ففعل ذلك، وسار به إلى فلسطين ودفنه في المغارة بحبرون وهي مدينة الخليل في فلسطين.
سيدنا يوسف عليه السلام
هو يوسف ابن يعقوب ابن اسحاق ابن ابراهيم عليهم السلام، وأكرم به من نسب ! ، أنزل الله في شأنه سورة تتلى ، فذكرت أحواله وتفاصيل حياته . مبدؤها رؤيا رآها يوسف في منامه ، حيث رأى أحد عشر كوكباً، والشمس والقمر له ساجدين،ولما قص تلك الرؤيا على أبيه يعقوب عليه السلام، علم أنه سيكون ليوسف شأن عظيم، فأمره بأن يكتم الأمر حتى لا يحسده أخوته أو ينالوه بسوء، والشمس والقمر أي أبواه ، والكواكب الأحدى عشر هم إخوته :
{قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ(5)وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءَالِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}
. ولما رأى أخوة يوسف محبة أبيهم له وعنايته به، حسده أخوته وأضمروا له في أنفسهم شراً وكادوا أن يتفقوا على قتله، لولا أن أخاهم الأكبر رأى عدم قتله الاقتصار على رميه في البر حتى تلتقطه أحد القوافل التي ترد البئر- أثنتهم عن قتله، والله غالب على أمره . ثم احتالوا على أبيهم حتى يخرج يوسف معهم للعب ، وكان يعقوب لا يمكنه من الذهاب معهم، خوفاً عليه : {قَالُوا يَاأَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ(11)أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(12)قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ(13)قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ} .
ثم نفذوا ما أضمروه في صدورهم، فألقوا يوسف في البئر، وأخذوا قميصه ولطخوه بالدم، وعادوا إلى أبيهم وتصنعوا
: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ(16)قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ(17) وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ }
ولكن لم تنطل حجتهم على أبيهم يعقوب وعلم أنهم قد كتموه أمراً { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ(18)}
. ثم جاءت قافلة سائرة في الطريق، وجاء الذي يستقي الماء، فأرسل الدلو، وتعلق يوسف به ، ولما رأوه فرحوا به ، وأخذوه رقيقاً ، ثم لما علم أخوة يوسف بأمر القافلة لحقوهم ، وقالوا لهم: هذا غلام أبق منا، فباعوه لهم بثمن قليل جداً ! . وفي مصر بيع ذلك النبي الكريم إلى عزيز مصر ، وهو وزير خزائن الدولة
، { وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًاً وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }
، وهذا من تمكين الله ليوسف ، وحسن تدبيره . ثم لما شب يوسف وبلغ مبلغ الرجال، وكان عليه السلام جميلاً أعطاه الله شطر حسن بني آدم ، افتتنت به امرأة العزيز ، فهيأت له مكاناً، وتطيبت وتزينت، ودعته إلى مكانها، وغلقت الأبواب، ودعته إلى نفسها . ولكن يوسف عليه السلام اعتصم بمولاه ، وتعوذ بالله أن يخون سيده الذي أكرمه ورباه .
{ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ(23)وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ(24)} وفي الآية لطف الله وعنايته بيوسف عليه السلام ، فإن يوسف عليه السلام هم بها ، ولك أن تتخيل موقف كهذا الموقف، امرأة جميلة، وسيدة القصر وهي الآمرة الناهية فيه ، وتزينت كما تتزين الزوجة لزوجها، ومكان مغلق، وهو غريب في ذلك البلد، كلها دواعي قوية لا يكاد ينفك منها الرجل إلا من وفقه الله وأعانه . ولذلك كان من السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله : (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله )
وفي الآية أيضا: بيان أن الإخلاص سبب للنجاة والخلاص من المضائق والكروب،
فانظر إلى قوله { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ }، فكان الإخلاص سبباً في نجاة يوسف عليه السلام . ولم ينتهي الموقف بعد، بل أراد يوسف النجاة بنفسه من هذا الابتلاء، فتسابقا إلى الباب ، وكان العزيز قد قدم عليهما ، وأسقط في يدها لكنها تخلصت وألقت باللائمة والتهمة على يوسف فقالت :
{ وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(25)}، فدافع يوسف عن نفسه : {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي}
وأظهر الله براءة يوسف بشاهد من أهل البيت : { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ(26)وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ(27)فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ }. ثم شاع الخبر في المدينة، وتناقل الناس وخصوصاً النساء أمر افتتان امرأة العزيز بفتاها، { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(30)}، فعلمت امرأة العزيز مرادهن وفهمت مقالتهن وأن قصدهن رؤية يوسف {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَءَاتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ }. وهذا الذي حصل لهن مما أنعم الله به على يوسف عليه السلام من جمال الصورة وحسن الهيئة حيث لم تميز معه النساء ولم تشعر إلا وهن يقطعن أيديهن من جماله !، فسبحان الله الذي أتقن صنعه ! .
ثم عقبت امرأة العزيز : { قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا ءَامُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ(32)}،
لكن يوسف اعتصم بربه والتجأ إليه وهو نعم الملجأ {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ(33)فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(34)ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ } ، واستقر أمرهم على سجن يوسف حيناً من الزمن ، وكان ذلك . ولما أدخل يوسف عليه السلام السجن، لكونه لم يجب امرأة العزيز إلى ما تريد، دخل معه فتيان، أحدهما كان ساقي الملك ، والآخر خبازاً . وكلاهما رأى رؤيا، فساقي الخمر رأى أنه يعصر خمراً، والخباز رأي أنه يحمل فوق رأسه الخبز والطير تأكل منه . فلما رأوا حال يوسف وسمته، قص كل واحد عليه الرؤيا التي رآها ليعبرها لهما، فأراد يوسف عليه السلام أن يدعوهما للتوحيد قبل أن يجيبهما ، وهذا من الأساليب الحسنة في الدعوة إلى الله، فقال لهما
: {يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ(39)مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَءَابَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(40)} . ثم عبر الرؤيا، فأما الساقي فإنه يعصر لسيده الخمر، وأما الخباز ، فإنه سوف يُصلب والطير تأكل من رأسه . ولما عبر يوسف الرؤيا قال لساقي الملك الذي ظن أنه سينجو أذكرني عند الملك ، والسجن الذي وضعت فيه بغير جرم . ولما خرج الساقي أُنسي ما قال له يوسف عليه السلام، فشاء الله أن يمكث مدة بضع سنين في السجن . ثم إنه بعد ذلك أقلقت الملك رؤيا رآها وطلب تعبيرها :
{وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ(43) قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ(44)}
. ولم يجد من يعبرها له، واعتذروا بأنها قد تكون أضغاث أحلام . وتذكر ساقي الملك أمر يوسف وطلب إرساله إلى يوسف في السجن، فلما جاءه وقص عليه الرؤيا أولها يوسف عليه السلام فقال :
{قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ(47)ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ(48)ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ(49)} . فرجع الساقي إلى الملك فأخبره، ولكن الملك طلب يوسف ليأخذ عنه التأويل مشافهة، ولكن يوسف عليه السلام أبى الخروج حتى تظهر براءته، فجمع الملك النسوة وسألهن عن أمر يوسف ،
: {قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} عندئذ لم تر امرأة العزيز مناص من الاعتراف بالحق : { قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} . فخرج يوسف عليه السلام معززاً مكرماً ، وأراد أن يجعله الملك مقرباً ومستشاراً له ، فطلب منه يوسف أن يجعله على خزائن الأرض لعلمه ومعرفته بتصريفها وأخبر عن نفسه بأنه حفيظ عليم . ولما جاءت سنين الجدب، كان الناس يأتون إلى مصر لأخذ ما قدر لهم من الطعام، وكان نصيب كل إنسان من الطعام حمل بعير . فدخل إخوة يوسف عليه ، فعرفهم ولم يعرفوه ، ولم يكن ببالهم أن يصل يوسف عليه السلام إلى هذا المنصب . فسألهم وعلم حالهم، وأن لهم أخاً من أبيهم لم يأت معهم ، فطلب منهم إذا جاءوا في العام القادم أن يأتوا بأخيهم ، حتى يكون فعله أقرب للعدل، ثم حذرهم إن لم يأتوا بأخيهم العام القادم، فلا يطلبوا منه شيئا ولا يقربوه . فكان في هذا تهديد لهم ، مما حملهم على الإلحاح على أبيهم لكي يرسل معهم أخاهم ، فيوافق العزيز على إعطائهم الطعام . ولكن الأب خاف أن يفعل بابنه بنيامين مثل ما فعل بيوسف، فأخذ عليهم العهود والمواثيق، أن يأتوا بابنه بنيامين إلا أن يحيط بهم أمر لا يستطيعون رده عن أنفسهم ولا عن بنيامين . فأعطوه العهود المواثيق على ذلك، ثم أمرهم أبوهم أن يدخلوا مصر من أبواب متفرقة ، وذلك أن أولاد يعقوب عليه السلام كانوا كثيرين وكانوا حسن الهيئة ، فخاف عليهم العين، فأمرهم بالتفرق . ثم أنهم لما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم، و دخلوا على يوسف ، وتمكن من الخلوة بأخيه بنيامين ، وأخبره بأنه أخوه وقص عليه الخبر ، ثم دبر معه مكيدة تبقيه عنده ، حيث جعل صواع الملك ، وهي التي كان الملك يشرب بها، ويكيل بها الطعام ، ولما خرج أخوة يوسف، لحقهم جند الملك وقالوا لهم لقد سرقتم صواع الملك، فأنكر إخوة يوسف ذلك أشد الإنكار، وطلب منهم جند الملك أن يفتشوا متاعهم فمن وجدوا عنده الصواع فإنه يؤخذ ، وتلك العقوبة في شريعة يعقوب ، ولم يكن في دين الملك أن من سرق يؤخذ . ففتشت أوعية الأكبر فالأكبر حتى جاءوا إلى رحل بنيامين ووجدوا عنده الصواع ، فأخذوه معهم إلى عزيز مصر، وحاول إخوة يوسف أن يبقوا غيره عند العزيز ، ويخلي سبيل بنيامين حتى لا يخلفوا مواثيقهم وعهودهم لأبيهم يعقوب ، لكن عزيز مصر رفض ذلك. ولما جاء الخبر يعقوب عليه السلام ، أكثر البكاء ، وابيضت عيناه من كثر الحزن والبكاء على يوسف ، ولم ييأس يعقوب من رحمة الله ، وأمر بنيه بالبحث عن يوسف وبنيامين ، فعاد إخوة يوسف إلى عزيز مصر وناشدوه ، وذكروا له حال أبيهم : { فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ(88)}
فلما رأى حالهم ، رق لهم وقال : { هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ} . {قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ(90)قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ ءَاثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ(91)قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ(92)اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} ،
فذهب البشير بقميص يوسف عليه السلام ،
{وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ(94)قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ(95)فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} ولما دخل يعقوب عليه السلام وزوجه وأولاده الأحد عشر ، سجدوا له ، والسجود في شريعتهم كانت تحية للعظماء ، وكان هذا السجود تأويل للرؤيا التي رآها يوسف عليه السلام لما كان صغيراً
. والحمد لله رب العالمين
البئر التي رمي فيها سيدنا يوسف (قرب نابلس)
"شعيب عليه السلام"
وقد أرسله الله إلى أهل مدين (ويعرفون أيضاً بأصحاب الأيكة، وهي: غيضة تُنبِتُ ناعمَ الشجر كانت لهم)، ويرى بعض المفسرين أن أصحاب الأيكة قوم آخرون غير أهل مدين، أرسله الله إليهم بعد إهلاك أهل مدين، وكانوا يسكنون بقرب مدين، فدعاهم إلى الله فكذبوه، فأخذهم عذاب يوم الظلة. والله أعلم.
وقد ذكر الله شعيباً عليه السلام في عداد مجموعة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وقال تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 85].
ويعرف بخطيب الأنبياء لحُسْن بيانه وقوّة حجّته.
* أهل مدين ومساكنهم:
كان أهل مدين قوماً عرباً يسكنون في بلاد الحجاز مما يلي جهة الشام، وهي أرض واقعة حول خليج العقبة من طرف نهايته الشمالية شمالي الحجاز وجنوب فلسطين. ويظهر أنها في الأرض المسماة الآن: (معان)، أو على قرب منها.
وفي الطبري: عن سعيد بن جبير أن ما بين مصر ومدين ثماني ليال.
وأهل مدين: قبيلة تنسب إلى مدين بن إبراهيم عليه السلام من زوجته (قطورة) التي تزوجها بعد موت سارة، ويسميه أهل الكتاب (مديان) كما سبق عند الكلام على سيدنا إبراهيم. والظاهر أن هؤلاء القوم كانوا قوماً عرباً جاء إليهم مدين بن إبراهيم وصاهرهم وعاش بينهم، وصار له فيهم رهط وأسرة، ولذلك سماهم الله أهل مدين نسبة إليه. والله أعلم.
* نسب شعيب عليه السلام:
قال أبو البقاء في كلياته: "شعيب عليه السلام هو ابن ميكيل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم الخليل". وقيل غير ذلك في نسبه.
قالوا: وأمه بنت لوط عليه السلام. والله أعلم.
* حياة شعيب مع قومه في فقرات:
1- لم يَطُل بأهل مدين العهد حتى هجروا دينهم الذي كانوا ورثوه عن إبراهيم عليه السلام، ودخلت فيهم الوثنية فكفروا بالله وعبدوا غيره، وانحرفوا عن الصراط السوي، فكان من سيئاتهم: التطفيف في الكيل والوزن، وبخس الناس أشياءهم في تجاراتهم، والفساد في الأرض.
2- فأرسل الله إليهم شعيباً رسولاً منهم يتصل نسبه من جهة آبائه بإبراهيم عليه السلام، فدعاهم إلى الله بمثل دعوة الرسل، وأمرهم بالعدل، ونهاهم عن الظلم، وجاءهم ببينة من ربه، وذكرهم بنعمة الله عليهم، إذ كثّرهم من قلة، وأغناهم من فقر، فآمن به قليل منهم وكذبه الأكثرون.
وكان خطيباً حسن البيان قويّ الحجّة، ويذكر المفسرون أنه خطيب الأنبياء، وروي في ذلك حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، رواه ابن إسحاق عن ابن عباس.
3- ولمَّا ألح عليهم شعيب عليه السلام في الدعوة والموعظة قالوا له - {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ}.
4- ثم هدَّدوه وتوعدوه بإخراجه من قريتهم هو والذين آمنوا معه إلا أن يعود في ملتهم، وهيهات لرسول أن يستجيب لدعوة الكفر وهو يدعو إلى الإِيمان!!
5- ولقد أنذرهم عقاب الله فقال لهم - {وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} [هود: 89].
6- وعلى الرغم من كل النصائح والمواعظ والإِنذارات، طلبوا منه- عناداً وجهلاً وسخرية وتحدياً - أن يُسقِط عليهم كسفاً "قطعاً" من السماء إن كان من الصادقين!!
7- فاستنصر شعيب بربه، فحقت كلمة الله بالعذاب على من كفر من قومه، فأهلكهم الله بالصيحة رافقتها الرجفة في يوم الظلة، وذلك يوم اشتدت فيه الحرارة شدة لا تطاق، فأرسل الله سحابة ففزعوا إليها فراراً من شدة الحر، فلما تكامل عدد أهل الكفر في ظلها، تزلزلت بهم الأرض، وصدمتهم صيحة السماء، فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يَغْنَوا فيها!!
8- ونجى الله شعيباً والذين آمنوا معه برحمته.
9- ليس عند المؤرخين تحديد للزمن الذي عاش فيه شعيب عليه السلام، ومن المحقَّق أن دعوته لقومه كانت بعد لوط بزمن غير بعيد، لقوله لقومه -كما قص القرآن المجيد في سورة(هود)-: {وما قوم لوط منكم ببعيد}، وأنها كانت قبل موسى لقوله تعالى -عقب الحديث عن عدد من الرسل ومنهم شعيب- {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}.
ويغلب على الظن أن أحداث إهلاك قومه كانت بعد انتقال بني إسرائيل إلى مصر وفي المدّة الواقعة بين وفاة يوسف ونشأة موسى عليهما السلام. والله أعلم.
10- وقد أوجز القرآن الكريم قصة شعيب مع قومه في عدة سور، وأهم ما جاء فيها النقاط التالية:
(أ) إثبات نبوته ورسالته إلى أهل مدين وأصحاب الأيكة.
وهل هما قوم أو قومان؟
للمفسرين في ذلك رأيان، الأرجح أنهما اسمان لمسمى واحد. والله أعلم.
(ب) وصف قومه بالكفر وفعل السيئات التي منها: التطفيف والبخس، والإفساد في الأرض.
(جـ) دعوته لقومه، وصبره عليهم، وإنذاره لهم.
(د) إهلاك الله لقومه، ونجاته هو والذين آمنوا معه برحمة من الله وفضل. سيدنا أيوب عليه السلام
قال الله تبارك وتعالى: وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أيوب (44) {سورة يوسف} نسبه عليه السلام قيل هو أيوب بن موص بن رازخ بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل وقيل غير ذلك في نسبه، الا أن الثابت أنه من ذرية إبراهيم الخليل عليه السلام .وحُكي أن أمه بنت نبي الله لوط عليه السلام. وأما زوجته فقيل: إن اسمها رحمة بنت يوسف بن يعقوب، وقيل غير ذلك. وكان عليه الصلاة والسلام عبدًا تقيًا شاكرًا لنعم الله رحيمًا بالمساكين، يُطعم الفقراء ويعين الأرامل ويكفل الأيتام، ويكرم الضيف، ويؤدي حق الله عليه على أكمل وجه. إبتلاه الله لأيوب عليه السلام يقول الله تبارك وتعالى: واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الشيطان بنصب وعذاب (41) {سورة ص} كان أيوب كثير المال اتاه الله الغنى والصحة والمال وكثرة الأولاد، وابتلاء بالنعمة والرخاء ولم تفتنه زينة الحياة الدنيا ولم تخدعه ولم تشغله عن طاعة الله، وكان عليه السلام يملك الأراضي المتسعة من أرض حوران، ثم ابتلاه الله بعد ذلك بالضر الشديد في جسده وماله وولده فقد ذهب ماله ومات أولاده جميعهم، فصبر على ذلك صبرا جميلا ولم ينقطع عن عبادة ربه وشكره، وفوق هذا البلاء الذي ابتلي به في أمواله وأولاده، ابتلاه الله بأنواع من الأمراض الجسيمة في بدنه حتى قيل: إنه لم يبقى من جسده سليمًا إلا قلبه ولسانه يذكر الله عز وجل بهما، وهو في كل هذا البلاء صابر محتسب يرجو ثواب الله في الآخرة، ذاكرًا لمولاه في جميع أحواله في ليله ونهاره وصباحه ومسائه. وطال مرضه عليه الصلاة والسلام ولزمه ثماني عشرة سنة وكانت زوجته لا تفارقه صباحًا ولا مساء إلا بسبب خدمة الناس بالأجرة لتطعمه وتقوم بحاجاته، وكانت تحن عليه وترعى له حقه وتعرف قديم إحسانه إليها وشفقته عليها وحسن معاشرته لها في حالة السراء، لذلك كانت تتردد إليه فتصلح من شأنه وتعينه على قضاء حاجته وثوائب الدهر، وكانت تخدم الناس لتطعمه الطعام وهي صابرة محتسبة ترجو الثواب من الله تبارك وتعالى.
دعاء أيوب لله تعالى
كثرت البلايا والأمراض على نبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام طيلة ثماني عشرة سنة، وهو صابر محتسب يرجو الثواب من الله تعالى، فدعا الله وابتهل إليه بخشوع وتضرع قائلا: وأيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين (83) {سورة الأنبياء}
ثم خرج عليه السلام لقضاء حاجته وأمسكت زوجته بيده إلى مكان بعيد عن أعين الناس لقضاء حاجته فلما فرغ عليه السلام أوحى الله تبارك وتعالى إليه في مكانه: أركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب (42) {سورة ص} فأمره الله تعالى أن يضرب برجله الأرض، فامتثل عليه السلام ما أمره الله به وأنبع الله تبارك وتعالى له بمشيئته وقدرته عينين فشرب من إحداهما واغتسل من العين الأخرى فأذهب الله عنه ما كان يجده من المرض وتكاملت العافية وأبدله بعد ذلك صحة ظاهرة وباطنة، ولما استبطأته زوجته وطال انتظارها، أقبل نبي الله أيوب عليه السلام إليها سليمًا صحيحًا على أحسن ما كان فلما رأته لم تعرفه فقالت له : بارك الله فيك هل رأيت نبي الله أيوب هذاالمبتلى؟ فوالله على ذلك ما رأيت رجلا أشبه به منك إذ كان صحيحًا، فقال لها عليه الصلاة والسلام: فإني أنا هو. وكان لنبي الله أيوب عليه السلام بيدران بيدر للقمح وبيدر للشعير فبعث الله تبارك وتعالى بقدرته سحابتين، فلما كانت إحداهما على بيدر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض، وأفرغت السحابة الأخرى على بيدر الشعير الفضة حتى فاض وعم، وبينما كان أيوب عليه السلام يغتسل خرّ عليه وسقط جراد من ذهب وهذا إكرام من الله تعالى لنبيه أيوب عليه السلام ومعجزة له، فشرع عليه السلام يحثي ويجمع في الثوب الذي كان معه استكثارًا من البركة والخير الذي رزقه الله إياه ، فناداه ربه: يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى، فقال عليه الصلاة والسلام : بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن بركتك، . وأغنى الله تبارك وتعالى عبده أيوب بالمال الكثير بعد أن كان قد فقد أمواله، ورد الله تبارك وتعالى لأيوب عليه السلام أولاده فقد قيل: أحياهم الله تبارك وتعالى له بأعيانهم، وزاده مثلهم معهم فضلا منه وكرمًا، والله يؤتي فضله من يشاء ويرزق من يشاء بغير حساب. يقول الله تبارك وتعالى: وأيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين (83) فإستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وءاتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين (84) {سورة الأنبياء} أيوب يبر بيمينه ولا يحنث ضاق الحال بزوجة أيوب عليه السلام ذات يوم فباعت نصف شعرها لبعض بنات الملوك فصنعت له من ثمنه طعامًا فحلف أيوب عليه الصلاة والسلام أن شفاه الله تعالى ليضربنها مائة جلدة، ولما أراد أيوب عليه الصلاة والسلام أن يبر بيمينه بعد شفائه أمره الله أن يأخذ ضغثًا وهو الحزمة من الحشيش أو الريحان أو ما أشبه ذلك فيه مائة قضيب فيضرب بها زوجته ضربة واحدة وبذلك لا يحنث في يمينه، ولقد شرع الله تعالى له ذلك رحمة بها ولحسن خدمتها إياه وشفقتها عليه أثناء مرضه ومصائبه التي ابتلي بها طوال الثماني عشرة سنة التي ابتلاه الله بها، ولأنها كانت امرأة مؤمنة صالحة تقية صابرة تؤدي حق زوجها عليها وتحسن معاشرته في السراء والضراء، وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله تعالى وأناب إليه وخافه.
موت أيوب عليه السلام
لقب نبي الله أيوب عليه السلام بالصديق وضرب به المثل في الصبر بسبب صبره الجميل طيلة الثماني عشرة سنة على المصائب والبلايا، وعاش أيوب عليه الصلاة والسلام بعد رفع الضر والمصائب عنه مسارعًا في طاعة الله لا تغره الحياة الدنيا وزهرتها يؤدي ما فرض الله عليه ويدعو إلى دين الإسلام وعبادة الله وحده لا شريك له ويستعمل ما رزقه الله من أموال كثيرة في طاعة الله، إلى أن توفاه الله وهو عنه راض. وقيل إنه لما توفي كان عمره ثلاثًا وتسعين سنة، وقيل أكثر من ذلك. عصمة أيوب من الأمراض المنفرة اعلم رحمك الله بتوفيقه أن علماء العقيدة قد قرروا أن أنبياء الله ورسله هم صفوة خلق الله، فيجب للأنبياء الصدق ويستحيل عليهم الكذب، ويجب لهم الفطانة(الذكاء)ويستحيل عليهم البلادة والغباوة، ويجب لهم الصيانة فيستحيل عليهم الرذيلة والسفاهة والجبن، ويجب لهم الأمانة ويستحيل عليهم الخيانة، فالأنبياء سالمون من الكفر وكبائر الذنوب وصغائر الخسة كسرقة حبة عنب، وكذلك يستحيل عليهم الأمراض المنفرة التي تنفر الناس عنهم، وهذا من العصمة الواجبة لهم.
سيدنا ذو الكفل عليه السلام
نبذة:
من الأنبياء الصالحين، وكان يصلي كل يوم مائة صلاة، قيل إنه تكفل لبني قومه أن يقضي بينهم بالعدل ويكفيهم أمرهم ففعل فسمي بذي الكفل.
سيرته:
قال أهل التاريخ ذو الكفل هو ابن أيوب عليه السلام وأسمه في الأصل (بشر) وقد بعثه الله بعد أيوب وسماه ذا الكفل لأنه تكفل ببعض الطاعات فوقي بها، وكان مقامه في الشام وأهل دمشق يتناقلون أن له قبرا في جبل هناك يشرف على دمشق يسمى قاسيون. إلا أن بعض العلماء يرون أنه ليس بنبي وإنما هو رجل من الصالحين من بني إسرائيل. وقد رجح ابن كثير نبوته لأن الله تعالى قرنه مع الأنبياء فقال عز وجل:
وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ (85) (الأنبياء)
قال ابن كثير : فالظاهر من ذكره في القرآن العظيم بالثناء عليه مقرونا مع هؤلاء السادة الأنبياء أنه نبي عليه من ربه الصلاة والسلام وهذا هو المشهور.
والقرآن الكريم لم يزد على ذكر اسمه في عداد الأنبياء أما دعوته ورسالته والقوم الذين أرسل إليهم فلم يتعرض لشيء من ذلك لا بالإجمال ولا بالتفصيل لذلك نمسك عن الخوض في موضوع دعوته حيث أن كثيرا من المؤرخين لم يوردوا عنه إلا الشيء اليسير. ومما ينبغي التنبه له أن (ذا الكفل) الذي ذكره القرآن هو غير (الكفل) الذي ذكر في الحديث الشريف ونص الحديث كما رواه الأمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورع عن ذنب عمله فأتته امرأة فأعطاها ستين دينار على أن يطأها فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت وبكت فقال لها ما يبكيك ؟ أكرهتك ؟ قالت : لا ولكن هذا عمل لم أعمله قط وإنما حملتني عليه الحاجة . .قال : فتفعلين هذا ولم تفعليه قط ؟ ثم نزل فقال أذهبي بالدنانير لك ، ثم قال : والله لا يعصي الله الكفل أبدا فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه : قد غفر الله للكفل).
رواه الترمذي وقال: حديث حسن وروي موقوفا على ابن عمر وفي إسناده نظر. فإن كان محفوظا فليس هو ذا الكفل وإنما لفظ الحديث الكفل من غير إضافة فهو إذا رجل آخر غير المذكور في القرآن.
ويذكر بعض المؤرخين أن ذا الكفل تكفل لبني قومه أن يكفيهم أمرهم ويقضي بينهم بالعدل فسمي ذا الكفل وذكروا بعض القصص في ذلك ولكنها قصص تحتاج إلى تثبت وإلى تمحيص وتدقيق.
الرجل الصالح:
أما من يقول أن ذو الكفل لم يكن نبيا وإنما كان رجلا صالحا من بني إسرائيل فيروي أنه كان في عهد نبي الله اليسع عليه السلام. وقد روي أنه لما كبر اليسع قال لو أني استخلفت رجلاً على الناس يعمل عليهم في حياتي حتى أنظر كيف يعمل؟ فجمع الناس فقال: من يتقبل لي بثلاث استخلفه: يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يغضب. فقام رجل تزدريه العين، فقال: أنا، فقال: أنت تصوم النهار، وتقوم الليل، ولا تغضب؟ قال: نعم. لكن اليسع -عليه السلام- ردّ الناس ذلك اليوم دون أن يستخلف أحدا. وفي اليوم التالي خرج اليسع -عليه السلام- على قومه وقال مثل ما قال اليوم الأول، فسكت الناس وقام ذلك الرجل فقال أنا. فاستخلف اليسع ذلك الرجل.
فجعل إبليس يقول للشياطين: عليكم بفلان، فأعياهم ذلك. فقال دعوني وإياه فأتاه في صورة شيخ كبير فقير، وأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة، وكان لا ينام الليل والنهار، إلا تلك النّومة فدقّ الباب. فقال ذو الكفل: من هذا؟ قال: شيخ كبير مظلوم. فقام ذو الكفل ففتح الباب. فبدأ الشيخ يحدّثه عن خصومة بينه وبين قومه، وما فعلوه به، وكيف ظلموه، وأخذ يطوّل في الحديث حتى حضر موعد مجلس ذو الكفل بين الناس، وذهبت القائلة. فقال ذو الكفل: إذا رحت للمجلس فإنني آخذ لك بحقّك.
فخرج الشيخ وخرج ذو الكفل لمجلسه دون أن ينام. لكن الشيخ لم يحضر للمجلس. وانفض المجلس دون أن يحضر الشيخ. وعقد المجلس في اليوم التالي، لكن الشيخ لم يحضر أيضا. ولما رجع ذو الكفل لمنزله عند القائلة ليضطجع أتاه الشيخ فدق الباب، فقال: من هذا؟ فقال الشيخ الكبير المظلوم. ففتح له فقال: ألم أقل لك إذا قعدت فاتني؟ فقال الشيخ: إنهم اخبث قوم إذا عرفوا أنك قاعد قالوا لي نحن نعطيك حقك، وإذا قمت جحدوني. فقال ذو الكفل: انطلق الآن فإذا رحت مجلسي فأتني.
ففاتته القائلة، فراح مجلسه وانتظر الشيخ فلا يراه وشق عليه النعاس، فقال لبعض أهله: لا تدعنَّ أحداً يقرب هذا الباب حتى أنام، فإني قد شق عليّ النوم. فقدم الشيخ، فمنعوه من الدخول ، فقال: قد أتيته أمس، فذكرت لذي الكفل أمري، فقالوا: لا والله لقد أمرنا أن لا ندع أحداً يقربه. فقام الشيخ وتسوّر الحائط ودخل البيت ودق الباب من الداخل، فاستيقظ ذو الكفل ، وقال لأهله: ألم آمركم ألا يدخل علي أحد؟ فقالوا: لم ندع أحدا يقترب، فانظر من أين دخل. فقام ذو الكفل إلى الباب فإذا هو مغلق كما أغلقه؟ وإذا الرجل معه في البيت، فعرفه فقال: أَعَدُوَّ اللهِ؟ قال: نعم أعييتني في كل شيء ففعلت كل ما ترى لأغضبك.
فسماه الله ذا الكفل لأنه تكفل بأمر فوفى به!
سيدنا يونس عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم على ضفاف نهر دجلة عاش الآشوريون في مدن كبرى ، وكانت نينوى أكبر مدنهم فهي عاصمة البلاد .
وفي نينوى كان يعيش مئة الف انسان أو اكثر بقليل .
كانوا يعيشون حياتهم ، يزرعون حقولهم الواسعة ويرعون ماشيتهم الكثيرة في تلك الأرض الخصبة .
وفي تلك المدينة الكبيرة وُلد سيدنا يونس وعاش ، حتى اذا ادرك ، رأى قومه يعبدون الأوثان والاصنام ، ينحتون التماثيل المرمرية ويعبدونها .
الله سبحانه اصطفى عبده يونس ( عليه السلام ) نبياً ، كان يونس انساناً مؤمناً بالله الواحد القادر ، وكان يدرك أن هذه التماثيل والاصنام مجرّد حجارة لا تضرّ ولا تنفع .
الله سبحانه أرسل يونس إلى أهل نينوى يدعوهم إلى عبادة الله سبحانه ونبذ الاصنام والأوثان .
الناس في تلك البلاد كانوا طيبين ولكنهم كانوا يشركون بالله منذ زمن بعيد وهم يعبدون التماثيل .
وجاء سيدنا يونس و وعظهم و نصحهم و قال لهم : اعبدوا الله وحده و لا تشركوا به أحداً .
و لكن أهل نينوى و قد اعتادوا على عبادة التماثيل رفضوا دعوة يونس ، و وقفوا في وجهه .
كل الانبياء كانوا يُعلِّمون الناس عبادة الله الواحد كل الرسل كانوا يبشّرون بالتوحيد .
الناس كانوا ضالّين ، يعبدون الحجارة . . يظنّون ان لها تأثيراً في حياتهم .
جاء سيدنا يونس وأرشدهم إلى عبادة الله الواحد الأحد .
ولكن ذلك لم ينفع معهم .
وحذّرهم النبي من عاقبة عنادهم . . ان الله سبحانه سيعذّبهم إذا ظلّوا على عنادهم وعبادة الاصنام .
و غضب سيدنا يونس من أهل نينوى فحذّرهم من نزول الغضب الالهي .
غادر سيدنا يونس نينوى ومضى .
ذهب باتجاه البحر الابيض . كان يترقّب نزول العذاب بأهل نينوى .
و مضت أيامٌ و أيام ، و لكن سيدنا يونس لم يسمع شيئاً .
سأل كثيراً من المسافرين عن أخبارهم نينوى وأهلها ، وكانوا ك | |
|
| |
اْستاذ صادق الرتبة
الدولة : الجنس : تاريخ التسجيل : 15/03/2011 عدد المساهمات : 10473 المهنة :
| موضوع: رد: قصص الاْنبياء من ادم عليه السلام الى خاتم النبئين و المرسلين محمد (ص)عليه افضل الصلاة و التسليم الأربعاء سبتمبر 21, 2011 7:06 am | |
| اهل القريه الانبياء عليهم السلام
((وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ...))
كانت هناك مدينة تسمى انطاكية يسكنها قوم يعيشون في شرك وضلال وكانوا متشائمين. فأرسل اليهم اثنين من الحواريين المقربين ليرشدوهم الى صراط الله المستقيم وينقذوهم من الضلال. وبعد ان صارا الحواريان قريبين من المدينة شاهدا شيخا يرعى اغنامه وكان اسمه حبيب النجار. فقالا له: السلام عليك ايها الشيخ الكريم. فقال: وعليكم السلام. من انتما؟ فقالا له: نحن رسولا ، جئنا ندعوكم الى عبادة الرحمن وترك عبادة الاوثان. فقال الشيخ:هل معكما آية (دليل او علامة) تثبت ما تدعيانه؟ قالا: نعم. فنحن نشفي المريض ونبرئ الاكمه والابرص بأذن الله. فقال: ان لي ابنا مريضا ومنذ سنين وهو يرقد في الفراش. فقالا له: انطلق بنا الى منزلك لنراه. فذهب بهما وادخلهما منزله، فأقتربا من ابنه ومسحا وجهه وجسده وذكرا الله فقام الابن من دون أية علة بأذن الله. فأنتشر الخبر في المدينة ولكن اهل القرية كذبوا الرسولين. وبعث عيسى (ع) رسولا ثالثا وايضا كذبوه وقالوا ان النبوة لا ينالها احد من البشر. ان انتم الاّ كاذبون! فقال قوم من الكافرين: نحن تشاءمنا منكم ونحن في شك من امركم واذا لم تتوقفوا عن دعواكم سنضربكم بالحجارة وسيصيبكم منا عذاب شديد. فقال لهم الرسل: تشاؤمكم معكم وانتم قوم مسرفون ضالون. ووصل خبر الرسل الى ملك المدينة وكان يعبد الاصنام. فأمر بأحضارهم، فقال لهم من انتم؟ قالوا: نحن رسل جئنا ندعوك من عبادة من لا يسمع ولا يبصر الى عبادة من يسمع ويبصر. فقال الملك: وهل لنا اله غير آلهتنا؟ فقالوا: نعم. وهو الذي اوجدك واوجد آلهتك. فقال الملك غاضبا:قوموا حتى انظر في امركم. فأخذهم الناس الى السوق بعد ان ضربوهم وحبسوهم في معبد الاصنام واجمعوا على قتلهم رغم جميع الايات والمعجزات التي اتوا بها. ولما بلغ ذلك حبيب النجار وكان على باب المدينة، جاء يسعى مسرعا اليهم وينادي بأهل المدينة ان يطيعوا الله وان يصدقوا الرسل ويتبعوهم. فلم يستمع لكلامه اهل القرية ونقموا منه وضربوه وقتلوه فرفعه الله تعالى وادخله الجنة فقال: ياليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين. وبعد ذلك انزل الله تعالى عذابه على اهل هذه القرية فأحرقها وخرب ديارهم. وهكذا كانت نهاية من كان يستهزء برسل الله ولا يتبعهم.
النبي موسى عليه السلام
كان يوسف (عليه السلام) ملكاً في مصر، وقد جمع بين النبوّة، والملوكية، فكان ينظّم أمر الناس على وفق العدل والحكمة.
وحين حضرته الوفاة جمع آل يعقوب، وهم ثمانون رجلاً.. فقال لهم: إنّ هؤلاء القبط سيظهرون عليكم ويكون الملك للكافرين ويصبح المؤمن في هذه البلاد ذليلاً بأيديهم.. ويسومونكم سوء العذاب. وإنما ينجّيكم الله من أيديهم، برجل من ولد (لاوي) بن (يعقوب) اسمه: موسى بن عمران. وبعدما أخبر يوسف بني إسرائيل بهذا الخبر، حزنوا لما يتوقعونه من البلاء، وفرحوا بما ينتظرونه من الفرج على يد نبيّ من بني أبيهم.. ومات يوسف (عليه السلام).
فملك بعده رجلاً لا يسير سيرة يوسف في كل كبير وصغير.. وكيف يعدل بيوسف غيره: وهو نبيّ من عند الله تعالى لا يأمر إلا بالخير، ولا يفعل إلا الخير. ثم مات الملك..
وملك بعده رجل آخر، وكان عاتياً فاجراً.. وهكذا أقام بنو إسرائيل، بعد وفاة يوسف، وقد كثروا، وانتشروا، متمسّكين بدين آبائهم يوسف، ويعقوب، وإسحاق وإبراهيم (عليهم السلام).
حتى زمان الملك فرعون.. وهذا الملك الطاغي فتح لمصر صفحة جديدة من الطغيان والإرهاب، وخصّص لبني إسرائيل ألواناً من العذاب والنكال.
كان بنو إسرائيل ينتظرون مقدم موسى (عليه السلام) لينجّيهم من طغيان فرعون وقسوته. وكان كلّما ولد لأحدهم مولود سموه عمراناً.. فإذا كبر عمران، سمّى ولده موسى رجاءً لأن يكون هو الذي وعد به يوسف (عليه السلام) حين حضرته الوفاة ولكن خابت الظنون، فلم يكن موسى الموعود أحدهم.
واغتنم بعض متطلبي الرئاسة هذا الوعد، فجعل من نفسه موسى النبيّ! حتى ادّعى خمسون من بني إسرائيل انهم هم الذين وعدهم يوسف، وكلّهم يدّعي أنه ينزل عليه الوحي، وانه هو مخلص بني إسرائيل، كذباً وافتراءً!
ولم يزل فرعون يسمع هذه الأخبار عن بني إسرائيل وكان قد علم أن بني إسرائيل يرجفون به ويطلبون هذا الغلام. فاستشار كهنته وسحرته في هذا الأمر المهم.
قالوا: إن المسموع صحيح، وهلاك دينك وقومك على يدي هذا الغلام.
وحدّدوا وقت ولادة الغلام بعامِ مخصوص. وهنا ثار ثائر فرعون، وجعل يخبط خبط العشواء للظفر بهذا الذي سيولد، مما يكون بيده هلاكه وتقضي أيامه!! أما كيف يصنع؟ وكيف يظفر على هذا المولود فهو سر مغلق، لا تساعده حيلته على ذلك!!
وأخيراً ارتأى أبشع الآراء، وقرّر تنفيذه بكل صرامةٍ وقسوةٍ. جعل القوابل على النساء، في ذلك العام الذي أخبر بولادة موسى فيه وأمر بأن يذبح كل غلام يولد في ذلك العام، ليستريح من موسى من أوّل أمره.
وعجّ بنو إسرائيل من هذا الحكم الإجراميّ واجتمع بعضهم إلى بعض لحلّ المشكلة. وكان فيهم عمران والد النبي موسى (عليه السلام).
فقال بعضهم: إذا ذبح الغلمان واستحيى النساء هلكنا ولم يبق لنا نسبٌ، فمن الرأي أن لا ينكح رجالنا نساءنا حتى لا يولد لنا مولود.. وبذلك ننقرض جميعاً، أما أن تبقى البنات ويذبح الأولاد فمعنى ذلك: أن نقدّم بناتنا إلى آل فرعون غنيمة باردة. لكنّ عمران أبى هذا الرأي.. وقال: أمر الله واقعٌ ولو كره المشركون.
وقد أصرّ فرعون في تعذيب بني إسرائيل، وقتل أطفالهم، حتى قتل من أطفال بني إسرائيل نيفاً وعشرين ألف مولود. بالإضافة إلى ما كان يأمر به من تعذيب الرجال والنساء. وقد كان من صنوف تعذيبه أن أمر بتقييد أرجلهم لئلا يفرّوا.. ثم كان يستعملهم في البناء، فكانوا ينقلون الطين على السلالم إلى السطوح، بأرجل مقيدة.. وكثيراً ما كانوا يقعون من السلّم فيموتون أو يزمنون، أو يصابون بصنوف الرض والكسر والتشويه.
وفي مثل هذا الوقت.. وفي هذا الجوّ الخانق تعذيباً وإرهاباً.. حملت أمّ موسى.. فوكل بها فرعون قابلةً تترقّب ولادتها، فإن كان الولد ذكراً ذبحه وإن كانت أُنثى استحياها.. وألحت القابلة في حراستها، فإذا قامت الأم قامت القابلة في إثرها، وإذا جلست جلست القابلة إزاءها لئلا يفوتها زمنٌ من حالها.
لكنّ الله تعالى شاء أن تنقلب القابلة عن هذه الصرامة، فأحبّت أُمّ موسى حباً كبيراً، لما رأت فيها من الأخلاق الفاضلة والأدب الرفيع. أما الأُمّ فقد أخذها الخوف، وظهر على ملامحها فشحب وجهها ومال إلى الاصفرار.
قالت القابلة يوماً لأُمّ موسى: يا بنية، ما لك تصفرّين وتذوين؟
فأجابت الأمّ قائلة: لا تلوميني، كيف لا أخاف انّه إذا ولدت أخذ الولد وذبح!
لكن القابلة سلّتها، وقالت: لا تحزني، فإني سوف اكتم عليك.
أما الأم فقد ظلّت في شك من هذا الوعد، إلى أن ولدت بموسى (عليه السلام)، وكانت القابلة حاضرة حين الولادة، فالتفتت إليها أُمّ موسى، وملء نظرها استعطاف واستيفاء للوعد.. وفوّضت أمرها إلى الله قائلةً: ما شاء الله، وانتظرت أمر القابلة.
ولما أن سمع الناس ولولة الطلق، ذهبوا يخبرون الحرس الملكي، الذين وكّلوا بذبح الأطفال، فحضروا باب البيت، وتحيّرت القابلة في الأمر، ماذا تجيب الحرس؟ وكيف تنقض عهداً عهدته إلى الأمّ المحببة إليها؟
لكنها أخيراً، توجّهت إلى الأمً قائلة: إني سوف اكتم عليك، كما وعدتك فلا تخافي، وحملت الأم والولد فأدخلتها المخدع، وأصلحت بعض أمرها، ثم خرجت إلى الحرس قائلة: انصرفوا، فانّه خرج دم منقطع. فانصرف الحرس، واطمأنت الأمّ، وجزت القابلة خيراً.
وهكذا شاء الله تعالى أن يخلّص نبيّه العظيم موسى (عليه السلام) من براثن فرعون المجرم، وحرسه القساة (وأوحينا إلى أمّ موسى أن أرضعيه) فأرضعت الأمّ ولدها الحبيب، بكلّ لهفةٍ وحنان. لكنّها خافت أن يبكي موسى، فيعرف الجيران خبرها، فتقع فيما فرّت منه.
فألهمها الله تعالى أن (..إذا خفت عليه فألقيه في اليمّ ولا تخافي ولا تحزني..) فصنعت أُمّ موسى تابوتاً من خشب، ووضعت ابنها الحبيب فيه، وطبقت التابوت بحيث لا يدخل فيه الماء وذهبت ليلاً إلى الماء. ثم طرحت التابوت في النيل، وقلبها ممتلئ كآبةً وحزناً.
لكن الماء أبى أن يفرّق بين الوالدة الحزينة والولد الحبيب، فجعلت الأمواج تدفع التابوت إلى الجرف.. والوالدة تدفع التابوت إلى الغمر، خوفاً وحزناً! إلى أن ضربت الريح التابوت نحو مجرى الماء، فانطلق به.
لكن الأم كيف تصبر؟ فهمّت أن تصيح لوعةً وشجناً، فربط الله على قلبها، وحفظها (وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتبدى به لولا أن ربطنا على قلبها). ووعد الله الأم أن يرد الولد إليها، وبشّرها بأن يجعله من المرسلين (إنّا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين).
التابوت ينطلق في الماء، حسب لهب الريح ومجرى الماء.. والولد يكلأه الله بلطفه ورعايته في جوف الصندوق.. والأم أخذت ترجع إلى البيت بقلبٍ والهٍ وأن لمس شيئاً من الهدوء والاطمئنان تصديقاً بوعد الله.
فما هي العاقبة؟
كانت لفرعون امرأةً صالحة تسمى (آسية) من قبيلة بني إسرائيل، وكانت تخالف زوجها في العقيدة والرأي، لكنّها كانت تسرّ معتقدها، خوفاً من سطوة فرعون الجبار الطاغي.
وأتت أيام الربيع فقالت آسية لفرعون: هذه أيام الربيع فأمر لي بضرب قبّة على النيل لكي أتنزّه في هذه الأيام الجميلة. فأمر فرعون بضرب قبةٍ لها على الشطّ، وخرجت هي مع لمّةٍ من جواريها.
وبينما الجواري على الماء.. إذ رأين الأمواج تعلو وتهبط بشيء، ورأت آسية الصندوق في وسط الغمر، فقالت للجواري: ما ترين؟ قلن: يا سيدتنا، إنا لنرى شيئاً كما ترين.. وأتى الماء بالصندوق إلى القرب منهن، فاندفعن في الماء حتى أخذنه، وقد كاد أن ينفلت من أيديهن.
فتحت آسية الصندوق، وإذا فيه طفل جميل كفلقة القمر، فأوقع الله في قلبها محبة منه (ألقيت عليك محبة مني) ووضعت الولد في حجرها، وتفكّرت في أن تتخذه ابناً لها.. فأعلمت الجواري، وقالت: هذا ابني.. وأقرّتها الجواري بهذا التبنّي الميمون.
فقلن: أي والله، أي سيّدتنا، ما لك ولدٌ ولا للملك ـ يقصدن فرعون ـ فاتّخذيه ولداً.
ولكن.. يا ترى، هل يرضى فرعون بذلك؟
قامت آسية إلى فرعون.. فقالت له: إني أصبت غلاماً طيّباً حلواً، نتّخذه ولداً، فيكون قرّة عين لي ولك، فلا تقتله.
قال فرعون: ومن أين هذا الغلام؟
قالت آسية: لا والله ما أدري، إلا أن الماء جاء به..
لكن فرعون أبى أن يقبل قولها.. وهمّ أن يقتله، لما توجس خيفة، من أن يكون الولد من بني إسرائيل.. فألحّت آسية في الإصرار، وشفعت شمائل الولد الحلوة، في قبول فرعون تبنّي الولد.. وسمّاه (موسى) لأنه التقط من الماء. ولما سمع الناس أن الملك قد تبنّى ابناً.. أرسل كبراء الناس نساءهم إلى آسية لتكون لموسى عليه السلام ظئراً ومربية.. وكلما تقدّمت النساء إلى موسى، لتلقمه ثديها، أعرض عن الثدي، فتحيّرت آسية في أمره.. ماذا تصنع به؟
ثم أمرت جواريها أن يطلبن كلّ امرأة مرضعة أو ذات لبن، ولا يحقرن أحداً كيف ما كان شأنها ومنزلتها فلعل موسى يقبل إحداهن.. أما أم موسى فقد كانت تترقب الأخبار عن ولدها. إذ أنها لم تعلم ما صنع به في النيل! لكنّها لم تظفر بخبر صحيح عن ولدها..
فقالت لابنتها ـ أخت موسى ـ : قصيه وانظري أترين لأخيك من أثر.. فانطلقت البنت تفحص عن موسى الرضيع هنا وهناك، لكنّها لم تقع على خبر؟!
وانتهى بها السير إلى باب دار الملك (فرعون) ودخلت الدار فيمن دخل.. وإذا بها ترى موسى أخاها في حضن آسية.. وقد التمست النساء لإرضاعه، لكنّه يأبى عن قبول لبنهن، وذلك بمشيئة من الله تعالى (وحرّمنا عليه المراضع من قبل).
توجّهت البنت الزكيّة إلى امرأة فرعون قائلة: قد بلغني أنكم تطلبون ظئراً.. وهنا امرأة صالحة تأخذ ولدكم، وتكفله لكم.
قالت بعض النساء: يظهر أن هذه البنت تعرف أم الغلام وإلا فمن أين لها بالظئر!
أجابت البنت الفطنة: أردت نصحكم.. فإني اعرف امرأة مرضعةً، وإن لم تحبوا أن آتي بها فلا ضير.
لكن آسية أمرت بأن تأتي بالمرضعة، فلعل موسى يقبل ثديها. فركضت البنت إلى أمّها تبشرها بالخبر.. وتبعتها الأمّ إلى دار فرعون. فلمّا دخلت الدار..
قالت آسية: ممن أنت؟
قالت الأم: من بني إسرائيل.
قالت آسية: اذهبي يا بنيّة، فليس لنا فيك حاجة.
توجهت النساء إلى آسية قائلات: انظري يا آسية هل يقبل الطفل الثدي أو لا يقبل؟
فقالت امرأة فرعون: أرأيتم لو قبل.. هل يرضى فرعون أن يكون الغلام من بني إسرائيل والمرأة ـ تعني الظئر ـ من بني إسرائيل؟ إن فرعون لا يرضى بذلك أبداً.
قالت النساء: فانظري يقبل أو لا يقبل؟
وقد كانت أُمّ موسى خرجت من عند آسية عندما قالت لها اذهبي يا بنيّة.. فأرسلت آسية ـ بعض الجواري ـ عليها لترجع. فركضت أخت موسى، إلى أمّها تخبرها بالبشارة قائلة: إن امرأة الملك تدعوك.. فأتت الأم فرحة، ودخلت على آسية.
فدفعت آسية الولد إليها، والنسوة ينظرن، أخذت الأمّ ولدها، ووضعته في حجرها، ثم ألقمته ثديها، وإذا بموسى يقبل على المصّ إقبالاً عظيماً واللّبن يجري في فمه. فرحت آسية.. وفرحت النسوة.. وفرحت الأمّ فرحاً كبيراً. قامت آسية إلى فرعون، تخبره الخبر، وتستأذنه في أمر الظئر الإسرائيلية.
فقالت: إنّي قد أصبت لابني ظئراً، وقد قبل منها الرضاع.
قال فرعون: وممن هي؟
قالت آسية: من بني إسرائيل!
قال فرعون: هذا مما لا يكون أبداً: الغلام من بني إسرائيل! والظئر من بني إسرائيل!
فلم تزل آسية تلحّ عليه، وتستعطفه في أمر الغلام وتقول له: وماذا تخاف؟ إنّ الغلام ابنك وينشأ في حجرك.. فهل تراه يبارزك ويخاصمك؟ هذا مما لا يكون.
حتى قبل فرعون، ورضي بالظئر الإسرائيلي (فرددناه إلى أمّه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون).
فنشأ موسى في حضن فرعون وداره، في عز واحترام، بينما كان فرعون وجلاوزته يقتلون أولاد بني إسرائيل، خوفاً من أن ينشأ فيهم من أخبر المنجّمون بأنّ زوال ملك فرعون بيده.
وهكذا شاء الله أن يربي نبيه العظيم، في حضن أعدى أعدائه (فالتقطته آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً).
وقد كتمت القابلة.. والأُمّ.. والأخت.. خبر موسى، ومضى زمانٌ، وأتى زمانٌ، واستغنى موسى عن الرضاع، وماتت الأم، وماتت القابلة، وبقي موسى في حجر فرعون، يكلأه الله برعايته ويربيه فرعون ينظر إليه نظر الأب إلى ابنه.
وفي ذات يوم حدث أن موسى ـ وهو غلام صغير يدرج ـ عطس عطسةً فقال: الحمد لله رب العالمين.
فأنكر فرعون ذلك عليه، ولطمه موسى على وجهه وقال: ما الذي تقول؟ فوثب على لحية فرعون ـ وكانت طويلة ـ فقلع بعضها! فهمّ فرعون بقتله!
قالت آسية ـ متشفعةً ـ : إنه غلام حدث ما يدري ما يقول..
فقال فرعون: بلى يدري. قالت آسية: فامتحنه: ضع بين يديه تمراً وجمراً، فإن ميّز بينهما، فافعل ما تريد.
فأمر فرعون بأن يوضع إزاء موسى طبقاً من تمر وكانوناً من جمر.. فمدّ موسى يده إلى الجمر، ووضعه في فمه.. فاحترق لسانه ويده، وبكى بكاءً مراً!
فقالت آسية لفرعون: ألم أقل لك: إنه لا يعقل. فعفا فرعون عنه..
أمّا بنو إسرائيل، الذين كانوا تحت اضطهاد فرعون ونكاله، فقد كانوا منتظرين مقدم موسى، ولكنّهم لم يكونوا يعلمون أنّه قد ولد.. فكانوا يتذاكرون وعد يوسف (عليه السلام)، وينتظرون نبيّهم المخلّص لهم من أيدي الجبارين.. وكانوا يسأل بعضهم بعضاً عن وقت الفرج، لكن.. لم يكونوا يعرفون ذلك بالضبط.
ولما علم فرعون بإلحاحهم في طلب مخلّصهم زاد في تعذيبهم، وأمر بأن يفرّق بين رجالهم ونسائهم، كي لا يولد لهم المولود المنتظر. ومنع عن مذاكرة موسى منعاً باتاً، ولم يدر أن موسى في بيته!
وقد أثّر الضغط الشديد في بني إسرائيل، فلم يقدروا على ذكر اسم موسى إلا في ظلمات الليل، والخفايا، كي لا يرفع أمرهم إلى الطاغية فرعون. فخرجوا! ذات ليلة مقمرة إلى كبير لهم، له علم ومعرفة، يسألونه عن موعد الفرج؟
قالوا للشيخ: قد كنّا نستريح إلى أخبارك من قبل، وكانت بشائرك بالفرج تسري عنّا بعض الهموم. فإلى متى نحن في هذا البلاء؟ إن فرعون يقتل رجالنا، ويشق بطون نسائنا الحبالى، ويذبح أطفالنا. فمتى الفرج؟
قال الشيخ: إنكم لا تزالون في البلاء حتى يجيء الله تعالى بغلام من ولد لاوي بن يعقوب.. اسمه موسى بن عمران، غلامٌ طوالٌ جعدٌ. وعند ذلك يكون الفرج.
وبينما هم في الحديث، بين يأس ورجاء، إذ طلع عليهم موسى من بعيد.. وهو إذ ذاك حديث السن، وقد خرج من دار فرعون، وهم يزعمون أنه يريد النزهة. لكن موسى كان قاصداً نحو بني إسرائيل، ميمّماً وجهه شطر ذلك الاجتماع المنعقد في ظلمة الليل، وقف على القوم، فتوسّم الشيخ فيه الملامح الموعودة.
فقال: ما اسمك يرحمك الله؟
قال: موسى..
قال الشيخ: ابن من؟
قال: ابن عمران.. فانكبّ الشيخ على قدميه يقبّلهما.
وعرف بنو إسرائيل نبيّهم، فأقبلوا إليه يقبّلون يده ورجله، في فرح وغبطة ثم ودّعهم موسى قائلاً لهم: أرجو أن يعجّل الله فرجكم! وذهب إلى دار فرعون. وفي هذا الوقت علم بنو إسرائيل أن الفرج قد اقترب.. وانّه قد شبّ مخلّصهم من فرعون.
خرج موسى ذات يوم يتفرّج.. فدخل مدينة لفرعون، وبينما هو يسير، فإذا به يرى رجلين يقتتلان (هذا من شيعته) من بني إسرائيل (وهذا من عدوه) من القبط، فكان أحدهما يقول بقول موسى، وكان الآخر يقول بقول فرعون (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه) قال الإسرائيلي: يا موسى نجني من هذا القبطي. فتقدم موسى إلى القبطي (فوكزه) ضربه بيده، وكانت الوكزة شديدة، لما كان لـ(موسى) من قوة وبطش (فقضى عليه) ومات القبطي في مكانه. قال موسى: هذا الاقتتال من عمل الشيطان.
فانتشر أمر موسى في الناس، وقالوا: إنه قتل رجلاً من القبط (فأصبح في المدينة خائفاً يترقب). وخرج في غد ذلك اليوم يتحسّس الأخبار، فإذا به يمرّ بذلك الرجل الإسرائيلي، وهو يتقاتل مع رجل قبطي آخر.. ولما أن رأى الإسرائيلي موسى استصرخه وطلب منه العون في إنجائه من القبطي. توجه موسى إلى الإسرائيلي، وقال له: (إنك لغوي مبين) كل يوم تقاتل رجلاً؟!
لكن موسى ـ بعدما قال هذا الكلام للإسرائيلي ـ نحى نحو القبطي ليزجره وينصر الإسرائيلي (ولما أراد أن يبطش بالذي هو عدوّ لهما) زعم الإسرائيلي أن موسى يريد الانتقام منه.. فاضطرب وتوجه إلى موسى قائلاً: (أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين)؟! فخاف موسى أن يتبيّن أمره، ويلقى القبض عليه فهرب من محل المنازعة، واختفى.
كان خازن فرعون مؤمناً بموسى (عليه السلام) وكان قد كتم إيمانه عن فرعون.. وبعد الواقعة استشار فرعون أصحابه في أمر موسى؟ وأخيراً استقرّ رأيه على أن يقتله. لكن الله شاء أن يحفظ موسى من القتل.
فأخذ الخازن يناقش فرعون في قتل موسى وقال: (أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله)؟ لكن لم تنفع المناقشة، وصدر حكم القتل، فلم ير الخازن حلاً للمسألة إلا أن يخبر موسى بالمؤامرة لينجو بنفسه.
(وجاء رجل من أقصا المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين) وسمع موسى كلام الخازن (فخرج منها خائفاً يترقّب) بغير دابّةٍ، ولا خادم ولا زادٍ متضرعاً إلى الله تعالى، قائلاً: (رب نجني من القوم الظالمين) وكان يخاف أن يلحقه الطلب!
لكن الله حفظ نبيه عن أذى فرعون وقومه، فلم يظفروا به، حتى خرج من بلادهم.. وورد إلى بلاد آخرين (ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل).
سار موسى (عليه السلام).. ترفعه أرض وتخفضه أخرى، حتى أتى إلى ارض مدين، فرفعت له من البعيد شجرةٌ، فقصدها ليستظلّ بها، ولما اقترب منها رأى تحتها بئراً (ولما ورد ماء مدين وجد عليه أُمّةً من الناس يسقون). ونظر في ناحية، فإذا يرى جاريتين معهما غنمٌ تنتظران صدور القوم، حتى تسقيا غنمهما، من فضل ما بقي في الحوض.
فقال لهما موسى: (ما خطبكما)؟ ولماذا تنتظران؟ (قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخٌ كبير). فرقّ موسى لحالهما، ودنا من البئر، وقال لمن على البئر: أستقي دلوين دلواً لكم، ودلواً لي؟ وكان الدلو كبيراً يحتاج مدُّه إلى جماعة... فقبل القوم كلامه لما رأوا فيه من المنفعة لأنفسهم، فتقدّم موسى (عليه السلام) وحده ـ وكان قويا ـ فاستقى وحده دلواً لمن على البئر ثم استقى دلواً آخر للجاريتين، وسقى أغنامهما.
( ثم تولّى إلى الظلّ فقال رب إني لما أنزلت إليّ من خيرٍ فقيرٌ) وكان (عليه السلام) حينذاك جائعاً لم يأكل منذ ثلاثة أيام شيئاً! وكان قد استولى عليه الضعف، والتعب.. فقد قطع الطريق بين مصر ومدين راجلاً خائفاً، ولم يعتد ذلك من قبل حيث انه كان في ظلّ نعيمٍ في بيت الملك، مهيئاً له أفضل الأطعمة، وأحسن المراكب، وأسبغ الرفاه والأمن.
فتضرّع إلى الله تعالى، في أن يمنحه الراحة والأمن والمأكل. استجاب الله دعاء موسى (عليه السلام). فما أن رجعت المرأتان إلى داريهما ـ وكان أبوهما نبياً من أنبياء الله تعالى، واسمه: شعيب (عليه السلام) ـ حتى أخبرتاه بنبأ موسى.
إن شعيب سأل ابنتيه، قائلاً: أسرعتما الرجوع اليوم؟ وقد كانتا اعتادتا التأخر حتى يصدر الرعاء.
فقالتا: وجدنا رجلاً صالحاً رحيماً، فسقى لنا مع القوم، وهذا سبب مجيئنا قبل كل يوم.
فقال شعيب، لواحدة منهما: اذهبي إليه، فادعيه لنجزيه أجر ما سقى لنا (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء) حتى وصلت إلى موسى (قالت إنّ أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا) فقام موسى معها، وأرادت الفتاة أن تتقدّم على موسى في المشي لتدلّه على الطريق لكن موسى أبى، وقال: بل كوني من ورائي، وأرشديني إلى الطريق بدلالة.
حتى وصل إلى دار شعيب فدخل الدار، ورحّب به شعيب، واستفسره عن قصته (فلمّا جاءه وقصّ عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين).
هارون عليه السلام
نبذة:
أخو موسى ورفيقه في دعوة فرعون إلى الإيمان بالله لأنه كان فصيحا ومتحدثا، استخلفه موسى على قومه عندما ذهب للقاء الله فوق جبل الطور، ولكن حدثت فتنة السامري الذي حول بني إسرائيل إلى عبادة عجل من الذهب له خوار ، فدعاهم هارون إلى الرجوع لعبادة الله بدلا من العجل ولكنهم استكبروا فلما رجع موسى ووجد ما آل إليه قومه عاتب هارون عتابا شديدا.
المسيرة سيرته:
لا يذكر الكثير عن سيرة هارون عليه السلام. إلا أن المعلوم هو أن الله أيد موسى بأخيه هارون في دعوته فلقد كان هارون عليه السلام أفصح لسانا. وورد موقف موسى عليه السلام من أخيه حين استخلفه على بني إسرائيل وذهب للقاء ربه، فعبدت بنو إسرائيل العجل الذي صنعه السامري. القصة مذكورة بتفاصيلها في قصة موسى عليه السلام
موته
.عن ابن أبي عمير ، عمن ذكره ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال موسى عليه السلام لهارون عليه السلام : امض بنا إلى جبل طور سيناء ، ثم خرجا فإذا بيت على بابه شجرة عليها ثوبان ، فقال موسى لهارون : اطرح ثيابك وادخل هذا البيت والبس هاتين الحلتين ونم على السرير ، ففعل هارون ، فلما أن نام على السرير قبضه الله إليه ، وارتفع البيت والشجرة ، ورجع موسى إلى بني إسرائيل فأعلمهم أن الله قبض هارون ورفعه إليه ، فقالوا : كذبت أنت قتلته ، فشكا موسى عليه السلام ذلك إلى ربه ، فأمرالله تعالى الملائكة فأنزلته على سرير بين السماء والارض حتى رأته بنو إسرائيل فعلموا أنه مات النبي يوشع بن نون عليه السلام
نبذة:
ورد أنه الفتى الذي صاحب موسى للقاء الخضر. وهو النبي الذي أخرج الله على يديه بني إسرائي من صحراء سيناء، وحاربوا أهل فلسطين وانتصروا عليهم.
المسيرة
سيرته:
لم يخرج أحد من التيه ممن كان مع موسى. سوى اثنين. هما الرجلان اللذان أشارا على ملأ بني إسرائيل بدخول قرية الجبارين. ويقول المفسرون: إن أحدهما يوشع بن نون. وهذا هو فتى موسى في قصته مع الخضر. صار الآن نبيا من أنبياء بني إسرائيل، وقائدا لجيش يتجه نحو الأرض التي أمرهم الله بدخولها.
خرج يوشع بن نون ببني إسرائيل من التيه، بعد أربعين سنة، وقصد بهم الأرض المقدسة. ,كانت هذه الأربعين سنة -كما يقول العلماء- كفيلة بأن يموت فيها جميع من خرج مع موسى عليه السلام من مصر، ويبقى جيل جديد تربى على أيادي موسى وهارون ويوشع بن نون، جيل يقيم الصلا ويؤتي الزكاة ويؤمن بالله ورسله. قطع بهم نهر الأردن إلى أريحا، وكانت من أحصن المدائن سورا وأعلاها قصورا وأكثرها أهلا. فحاصرها ستة أشهر.
وروي في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن ولا آخر قد بنى بنيانا ولما يرفع سقفها ولا آخر قد اشترى غنما أو خلفات وهو منتظر ولادها قال فغزا فأدنى للقرية حين صلاة العصر أو قريبا من ذلك فقال للشمس أنت مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علي شيئا فحبست عليه حتى فتح الله عليه قال فجمعوا ما غنموا فأقبلت النار لتأكله فأبت أن تطعمه فقال فيكم غلول فليبايعني من كل قبيلة رجل فبايعوه فلصقت يد رجل بيده فقال فيكم الغلول فلتبايعني قبيلتك فبايعته قال فلصقت بيد رجلين أو ثلاثة فقال فيكم الغلول أنتم غللتم قال فأخرجوا له مثل رأس بقرة من ذهب قال فوضعوه في المال وهو بالصعيد فأقبلت النار فأكلته فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا ذلك بأن الله تبارك وتعالى رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا) ويرى العلماء أن هذا النبي هو يوشع بن نون، فقد كان اليهود لا يعملون ولا يحاربون يوم السبت، وعندما خشي أن يذهب النصر إذا توقف اليهود عن القتال، فدعى الله أن يحبس الشمس. واخْتـُلِفَ في حبس الشمس المذكور هنا, فقيل: ردت على أدراجها, وقيل: وقفت ولم ترد, وقيل: أبطئ بحركتها, وكل ذلك من معجزات النبوة .
صدر الأمر الإلهي لبني إسرائيل أن يدخلوا المدينة سجدا.. أي راكعين مطأطئي رءوسهم شاكرين لله عز وجل ما من به عليهم من الفتح. أمروا أن يقولوا حال دخولهم: (حِطَّةٌ).. بمعنى حط عنا خطايانا التي سلفت، وجنبنا الذي تقدم من آبائنا.
إلا أن بني إسرائيل خالف ما أمرت به قولا وفعلا.. فدخلوا الباب متعالين متكبرين، وبدلوا قولا غير الذي قيل لهم.. فأصابهم عذاب من الله بما ظلموا. كانت جريمة الآباء هي الذل، وأصبحت جريمة الأبناء الكبرياء والافتراء.
ولم تكن هذه الجريمة هي أول جرائم بني إسرائيل ولا آخر جرائمهم، فقد عذبوا رسلهم كثيرا بعد موسى، وتحولت التوراة بين أيديهم إلى قراطيس يبدون بعضها ويخفون كثيرا. حسبما تقتضي الأحوال وتدفع المصلحة المباشرة، وكان هذا الجحود هو المسؤول عما أصاب بني إسرائيل من عقوبات.
عاد بنو إسرائيل إلى ظلمهم لأنفسهم.. اعتقدوا أنهم شعب الله المختار، وتصوروا انطلاقا من هذا الاعتقاد أن من حقهم ارتكاب أي شيء وكل شيء.. وعظمت فيهم الأخطاء وتكاثرت الخطايا وامتدت الجرائم بعد كتابهم إلى أنبيائهم، فقتلوا من قتلوا من الأنبياء.
وسلط الله عليهم بعد رحمة الأنبياء قسوة الملوك الجبارين، يظلمونهم ويسفكون دمائهم، وسلط الله أعدائهم عليهم ومكن لهم من رقابهم وأموالهم.
وكان معهم تابوت الميثاق. وهو تابوت يضم بقية مما ترك موسى وهارون، ويقال إن هذا التابوت كان يضم ما بقي من ألواح التوراة التي أنزلت على موسى ونجت من يد الزمان. وكان لهذا التابوت بركة تمتد إلى حياتهم وحروبهم، فكان وجود التابوت بينهم في الحرب، يمدهم بالسكينة والثبات، ويدفعهم إلى النصر، فلما ظلموا أنفسهم ورفعت التوراة من قلوبهم لم يعد هناك معنى لبقاء نسختها معهم، وهكذا ضاع منهم تابوت العهد، وضاع في حرب من حروبهم التي هزموا فيها النبي داود عليه السلام
هو داود بن ايشا بن عويد بن عابر بن سلمون بن نحشون بن عويناذب بن ارم بن حصرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عبد الله ونبيه، وخليفته في أرض بيت المقدس.
نبذة:
آتاه الله العلم والحكمة وسخر له الجبال والطير يسبحن معه وألان له الحديد، كان عبدا خالصا لله شكورا يصوم يوما ويفطر يوما يقوم نصف الليل وينام ثلثه ويقوم سدسه وأنزل الله عليه الزبور وقد أوتي ملكا عظيما وأمره الله أن يحكم بالعدل.
سيرته:
حال بنو إسرائيل قبل داود:
قبل البدء بقصة داود عليه السلام، لنرى الأوضاع التي عاشها بنو إسرائل في تلك الفترة.
لقد انفصل الحكم عن الدين..فآخر نبي ملك كان يوشع بن نون.. أما من بعده فكانت الملوك تسوس بني إسرائيل وكانت الأنبياء تهديهم. وزاد طغيان بني إسرائيل، فكانوا يقتلون الأنبياء، نبيا تلو نبي، فسلط الله عليهم ملوكا منهم ظلمة جبارين، ألوهم وطغوا عليهم.
وتتالت الهزائم على بني إسرائيل، حتى انهم أضاعوا التابوت. وكان في التابوت بقية مما ترك آل موسى وهارون، فقيل أن فيها بقية من الألواح التي أنزلها الله على موسى، وعصاه، وأمورا آخرى. كان بنو إسرائيل يأخذون التابوت معهم في معاركهم لتحل عليهم السكينة ويحققوا النصر. فتشروا وساءت حالهم.
في هذه الظروف الصعبة، كانت هنالك امرأة حامل تدعو الله كثيرا أن يرزقها ولدا ذكرا. فولدت غلاما فسمته أشموئيل.. ومعناه بالعبرانية إسماعيل.. أي سمع الله دعائي.. فلما ترعرع بعثته إلى المسجد وأسلمته لرجل صالح ليتعلم منه الخير والعبادة. فكان عنده، فلما بلغ أشده، بينما هو ذات ليلة نائم: إذا صوت يأتيه من ناحية المسجد فانتبه مذعورا ظانا أن الشيخ يدعوه. فهرع أشموئيل إلى يسأله: أدعوتني..؟ فكره الشيخ أن يفزعه فقال: نعم.. نم.. فنام..
ثم ناداه الصوت مرة ثانية.. وثالثة. وانتبه إلى جبريل عليه السلام يدعوه: إن ربك بعثك إلى قومك.
اختيار طالوت ملكا:
ذهب بنو إسرائيل لنبيهم يوما.. سألوه: ألسنا مظلومين؟ قال: بلى.. قالوا: ألسنا مشردين؟ قال: بلى.. قالوا: ابعث لنا ملكا يجمعنا تحت رايته كي نقاتل في سبيل الله ونستعيد أرضنا ومجدنا. قال نبيهم وكان أعلم بهم: هل أنتم واثقون من القتال لو كتب عليكم القتال؟ قالوا: ولماذا لا نقاتل في سبيل الله، وقد طردنا من ديارنا، وتشرد أبناؤنا، وساء حالنا؟ قال نبيهم: إن الله اختار لكم طالوت ملكا عليكم. قالوا: كيف يكون ملكا علينا وهو ليس من أبناء الأسرة التي يخرج منها الملوك -أبناء يهوذا- كما أنه ليس غنيا وفينا من هو أغنى منه؟ قال نبيهم: إن الله اختاره، وفضله عليكم بعلمه وقوة جسمه. قالوا: ما هي آية ملكه؟ قال لهم نبيهم: يسرجع لكم التابوت تجمله الملائكة.
ووقعت هذه المعجزة.. وعادت إليهم التوراة يوما.. ثم تجهز جيش طالوت، وسار الجيش طويلا حتى أحس الجنود بالعطش.. قال الملك طالوت لجنوده: سنصادف نهرا في الطريق، فمن شرب منه فليخرج من الجيش، ومن لم يذقه وإنما بل ريقه فقط فليبق معي في الجيش..
وجاء النهر فشرب معظم الجنود، وخرجوا من الجيش، وكان طالوت قد أعد هذا الامتحان ليعرف من يطيعه من الجنود ومن يعصاه، وليعرف أيهم قوي الإرادة ويتحمل العطش، وأيهم ضعيف الإرادة ويستسلم بسرعة. لم يبق إلا ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلا، لكن جميعهم من الشجعان.
كان عدد أفراد جيش طالوت قليلا، وكان جيش العدو كبيرا وقويا.. فشعر بعض -هؤلاء الصفوة- أنهم أضعف من جالوت وجيشه وقالوا: كيف نهزم هذا الجيش الجبار..؟!
قال المؤمنون من جيش طالوت: النصر ليس بالعدة والعتاد، إنما النصر من عند الله.. (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ).. فثبّتوهم.
وبرز جالوت في دروعه الحديدية وسلاحه، وهو يطلب أحدا يبارزه.. وخاف منه جنود طالوت جميعا.. وهنا برز من جيش طالوت راعي غنم صغير هو داود.. كان داود مؤمنا بالله، وكان يعلم أن الإيمان بالله هو القوة الحقيقية في هذا الكون، وأن العبرة ليست بكثرة السلاح، ولا ضخامة الجسم ومظهر الباطل.
وكان الملك، قد قال: من يقتل جالوت يصير قائدا على الجيش ويتزوج ابنتي.. ولم يكن داود يهتم كثيرا لهذا الإغراء.. كان يريد أن يقتل جالوت لأن جالوت رجل جبار وظالم ولا يؤمن بالله.. وسمح الملك لداود أن يبارز جالوت..
وتقدم داود بعصاه وخمسة أحجار ومقلاعه (وهو نبلة يستخدمها الرعاة).. تقدم جالوت المدجج بالسلاح والدروع.. وسخر جالوت من داود وأهانه وضحك منه، ووضع داود حجرا قويا في مقلاعه وطوح به في الهواء وأطلق الحجر. فأصاب جالوت فقتله. وبدأت المعركة وانتصر جيش طالوت على جيش جالوت.
جمع الله الملك والنبوة لداود:
بعد فترة أصبح داود -عليه السلم- ملكا لبني إسرائيل، فجمع الله على يديه النبوة والملك مرة أخرى.
وتأتي بعض الروايات لتخبرنا بأن طالوت بعد أن اشتهر نجم داوود أكلت الغيرة قلبه، وحاول قتله، وتستمر الروايات في نسج مثل هذه الأمور. لكننا لا نود الخوض فيها فليس لدينا دليل قوي عليها. ما يهمنا هو انتقال الملك بعد فترة من الزمن إلى داود.
لقد أكرم الله نبيه الكريم بعدة معجزات. لقد أنزل عليه الزبور (وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا)، وآتاه جمال الصوت، فكان عندما يسبّح، تسبح الجبال والطيور معه، والناس ينظرون. وألان الله في يديه الحديد، حتى قيل أنه كان يتعامل مع الحديد كما كان الناس يتعاملون مع الطين والشمع، وقد تكون هذه الإلانة بمعنى أنه أول من عرف أن الحديد ينصهر بالحرارة. فكان يصنع منه الدروع.
كانت الدروع الحديدية التي يصنعها صناع الدروع ثقيلة ولا تجعل المحارب حرا يستطيع أن يتحرك كما يشاء أو يقاتل كما يريد. فقام داوود بصناعة نوعية جديدة من الدروع. درع يتكون من حلقات حديدية تسمح للمحارب بحرية الحركة، وتحمي جسده من السيوف والفئوس والخناجر.. أفضل من الدروع الموجودة أيامها..
وشد الله ملك داود، جعله الله منصورا على أعدائه دائما.. وجعل ملكه قويا عظيما يخيف الأعداء حتى بغير حرب، وزاد الله من نعمه على داود فأعطاه الحكمة وفصل الخطاب، أعطاه الله مع النبوة والملك حكمة وقدرة على تمييز الحق من الباطل ومعرفة الحق ومساندته.. فأصبح نبيا ملكا قاضيا.
القضايا التي عرضت على داود:
يروي لنا القرآن الكريم بعضا من القضايا التي وردت على داود -عليه السلام.
فلقد جلس داود كعادته يوما يحكم بين الناس في مشكلاتهم.. وجاءه رجل صاحب حقل ومعه رجل آخر..
وقال له صاحب الحقل: سيدي النبي.. إن غنم هذا الرجل نزلت حقلي أثناء الليل، وأكلت كل عناقيد العنب التي كانت فيه.. وقد جئت إليك لتحكم لي بالتعويض..
قال داود لصاحب الغنم: هل صحيح أن غنمك أكلت حقل هذا الرجل؟
قال صاحب الغنم: نعم يا سيدي..
قال داود: لقد حكمت بأن تعطيه غنمك بدلا من الحقل الذي أكلته.
قال سليمان.. وكان الله قد علمه حكمة تضاف إلى ما ورث من والده: عندي حكم آخر يا أبي..
قال داود: قله يا سليمان..
قال سليمان: أحكم بأن يأخذ صاحب الغنم حقل هذا الرجل الذي أكلته الغنم.. ويصلحه له ويزرعه حتى تنمو أشجار العنب، وأحكم لصاحب الحقل أن يأخذ الغنم ليستفيد من صوفها ولبنها ويأكل منه، فإذا كبرت عناقيد الغنم وعاد الحقل سليما كما كان أخذ صاحب الحقل حقله وأعطى صاحب الغنم غنمه..
قال داود: هذا حكم عظيم يا سليمان.. الحمد لله الذي وهبك الحكمة..
فتنة داود:
وكان داود رغم قربه من الله وحب الله له، يتعلم دائما من الله، وقد علمه الله يوما ألا يحكم أبدا إلا إذا استمع لأقوال الطرفين المتخاصمين.. فيذكر لنا المولى في كتابه الكريم قضية أخرى عرضت على داود عليه السلام.
جلس داود يوما في محرابه الذي يصلي لله ويتعبد فيه، وكان إذا دخل حجرته أمر حراسه ألا يسمحوا لأحد بالدخول عليه أو إزعاجه وهو يصلي.. ثم فوجئ يوما في محرابه بأنه أمام اثنين من الرجال.. وخاف منهما داود لأنهما دخلا رغم أنه أمر ألا يدخل عليه أحد. سألهما داود: من أنتما؟
قال أحد الرجلين: لا تخف يا سيدي.. بيني وبين هذا الرجل خصومة وقد جئناك لتحكم بيننا بالحق.
سأل داود: ما هي القضية؟ قال الرجل الأول: (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ). وقد أخذها مني. قال أعطها لي وأخذها مني..
وقال داود بغير أن يسمع رأي الطرف الآخر وحجته: (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ).. وإن كثيرا من الشركاء يظلم بعضهم بعضا إلا الذين آمنوا..
وفوجئ داود باختفاء الرجلين من أمامه.. اختفى الرجلان كما لو كانا سحابة تبخرت في الجو وأدرك داود أن الرجلين ملكان أرسلهما الله إليه ليعلماه درسا.. فلا يحكم بين المتخاصمين من الناس إلا إذا سمع أقوالهم جميعا، فربما كان صاحب التسع والتسعين نعجة معه الحق.. وخر داود راكعا، وسجد لله، واستغفر ربه..
وفاته عليه السلام:
عاد داود يعبد الله ويسبحه حتى مات… كان داود يصوم يوما ويفطر يوما.. قال رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم عن داود: "أفضل الصيام صيام داود. كان يصوم يوما ويفطر يوما. وكان يقرأ الزبور بسبعين صوتا، وكانت له ركعة من الليل يبكي فيها نفسه ويبكي ببكائه كل شيء ويشفي بصوته المهموم والمحموم"..
جاء في الحديث الصحيح أن داود عليه السلام كان شديد الغيرة على نساءه، فكانت نساءه في قصر، وحول القصر أسوار، حتى لا يقترب أحد من نساءه. وفي أحد الأيام رأى النسوة رجلا في صحن القصر، فقالوا: من هذا والله لن رآه داود ليبطشنّ به. فبلغ الخبر داود -عليه السلام- فقال للرجل: من أنت؟ وكيف دخلت؟ قال: أنا من لا يقف أمامه حاجز. قال: أنت ملك الموت. فأذن له فأخذ ملك الموت روحه.
مات داود عليه السلام وعمره مئة سنة. وشيع جنازته عشرات الآلاف، فكان محبوبا جدا بين الناس، حتى قيل لم يمت في بني إسرائيل بعد موسى وهارون أحد كان بنو إسرائيل أشد جزعا عليه.. منهم على داود.. وآذت الشمس الناس فدعا سليمان الطير قال: أظلي على داود. فأظلته حتى أظلمت عليه الأرض. وسكنت الريح. وقال سليمان للطير: أظلي الناس من ناحية الشمس وتنحي من ناحية الريح. وأطاعت الطير. فكان ذلك أول ما رآه الناس من ملك سليمان
ايوب المبتلى من سلالة سيدنا إبراهيم كان من النبيين الموحى إليهم، كان أيوب ذا مال وأولاد كثيرين ولكن الله ابتلاه في هذا كله فزال عنه، وابتلي في جسده بأنواع البلاء واستمر مرضه 13 أو 18 عاما اعتزله فيها الناس إلا امرأته صبرت و عملت لكي توفر قوت يومهما حتى عافاه الله من مرضه وأخلفه في كل ما ابتلي فيه، ولذلك يضرب المثل بأيوب في صبره وفي بلائه، روي أن الله يحتج يوم القيامة بأيوب عليه السلام على أهل البلاء.
سيرته:
ضربت الأمثال في صبر هذا النبي العظيم. فكلما ابتلي إنسانا ابتلاء عظيما أوصوه بأن يصبر كصبر أيوب عليه السلام.. وقد أثنى الله تبارك وتعالى على عبده أيوب في محكم كتابه (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) والأوبة هي العودة إلى الله تعالى.. وقد كان أيوب دائم العودة إلى الله بالذكر والشكر والصبر. وكان صبره سبب نجاته وسر ثناء الله عليه. والقرآن يسكت عن نوع مرضه فلا يحدده.. وقد نسجت الأساطير عديدا من الحكايات حول مرضه..
مرض أيوب
كثرت الروايات والأساطير التي نسجت حول مرض أيوب، ودخلت الإسرائيليات في كثير من هذه الروايات. ونذكر هنا أشهرها:
أن أيوب عليه السلام كان ذا مال وولد كثير، ففقد ماله وولده، وابتلي في جسده، فلبث في بلائه ثلاث عشرة سنة, فرفضه القريب والبعيد إلا زوجته ورجلين من إخوانه. وكانت زوجته تخدم الناس بالأجر، لتحضر لأيوب الطعام. ثم إن الناس توقفوا عن استخدامها،لعلمهم أنها امرأة أيوب، خوفاً أن ينالهم من بلائه، أو تعديهم بمخالطته. فلما لم تجد أحداً يستخدمها باعت لبعض بنات الأشراف إحدى ضفيرتيها بطعام طيب كثير، فأتت به أيوب، فقال: من أين لك هذا؟ وأنكره، فقالت: خدمت به أناساً، فلما كان الغد لم تجد أحداً، فباعت الضفيرة الأخرى بطعام فأتته به فأنكره أيضاً، وحلف لا يأكله حتى تخبره من أين لها هذا الطعام؟ فكشفت عن رأسها خمارها، فلما رأى رأسها محلوقاً، قال في دعائه: (رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين). وحلف أن يضربها مئة سوط إذا شفى. وقيل أن امرأة أيوب أخبرته أنها لقيت طبيبا في الطريق عرض أن يداوي أيوب إذا رضي أن يقول أنت شفيتي بعد علاجه، فعرف أيوب أن هذا الطبيب هو إبليس، فغضب وحلف أن يضربها مئة ضربة.
أما ما كان من أمر صاحبي أيوب، فقد كانا يغدوان إليه ويروحان, فقال أحدهما للآخر: لقد أذنب أيوب ذنبا عظيما وإلا لكشف عنه هذا البلاء, فذكره الآخر لأيوب, فحزن ودعا الله. ثم خرج لحاجته وأمسكت امرأته بيده فلما فرغ أبطأت عليه, فأوحى الله إليه أن اركض برجلك, فضرب برجله الأرض فنبعت عين فاغتسل منها فرجع صحيحا, فجاءت امرأته فلم تعرفه, فسألته عن أيوب فقال: إني أنا هو, وكان له أندران: أحدهما: للقمح والآخر: للشعير, فبعث الله له سحابة فأفرغت في أندر القمح الذهب حتى فاض, وفي أندر الشعير الفضة حتى فاض.
وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله لعيه وسلم قال: "بينما أيوب يغتسل عريانا خر عليه رجل جراد من ذهب فجعل يحثي في ثوبه فناداه ربه يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى قال بلى يا رب ولكن لا غنى لي عن بركتك" (رجل جراد أي جماعة جراد). فلما عوفي أمره الله أن يأخذ عرجونا فيه مائة شمراخ (عود دقيق) فيضربها ضربة واحدة لكي لا يحنث في قسمه وبذلك يكون قد بر في قسمه. ثم جزى الله -عز وجل- أيوب -عليه السلام- على صبره بأن آتاه أهله (فقيل: أحيى الله أبناءه. وقيل: آجره فيمن سلف وعوضه عنهم في الدنيا بدلهم، وجمع له شمله بكلهم في الدار الآخرة) وذكر بعض العلماء أن الله رد على امرأته شبابها حتى ولدت له ستة وعشرين ولدا ذكرا. هذه أشهر رواية عن فتنة أيوب وصبره.. ولم يذكر فيها أي شيء عن تساقط لحمه، وأنه لم يبقى منه إلا العظم والعصب. فإننا نستبعد أن يكون مرضه منفرا أو مشوها كما تقول أساطير القدماء.. نستبعد ذلك لتنافيه مع منصب النبوة..
ويجدر التنبيه بأن دعاء أيوب ربه (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ). قد يكون القصد منه شكوى أيوب -عليه السلام- لربه جرأة الشيطان عليه وتصوره أنه يستطيع أن يغويه. ولا يعتقد أيوب أن ما به من مرض قد جاء بسبب الشيطان. هذا هو الفهم الذي يليق بعصمة الأنبياء وكمالهم.
وروى الطبري أن مدة عمره كانت ثلاثا وتسعين سنة فعلى هذا فيكون عاش بعد أن عوفي عشر سنين , والله أعلم. وأنه أوصى إلى ولده حومل، وقام بالأمر بعده ولده بشر بن أيوب، وهو الذي يزعم كثير من الناس أنه ذو الكفل فالله أعلم. الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
| |
|
| |
اْستاذ صادق الرتبة
الدولة : الجنس : تاريخ التسجيل : 15/03/2011 عدد المساهمات : 10473 المهنة :
| موضوع: رد: قصص الاْنبياء من ادم عليه السلام الى خاتم النبئين و المرسلين محمد (ص)عليه افضل الصلاة و التسليم الأربعاء سبتمبر 21, 2011 7:09 am | |
| قصه سيدنا سليمان عليه السلام
نبذة:
آتاه الله العلم والحكمة وعلمه منطق الطير والحيوانات وسخر له الرياح والجن، وكان له قصة مع الهدهد حيث أخبره أن هناك مملكة باليمن يعبد أهلها الشمس من دون الله فبعث سليمان إلى ملكة سبأ يطلب منها الإيمان ولكنها أرسلت له الهدايا فطلب من الجن أن يأتوا بعرشها فلما جاءت ووجدت عرشها آمنت بالله.
سيرته:
(وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ) ورثه في النبوة والملك.. ليس المقصود وراثته في المال، لأن الأنبياء لا يورثون. إنما تكون أموالهم صدقة من بعدهم للفقراء والمحتاجين
ملك سليمان:
لقد آتى الله سليمان –عليه السلام- ملكا عظيما، لم يؤته أحدا من قبله، ولن يعطه لأحد من بعده إلى يوم القيامة. فقد استجاب الله تعالى لدعوة سليمان (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي).
ومن نعم الله عليه، إسالة النحاس له. مثلما أنعم على والده داود بأن ألان له الحديد وعلمه كيف يصهره.. وقد استفاد سليمان من النحاس المذاب فائدة عظيمة في الحرب والسلم.
ونختم هذه النعم بجيش سليمان عليه السلام. كان جيشه مكون من: البشر، والجن، والطيور. فكان يعرف لغتها.
سليمان والخيل:
بعد عرض أنعم الله عليه، لنبدأ بقصته عليه السلام. وبعض أحداثها.
كان سليمان –عليه السلام- يحب الخيل كثيرا، خصوصا ما يسمى (بالصافنات)، وهي من أجود أنواع الخيول وأسرعها. وفي يوم من الأيام، بدأ استعراض هذه الخيول أمام سليمان عصرا، وتذكر بعد الروايات أن عددها كان أكثر من عشرين ألف جواد، فأخذ ينظر إليها ويتأمل فيها، فطال الاستعراض، فشغله عن ورده اليومي في ذكر الله تعالى، حتى غابت الشمس، فانتبه، وأنب نفسه لأن حبه لهذه الخيول شغله عن ذكر ربه حتى غابت الشمس، فأمر بإرجاع الخيول له (فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ). وجاءت هنا روايتان كلاهما قوي. رواية تقول أنه أخذ السيف وبدأ بضربها على رقابها وأرجلها، حتى لا ينشغل بها عن ذكر الله. ورواية أخرى تقول أنه كان يمسح عليها ويستغفر الله عز وجل، فكان يمسحها ليرى السقيم منها من الصحيح لأنه كان يعدّها للجهاد في سبيل الله.
ابتلاء سليمان:
ورغم كل هذه النعم العظيمة والمنح الخاصة، فقد فتن الله تعالى سليمان.. اختبره وامتحنه، والفتنة امتحان دائم، وكلما كان العبد عظيما كان امتحانه عظيما.
اختلف المفسرون في فتنة سليمان عليه السلام. ولعل أشهر رواية عن هذه الفتنة مما ذكره الفخر الرازي.
قال: إن سليمان ابتلي بمرض شديد حار فيه الطب. مرض سليمان مرضا شديدا حار فيه أطباء الإنس والجن.. وأحضرت له الطيور أعشابا طبية من أطراف الأرض فلم يشف، وكل يوم كان المرض يزيد عليه حتى أصبح سليمان إذا جلس على كرسيه كأنه جسد بلا روح.. كأنه ميت من كثرة الإعياء والمرض.. واستمر هذا المرض فترة كان سليمان فيها لا يتوقف عن ذكر الله وطلب الشفاء منه واستغفاره وحبه.. وانتهى امتحان الله تعالى لعبده سليمان، وشفي سليمان.. عادت إليه صحته بعد أن عرف أن كل مجده وكل ملكه وكل عظمته لا تستطيع أن تحمل إليه الشفاء إلا إذا أراد الله سبحانه.. هذا هو الرأي الذي نرتاح إليه، ونراه لائقا بعصمة نبي حكيم وكريم كسليمان..
ويذكر لنا القرآن الكريم مواقف عدة، تتجلى لنا فيها حكمة سليمان –عليه السلام- ومقدرته الفائقة على استنتاج الحكم الصحيح في القضايا المعروضه عليه. ومن هذه القصص ما حدث في زمن داود –عليه السلام- قال تعالى:
وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا جلس داود كعادته يوما يحكم بين الناس في مشكلاتهم.. وجاءه رجل صاحب حقل ومعه رجل آخر..
وقال له صاحب الحقل: سيدي النبي.. إن غنم هذا الرجل نزلت حقلي أثناء الليل، وأكلت كل عناقيد العنب التي كانت فيه.. وقد جئت إليك لتحكم لي بالتعويض..
قال داود لصاحب الغنم: هل صحيح أن غنمك أكلت حقل هذا الرجل؟
قال صاحب الغنم: نعم يا سيدي..
قال داود: لقد حكمت بأن تعطيه غنمك بدلا من الحقل الذي أكلته.
قال سليمان.. وكان الله قد علمه حكمة تضاف إلى ما ورث من والده: عندي حكم آخر يا أبي..
قال داود: قله يا سليمان..
قال سليمان: أحكم بأن يأخذ صاحب الغنم حقل هذا الرجل الذي أكلته الغنم.. ويصلحه له ويزرعه حتى تنمو أشجار العنب، وأحكم لصاحب الحقل أن يأخذ الغنم ليستفيد من صوفها ولبنها ويأكل منه، فإذا كبرت عناقيد الغنم وعاد الحقل سليما كما كان أخذ صاحب الحقل حقله وأعطى صاحب الغنم غنمه..
قال داود: هذا حكم عظيم يا سليمان.. الحمد لله الذي وهبك الحكمة.
سليمان والنملة:
ويذكر لنا القرآن الكريم قصة عجيبة:
وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَـتَّى إِذا أتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) (النمل)
يقول العلماء "ما أعقلها من نملة وما أفصحها". (يَا) نادت، (أَيُّهَا) نبّهت، (ادْخُلُوا) أمرت، (لَا يَحْطِمَنَّكُمْ) نهت، (سُلَيْمَانُ) خصّت، (وَجُنُودُهُ) عمّت، (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) اعتذرت. سمع سليمان كلام النملة فتبسم ضاحكا من قولها.. ما الذي تتصوره هذه النملة! رغم كل عظمته وجيشه فإنه رحيم بالنمل.. يسمع همسه وينظر دائما أمامه ولا يمكن أبدا أن يدوسه.. وكان سليمان يشكر الله أن منحه هذه النعمة.. نعمة الرحمة ونعمة الحنو والشفقة والرفق.
سليمان عليه السلام وبلقيس ملكة سبأ:
ولعل أشهر قصة عن سليمان –عليه السلام- هي قصته مع بلقيس ملكة سبأ.
جاء يوم.. وأصدر سليمان أمره لجيشه أن يستعد.. بعدها، خرج سليمان يتفقد الجيش، ويستعرضه ويفتش عليه.. فاكتشف غياب الهدهد وتخلفه عن الوقوف مع الجيش، فغضب وقرر تعذيبه أو قتله، إلا إن كان لديه عذر قوي منعه من القدوم.
فجاء الهدهد ووقف على مسافة غير بعيدة عن سليمان –عليه السلام- (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) وانظروا كيف يخاطب هذا الهدهد أعظم ملك في الأرض، بلا إحساس بالذل أو المهانة، ليس كما يفعل ملوك اليوم لا يتكلم معهم أحد إلا ويجب أن تكون علامات الذل ظاهرة عليه. فقال الهدهد أن أعلم منك بقضية معينة، فجئت بأخبار أكيدة من مدينة سبأ باليمن. (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً) بلقيس (تَمْلِكُهُمْ) تحكمهم (وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ) أعطاها الله قوة وملكا عظيمين وسخّر لها أشياء كثيرة (وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) وكرسي الحكم ضخم جدا ومرصّع بالجواهر (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ) وهم يعبدون الشمس (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ) أضلهم الشيطان (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ) يسجدون للشمس ويتركون الله سبحانه وتعالى (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) وذكر العرش هنا لأنه ذكر عرش بلقيس من قبل، فحتى لا يغترّ إنسان بعرشها ذكر عرش الله سبحانه وتعالى.
فتعجب سليمان من كلام الهدهد، فلم يكن شائعا أن تحكم المرأة البلاد، وتعجب من أن قوما لديهم كل شيء ويسجدون للشمس، وتعجب من عرشها العظيم، فلم يصدق الهدهد ولم يكذبه إنما (قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) وهذا منتهى العدل والحكمة. ثم كتب كتابا وأعطاه للهدهد وقال له: (اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ) ألق الكتاب عليهم وقف في مكان بعيد يحث تستطيع سماع ردهم على الكتاب.
يختصر السياق القرآني في سورة النمل ما كان من أمر ذهاب الهدهد وتسليمه الرسالة، وينتقل مباشرة إلى الملكة، وسط مجلس المستشارين، وهي تقرأ على رؤساء قومها ووزرائها رسالة سليمان..
قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) (النمل)
هذا هو نص خطاب الملك سليمان لملكة سبأ..
إنه يأمر في خطابه أن يأتوه مسلمين.. هكذا مباشرة.. إنه يتجاوز أمر عبادتهم للشمس.. ولا يناقشهم في فساد عقيدتهم.. ولا يحاول إقناعهم بشيء.. إنما يأمر فحسب.. أليس مؤيدا بقوة تسند الحق الذي يؤمن به..؟ لا عليه إذن أن يأمرهم بالتسليم..
كان هذا كله واضحا من لهجة الخطاب القصيرة المتعالية المهذبة في نفس الوقت..
طرحت الملكة على رؤساء قومها الرسالة.. وكانت عاقلة تشاورهم في جميع الأمور: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ).
كان رد فعل الملأ وهم رؤساء قومها التحدي.. أثارت الرسالة بلهجتها المتعالية المهذبة غرور القوم، وإحساسهم بالقوة. أدركوا أن هناك من يتحداهم ويلوح لهم بالحرب والهزيمة ويطالبهم بقبول شروطه قبل وقوع الحرب والهزيمة (قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ).
أراد رؤساء قومها أن يقولوا: نحن على استعداد للحرب.. ويبدو أن الملكة كانت أكثر حكمة من رؤساء قومها.. فإن رسالة سليمان أثارت تفكيرها أكثر مما استنفرتها للحرب..
فكرت الملكة طويلا في رسالة سليمان.. كان اسمه مجهولا لديها، لم تسمع به من قبل، وبالتالي كانت تجهل كل شيء عن قوته، ربما يكون قويا إلى الحد الذي يستطيع فيه غزو مملكتها وهزيمتها.
ونظرت الملكة حولها فرأت تقدم شعبها وثراءه، وخشيت على هذا الثراء والتقدم من الغزو.. ورجحت الحكمة في نفسها على التهور، وقررت أن تلجأ إلى اللين، وترسل إليه بهدية.. وقدرت في نفسها أنه ربما يكون طامعا قد سمع عن ثراء المملكة، فحدثت نفسها بأن تهادنه وتشتري السلام منه بهدية.. قدرت في نفسها أيضا إن إرسالها بهدية إليه، سيمكن رسلها الذين يحملون الهدية من دخول مملكته، وإذا سيكون رسلها عيونا في مملكته.. يرجعون بأخبار قومه وجيشه، وفي ضوء هذه المعلومات، سيكون تقدير موقفها الحقيقي منه ممكنا..
أخفت الملكة ما يدور في نفسها، وحدثت رؤساء قومها بأنها ترى استكشاف نيات الملك سليمان، عن طريق إرسال هدية إليه، انتصرت الملكة للرأي الذي يقضي بالانتظار والترقب.. وأقنعت رؤساء قومها بنبذ فكرة الحرب مؤقتا، لأن الملوك إذا دخلوا قرية انقلبت أوضاعها وصار رؤساءها هم أكثر من فيها تعرضا للهوان والذل..
واقتنع رؤساء قومها حين لوحت الملكة بما يتهددهم من أخطار..
وصلت هدية الملكة بلقيس إلى الملك النبي سليمان..
جاءت الأخبار لسليمان بوصول رسل بلقيس وهم يحملون الهدية.. وأدرك سليمان على الفور أن الملكة أرسلت رجالها ليعرفوا معلومات عن قوته لتقرر موقفها بشأنه.. ونادى سليمان في المملكة كلها أن يحتشد الجيش.. ودخل رسل بلقيس وسط غابة كثيفة مدججة بالسلاح.. فوجئ رسل بلقيس بأن كل غناهم وثرائهم يبدو وسط بهاء مملكة سليمان.. وصغرت هديتهم في أعينهم.
وفوجئوا بأن في الجيش أسودا ونمورا وطيورا.. وأدركوا أنهم أمام جيش لا يقاوم..
ثم قدموا لسليمان هدية الملكة بلقيس على استحياء شديد. وقالوا له نحن نرفض الخضوع لك، لكننا لا نريد القتال، وهذه الهدية علامة صلح بيننا ونتمنى أن تقبلها. نظر سليمان إلى هدية الملكة وأشاح ببصره (فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ) كشف الملك سليمان بكلماته القصيرة عن رفضه لهديتهم، وأفهمهم أنه لا يقبل شراء رضاه بالمال. يستطيعون شراء رضاه بشيء آخر (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) ثم هددهم (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ). وصل رسل بلقيس إلى سبأ.. وهناك هرعوا إلى الملكة وحدثوها أن بلادهم في خطر.. حدثوها عن قوة سليمان واستحالة صد جيشه.. أفهموها أنها ينبغي أن تزوره وتترضاه.. وجهزت الملكة نفسها وبدأت رحلتها نحو مملكة سليمان..
جلس سليمان في مجلس الملك وسط رؤساء قومه ووزرائه وقادة جنده وعلمائه.. كان يفكر في بلقيس.. يعرف أنها في الطريق إليه.. تسوقها الرهبة لا الرغبة.. ويدفعها الخوف لا الاقتناع.. ويقرر سليمان بينه وبين نفسه أن يبهرها بقوته، فيدفعها ذلك للدخول في الإسلام. فسأل من حوله، إن كان بإمكان احدهم ان يحضر له عرش بلقيس قبل أن تصل الملكة لسليمان.
فعرش الملكة بلقيس هو أعجب ما في مملكتها.. كان مصنوعا من الذهب والجواهر الكريمة، وكانت حجرة العرش وكرسي العرش آيتين في الصناعة والسبك.. وكانت الحراسة لا تغفل عن العرش لحظة..
فقال أحد الجن أنا أستطيع إحضار العرش قبل أن ينتهي المجلس –وكان عليه السلام يجلس من الفجر إلى الظهر- وأنا قادر على حمله وأمين على جواهره.
لكن شخص آخر يطلق عليه القرآن الكريم "الذي عنده علم الكتاب" قال لسليمان أنا أستطيع إحضار العرش في الوقت الذي تستغرقه العين في الرمشة الواحدة.
واختلف العلماء في "الذي عنده علم الكتاب" فمنهم من قال أنه وزيره أو أحد علماء بني إسرائيل وكان يعرف اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب. ومنهم من قال أنه جبريل عليه السلام.
لكن السياق القرآني ترك الاسم وحقيقة الكتاب غارقين في غموض كثيف مقصود.. نحن أمام سر معجزة كبرى وقعت من واحد كان يجلس في مجلس سليمان.. والأصل أن الله يظهر معجزاته فحسب، أما سر وقوع هذه المعجزات فلا يديره إلا الله.. وهكذا يورد السياق القرآني القصة لإيضاح قدرة سليمان الخارقة، وهي قدرة يؤكدها وجود هذا العالم في مجلسه.
هذا هو العرش ماثل أمام سليمان.. تأمل تصرف سليمان بعد هذه المعجزة.. لم يستخفه الفرح بقدرته، ولم يزهه الشعور بقوته، وإنما أرجع الفضل لمالك الملك.. وشكر الله الذي يمتحنه بهذه القدرة، ليرى أيشكر أم يكفر.
تأمل سليمان عرش الملكة طويلا ثم أمر بتغييره، أمر بإجراء بعض التعديلات عليه، ليمتحن بلقيس حين تأتي، ويرى هل تهتدي إلى عرشها أم تكون من الذين لا يهتدون.
كما أمر سليمان ببناء قصر يستقبل فيه بلقيس. واختار مكانا رائعا على البحر وأمر ببناء القصر بحيث يقع معظمه على مياه البحر، وأمر أن تصنع أرضية القصر من زجاج شديد الصلابة، وعظيم الشفافية في نفس الوقت، لكي يسير السائر في أرض القصر ويتأمل تحته الأسماك الملونة وهي تسبح، ويرى أعشاب البحر وهي تتحرك.
تم بناء القصر، ومن فرط نقاء الزجاج الذي صنعت منه أرض حجراته، لم يكن يبدو أن هناك زجاجا. تلاشت أرضية القصر في البحر وصارت ستارا زجاجيا خفيا فوقه.
يتجاوز السياق القرآني استقبال سليمان لها إلى موقفين وقعا لها بتدبيره: الأول موقفها أمام عرشها الذي سبقها بالمجيء، وقد تركته وراءها وعليه الحراس. والثاني موقفها أمام أرضية القصر البلورية الشفافة التي تسبح تحتها الأسماك.
لما اصطحب سليمان عليه السلام بلقيس إلى العرش، نظرت إليه فرأته كعرشها تماما.. وليس كعرشها تماما.. إذا كان عرشها فكيف سبقها في المجيء..؟ وإذا لم يكن عرشها فكيف أمكن تقليده بهذه الدقة ..؟
قال سليمان وهو يراها تتأمل العرش: (أَهَكَذَا عَرْشُكِ؟)
قالت بلقيس بعد حيرة قصيرة: (كَأَنَّهُ هُوَ!)
قال سليمان: (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ).
توحي عبارته الأخيرة إلى الملكة بلقيس أن تقارن بين عقيدتها وعلمها، وعقيدة سليمان المسلمة وحكمته. إن عبادتها للشمس، ومبلغ العلم الذي هم عليه، يصابان بالخسوف الكلي أمام علم سليمان وإسلامه.
لقد سبقها سليمان إلى العلم بالإسلام، بعدها صار من السهل عليه أن يسبقها في العلوم الأخرى، هذا ما توحي به كلمة سليمان لبلقيس..
أدركت بلقيس أن هذا هو عرشها، لقد سبقها إلى المجيء، وأنكرت فيه أجزاء وهي لم تزل تقطع الطريق لسليمان.. أي قدرة يملكها هذا النبي الملك سليمان؟!
انبهرت بلقيس بما شاهدته من إيمان سليمان وصلاته لله، مثلما انبهرت بما رأته من تقدمه في الصناعات والفنون والعلوم.. وأدهشها أكثر هذا الاتصال العميق بين إسلام سليمان وعلمه وحكمته.
انتهى الأمر واهتزت داخل عقلها آلاف الأشياء.. رأت عقيدة قومها تتهاوى هنا أمام سليمان، وأدركت أن الشمس التي يعبدها قومها ليست غير مخلوق خلقه الله تعالى وسخره لعباده، وانكسفت الشمس للمرة الأولى في قلبها، أضاء القلب نور جديد لا يغرب مثلما تغرب الشمس.
ثم قيل لبلقيس ادخلي القصر.. فلما نظرت لم تر الزجاج، ورأت المياه، وحسبت أنها ستخوض البحر، (وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا) حتى لا يبتل رداؤها.
نبهها سليمان -دون أن ينظر- ألا تخاف على ثيابها من البلل. ليست هناك مياه. (إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ).. إنه زجاج ناعم لا يظهر من فرط نعومته..
اختارت بلقيس هذه اللحظة لإعلان إسلامها.. اعترفت بظلمها لنفسها وأسلمت (مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). وتبعها قومها على الإسلام.
أدركت أنها تواجه أعظم ملوك الأرض، وأحد أنبياء الله الكرام.
يسكت السياق القرآني عن قصة بلقيس بعد إسلامها..
هيكل سليمان:
من الأعمال التي قام بها سليمان –عليه السلام- إعادة بناء المسجد الأقصى الذي بناه يعقوب من قبل. وبنى بجانب المسجد الأقصى هيكلا عظيما كان مقدسا عند اليهود –ولا زالوا يبحثون عنه إلى اليوم. وقد ورد في الهدي النبوي الكريم أن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل ربه عز وجل ثلاثا، فأعطاه الله اثنتين ونحن نرجو أن تكون لنا الثالثة: سأله حكما يصادف حكمه –أي أحكاما عادلة كأحكام الله تعالى- فأعطاه إياه، وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه، وسأله أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه، وأسأل الله أن تكون لنا.
وقد ذكرت التوراة في وصف الهيكل.. وهذا بعض ما ورد في التوراة عنه:
كان هيكل سليمان في أورشليم هو مركز العبادة اليهودية، ورمز تاريخ اليهود، وموضع فخارهم وزهوهم.. وقد شيده الملك سليمان وأنفق ببذخ عظيم على بنائه وزخرفته.. حتى لقد احتاج في ذلك إلى أكثر من 180 ألف عامل (سفر الملوك الأول).. وقد أتى له سليمان بالذهب من ترشيش، وبالخشب من لبنان، وبالأحجار الكريمة من اليمن، ثم بعد سبع سنوات من العمل المتواصل تكامل بناء الهيكل، فكان آية من آيات الدنيا في ذلك الزمان.
وامتدت يد الخراب إلى الهيكل مرات عديدة، إذ كان هدفا دائما للغزاة والطامعين ينهبون ما به من كنوز، ثم يشيعون فيه الدمار، (سفر الملوك الثاني).. ثم قام أحد الملوك بتجديد بنائه تحببا في اليهود.. فاستغرق بناء الهيكل هذه المرة 46 سنة، أصبح بعدها صرحا ضخما تحيط به ثلاثة أسوار هائلة.. وكان مكونا من ساحتين كبيرتين: إحداهما خارجية والأخرى داخلية، وكانت تحيط بالساحة الداخلية أروقة شامخة تقوم على أعمدة مزدوجة من الرخام، وتغطيها سقوف من خشب الأرز الثمين. وكانت الأروقة القائمة في الجهة الجنوبية من الهيكل ترتكز على 162 عمودا، كل منها من الضخامة بحيث لا يمكن لأقل من ثلاثة رجال متشابكي الأذرع أن يحيطوا بدائرته.. وكان للساحة الخارجية من الهيكل تسع بوابات ضخمة مغطاة بالذهب.. وبوابة عاشرة مصبوبة كلها على الرغم من حجمها الهائل من نحاس كونثوس. وقد تدلت فوق تلك البوابات كلها زخارف على شكل عناقيد العنب الكبيرة المصنوعة من الذهب الخالص، وقد استمرت هدايا الملوك للهيكل حتى آخر زمانه (سفر الملوك الأول)، فكان يزخر بالكنوز التي لا تقدر بثمن..
وفاته عليه السلام:
عاش سليمان وسط مجد دانت له فيه الأرض.. ثم قدر الله تعالى عليه الموت فمات.. ومثلما كانت حياة سليمان قمة في المجد الذي يمتلئ بالعجائب والخوارق.. كان موته آية من آيات الله تمتلئ بالعجائب والخوارق.. وهكذا جاء موته منسجما مع حياته، متسقا مع مجده، جاء نهاية فريدة لحياة فريدة وحافلة.
لقد قدر الله تعالى أن يكون موت سليمان عليه الصلاة والسلام بشكل ينسف فكرة معرفة الجن للغيب.. تلك الفكرة التي فتن الناس بها فاستقرت في أذهان بعض البشر والجن..
كان الجن يعملون لسليمان طالما هو حي.. فلما مات انكسر تسخيرهم له، وأعفوا من تبعة العمل معه..
وقد مات سليمان دون أن يعلم الجن، فظلوا يعملون له، وظلوا مسخرين لخدمته، ولو أنهم كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين.
كان سليمان متكئا على عصاه يراقب الجن وهم يعملون. فمات وهو على وضعه متكئا على العصا.. ورآه الجن فظنوا أنه يصلي واستمروا في عملهم. ومرت أيام طويلة.. ثم جاءت دابة الأرض، وهي دابه تأكل الخشب.. وبدأت تأكل عصا سليمان.. كانت جائعة فأكلت جزء من العصا.. استمرت تأكل العصا أياما.. كانت تأكل الجزء الملامس للأرض، فلما ازداد ما أكلته منها اختلت العصا وسقطت من يد سليمان.. اختل بعدها توازن الجسد العظيم فهوى إلى الأرض.. ارتطم الجسد العظيم بالأرض فهرع الناس إليه..
أدركوا أنه مات من زمن.. تبين ان الجن أنهم لا يعلمون الغيب.. وعرف الناس هذه الحقيقة أيضا.. بهذه النهاية العجيبة ختم الله حياة هذا النبي الملك
قصة إلياس عليه السلام
إلياس عليه السلام: قال الله تعالى بعد قصة موسى وهارون من سورة "الصافات": {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ، أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ، اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمْ الأَوَّلِينَ، فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ، إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ، وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ، سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِين، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}.
قال علماء النسب هو: إلياس النشبي،
وقيل: إلياس بن العازر بن العيزار بن هارون بن عمران.
قالوا وكان إرساله إلى أهل بعلبك غربي دمشق، فدعاهم إلى الله عز وجل وأن يتركوا عبادة صنم لهم كانوا يسمونه "بعلا" وقيل كانت امرأة اسمها "بعل" والله أعلم.
والأول أصح ولهذا قال لهم:
{أَلا تَتَّقُونَ، أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ، اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمْ الأَوَّلِينَ}.
فكذبوه وخالفوه وأرادوا قتله. فيقال إنه هرب منهم، واختفى عنهم
عن كعب الأحبار أنه قال: إن إلياس اختفى من ملك قومه في الغار الذي تحت الدم عشر سنين، حتى أهلك الله الملك وولَّى غيره، فأتاه إلياس فعرض عليه الإسلام فأسلم، وأسلم من قومه خلق عظيم غير عشرة آلاف منهم. فأمر بهم فقتلوا عن آخرهم.
وقال ابن أبي الدنيا: عن بعض مشيخة دمشق قال: أقام إلياس عليه السلام هارباً من قومه في كهف في جبل عشرين ليلة - أو قال أربعين ليلة تأتيه - الغربان برزقه.
وقوله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ}
أي للعذاب، إما في الدنيا والآخرة، أو في الآخرة. والأول أظهر على ما ذكره المفسرون والمؤرخون
وقوله: {إلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} أي إلا من آمن منهم.
وقوله: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ}
أي أبقينا بعده ذكراً حسناً له في العالمين فلا يذكر إلا بخير
ولهذا قال: {سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} أي سلام على إلياس
والعرب تُلحق النون في أسماء كثيرة وتبدلها من غيرها كما قالوا: إسماعيل وإسماعين. وإسرائيل وإسرائين، وإلياس وإلياسين .
وقد قرئ: سلام على آل ياسين، أي على آل محمد والصحيح أنه غيره كما تقدم. والله أعلم. قصه النبي اليسع عليه السلام
نبذة: من العبدة الأخيار ورد ذكره في التوراة كما ذكر في القرآن مرتين ، ويذكر أنه أقام من الموت إنسانا كمعجزة.
سيرته:
من أنبياء الله تعالى، الذين يذكر الحق أسمائهم ويثني عليهم، ولا يحكي قصصهم.. نبي الله تعالى اليسع. قال تعالى في سورة (ص): وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الْأَخْيَارِ وقال جل جلاله في سورة (الأنعام) : وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ جاء في تاريخ الطبري حول ذكر نسبة أنه اليسع بن أخطوب ويقال أنه ابن عم إلياس النبي عليهما السلام ، وذكر الحافظ ابن عساكر نسبة على الوجه الآتي: اسمه أسباط بن عدي بن شوتلم بن أفرائيم بن يوسف الصديق عليه السلام وهو من أنبياء بني إسرائيل، وقد أوجز القرآن الكريم عن حياته فلم يذكر عنها شيئاً وإنما اكتفى بعده في مجموعة الرسل الكرام الذي يجب الإيمان بهم تفصيلاً. قام بتبليغ الدعوة بعد انتقال إلياس إلى جوار الله فقام يدعو إلى الله مستمسكاً بمنهاج نبي الله إلياس وشريعته وقد كثرت في زمانه الأحداث والخطايا وكثر الملوك الجبابرة فقتلوا الأنبياء وشردوا المؤمنين فوعظهم اليسع وخوفهم من عذاب الله ولكنهم لم يأبهوا بدعوته ثم توفاه الله وسلط على بني إسرائيل من يسومهم سوء العذاب كما قص علينا القرآن الكريم. ويذكر بعض المؤرخين أن دعوته في مدينة تسعى بانياس إحدى مدن الشام، ولا تزال حتى الآن موجودة وهي قريبة من بلدة اللاذقية والله أعلم. وأرجح الأقوال أن اليسع هو اليشع الذي تتحدث عنه التوراة.. ويذكر القديس برنابا أنه أقام من الموت إنسانا كمعجزة. اليسع وذو الكفل: ويروي بعض العلماء قصة حدثت في زمن اليسع عليه السلام. فيروى أنه لما كبر اليسع قال لو أني استخلفت رجلاً على الناس يعمل عليهم في حياتي حتى أنظر كيف يعمل؟ فجمع الناس فقال: من يتقبل لي بثلاث استخلفه: يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يغضب. فقام رجل تزدريه العين، فقال: أنا، فقال: أنت تصوم النهار، وتقوم الليل، ولا تغضب؟ قال: نعم. لكن اليسع -عليه السلام- ردّ الناس ذلك اليوم دون أن يستخلف أحدا. وفي اليوم التالي خرج اليسع -عليه السلام- على قومه وقال مثل ما قال اليوم الأول، فسكت الناس وقام ذلك الرجل فقال أنا. فاستخلف اليسع ذلك الرجل. فجعل إبليس يقول للشياطين: عليكم بفلان، فأعياهم ذلك. فقال دعوني وإياه فأتاه في صورة شيخ كبير فقير، وأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة، وكان لا ينام الليل والنهار، إلا تلك النّومة فدقّ الباب. فقال ذو الكفل: من هذا؟ قال: شيخ كبير مظلوم. فقام ذو الكفل ففتح الباب. فبدأ الشيخ يحدّثه عن خصومة بينه وبين قومه، وما فعلوه به، وكيف ظلموه، وأخذ يطوّل في الحديث حتى حضر موعد مجلس ذو الكفل بين الناس، وذهبت القائلة. فقال ذو الكفل: إذا رحت للمجلس فإنني آخذ لك بحقّك. فخرج الشيخ وخرج ذو الكفل لمجلسه دون أن ينام. لكن الشيخ لم يحضر للمجلس. وانفض المجلس دون أن يحضر الشيخ. وعقد المجلس في اليوم التالي، لكن الشيخ لم يحضر أيضا. ولما رجع ذو الكفل لمنزله عند القائلة ليضطجع أتاه الشيخ فدق الباب، فقال: من هذا؟ فقال الشيخ الكبير المظلوم. ففتح له فقال: ألم أقل لك إذا قعدت فاتني؟ فقال الشيخ: إنهم اخبث قوم إذا عرفوا أنك قاعد قالوا لي نحن نعطيك حقك، وإذا قمت جحدوني . فقال ذو الكفل: انطلق الآن فإذا رحت مجلسي فأتني. ففاتته القائلة، فراح مجلسه وانتظر الشيخ فلا يراه وشق عليه النعاس، فقال لبعض أهله: لا تدعنَّ أحداً يقرب هذا الباب حتى أنام، فإني قد شق عليّ النوم. فقدم الشيخ، فمنعوه من الدخول، فقال: قد أتيته أمس، فذكرت لذي الكفل أمري، فقالوا: لا والله لقد أمرنا أن لا ندع أحداً يقربه . فقام الشيخ وتسوّر الحائط ودخل البيت ودق الباب من الداخل، فاستيقظ ذو الكفل، وقال لأهله: ألم آمركم ألا يدخل علي أحد؟ فقالوا: لم ندع أحدا يقترب، فانظر من أين دخل. فقام ذو الكفل إلى الباب فإذا هو مغلق كما أغلقه؟ وإذا الرجل معه في البيت، فعرفه فقال : أَعَدُوَّ اللهِ؟ قال: نعم أعييتني في كل شيء ففعلت كل ما ترى لأغضبك. فسماه الله ذا الكفل لأنه تكفل بأمر فوفى به! قصة النبي عزير عليه السلام
من أنبياء بني إسرائيل، أماته الله مئة عام ثم بعثه، جدد الدين لبني إسرائيل وعلمهم التوراة بعد أن نسوها. كان نبيا من أنبياء بني إسرائيل.. وكان يحفظ التوراة، ثم وقعت له قصة مدهشة، فقد أماته الله مائة عام ثم بعثه..
مرت الأيام على بني إسرائيل في فلسطين، وانحرفوا كثير عن منهج الله عز وجل. فأراد الله أن يجدد دينهم، بعد أن فقدوا التوراة ونسوا كثيرا من آياتها، فبعث الله تعالى إليهم عزيرا.
أمر الله سبحانه وتعالى عزيرا أن يذهب إلى قرية. فذهب إليها فوجدها خرابا، ليس فيها بشر. فوقف متعجبا، كيف يرسله الله إلى قرية خاوية ليس فيها بشر. وقف مستغربا، ينتظر أن يحييها الله وهو واقف! لأنه مبعوث إليها. فسؤاله سؤال تعجب وليس اعتراض. فأماته الله مئة عام:
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ
قبض الله روحه وهو نائم، ثم بعثه. فاستيقظ عزير من نومه.
فأرسل الله له ملكا في صورة بشر: (قَالَ كَمْ لَبِثْتَ).
فأجاب عزير: (قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ). نمت يوما أو عدة أيام على أكثر تقدير.
فرد الملك: (قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ). ويعقب الملك مشيرا إلى إعجاز الله عز وجل (فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ) أمره بأن ينظر لطعامه الذي ظل بجانبه مئة سنة، فرآه سليما كما تركه، لم ينتن ولم يتغير طعمه او ريحه. ثم أشار له إلى حماره، فرآه قد مات وتحول إلى جلد وعظم. ثم بين له الملك السر في ذلك (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ). ويختتم كلامه بأمر عجيب (وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا) نظر عزير للحمار فرأى عظامه تتحرك فتتجمع فتتشكل بشكل الحمار، ثم بدأ اللحم يكسوها، ثم الجلد ثم الشعر، فاكتمل الحمار أمام عينيه.
قال عزير في هذا الموقف:
فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
سبحان الله أي إعجاز هذا.. ثم خرج إلى القرية، فرآها قد عمرت وامتلأت بالناس. فسألهم: هل تعرفون عزيرا؟ قالوا: نعم نعرفه، وقد مات منذ مئة سنة. فقال لهم: أنا عزير. فأنكروا عليه ذلك. ثم جاءوا بعجوز معمّرة، وسألوها عن أوصافه، فوصفته لهم، فتأكدوا أنه عزير.
فأخذ يعلمهم التوراة ويجددها لهم، فبدأ الناس يقبلون عليه وعلى هذا الدين من جديد، وأحبوه حبا شديدا وقدّسوه للإعجاز الذي ظهر فيه، حتى وصل تقديسهم له أن قالوا عنه أنه مرسل من عند الله.
زكريا عليه السلام
نبذة:
عبد صالح تقي أخذ يدعو للدين الحنيف،دعا الله أن يرزقه ذرية صالحة فوهب له يحيى الذي خلفه في الدعوة لعبادة الله الواحد القهار.
سيرته:
امرأة عمران:
في ذلك العصر القديم.. كان هناك نبي.. وعالم عظيم يصلي بالناس.. كان اسم النبي زكريا عليه السلام.. أما العالم العظيم الذي اختاره الله للصلاة بالناس، فكان اسمه عمران عليه السلام.
وكان لعمران زوجته لا تلد.. وذات يوم رأت طائرا يطعم ابنه الطفل في فمه ويسقيه.. ويأخذه تحت جناحه خوفا عليه من البرد.. وذكرها هذا المشهد بنفسها فتمنت على الله أن تلد.. ورفعت يديها وراحت تدعو خالقها أن يرزقها بطفل..
واستجابت لها رحمة الله فأحست ذات يوم أنها حامل.. وملأها الفرح والشكر لله فنذرت ما في بطنها محررا لله.. كان معنى هذا أنها نذرت لله أن يكون ابنها خادما للمسجد طوال حياته.. يتفرغ لعبادة الله وخدمة بيته.
دعاء زكريا ربه:
كان زكريا شيخا عجوزا ضعف عظمه، واشتعل رأسه بالشعر الأبيض، وأحس أنه لن يعيش طويلا.. وكانت زوجته وهي عجوزا مثله ولم تلد من قبل في حياتها لأنها عاقر.. وكان زكريا يتمنى أن يكون له ولد يرث علمه ويصير نبيا ويستطيع أن يهدي قومه ويدعوهم إلى كتاب الله ومغفرته.. وكان زكريا لا يقول أفكاره هذه لأحد.. حتى لزوجته.. ولكن الله تعالى كان يعرفها قبل أن تقال.. ودخل زكريا ذلك الصباح على مريم في المحراب.. فوجد عندها فاكهة ليس هذا أوانها.
سألها زكريا: (قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا)؟!
مريم: (قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ).
قال زكريا في نفسه: سبحان الله.. قادر على كل شيء.. وغرس الحنين أعلامه في قلبه وتمنى الذرية.. فدعا ربه.
سأل زكريا خالقه بغير أن يرفع صوته أن يرزقه طفلا يرث النبوة والحكمة والفضل والعلم.. وكان زكريا خائفا أن يضل القوم من بعده ولم يبعث فيهم نبي.. فرحم الله تعالى زكريا واستجاب له. فلم يكد زكريا يهمس في قلبه بدعائه لله حتى نادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا). فوجئ زكريا بهذه البشرى.. أن يكون له ولد لا شبيه له أو مثيل من قبل.. أحس زكريا من فرط الفرح باضطراب.. تسائل من موضع الدهشة: (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) أدهشه أن ينجب وهو عجوز وامرأته لا تلد..
(قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا) أفهمته الملائكة أن هذه مشيئة الله وليس أمام مشيئة الله إلا النفاذ.. وليس هناك شيء يصعب على الله سبحانه وتعالى.. كل شيء يريده يأمره بالوجود فيوجد.. وقد خلق الله زكريا نفسه من قبل ولم يكن له وجود.. وكل شيء يخلقه الله تعالى بمجرد المشيئة (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
امتلأ قلب زكريا بالشكر لله وحمده وتمجيده.. وسأل ربه أن يجعل له آية أو علامة. فأخبره الله أنه ستجيء عليه ثلاثة أيام لا يستطيع فيها النطق.. سيجد نفسه غير قادر على الكلام.. سيكون صحيح المزاج غير معتل.. إذا حدث له هذا أيقن أن امرأته حامل، وأن معجزة الله قد تحققت.. وعليه ساعتها أن يتحدث إلى الناس عن طريق الإشارة.. وأن يسبح الله كثيرا في الصباح والمساء..
وخرج زكريا يوما على الناس وقلبه مليء بالشكر.. وأراد أن يكلمهم فاكتشف أن لسانه لا ينطق.. وعرف أن معجزة الله قد تحققت.. فأومأ إلى قومه أن يسبحوا الله في الفجر والعشاء.. وراح هو يسبح الله في قلبه.. صلى لله شكرا على استجابته لدعوته ومنحه يحيي..
ظل زكريا عليه السلام يدعوا إلى ربه حتى جاءت وفاته.
ولم ترد روايات صحيحة عن وفاته عليه السلام. لكن ورايات كثير -ضعيفة- أوردت قتله على يد جنود الملك الذي قتل يحيى من قبل. | |
|
| |
خالدوووو الرتبة
الدولة : الجنس : تاريخ التسجيل : 17/09/2011 عدد المساهمات : 1793 العمر : 25 المهنة : الهواية :
| موضوع: رد: قصص الاْنبياء من ادم عليه السلام الى خاتم النبئين و المرسلين محمد (ص)عليه افضل الصلاة و التسليم الخميس يناير 05, 2012 5:22 pm | |
| | |
|
| |
اْستاذ صادق الرتبة
الدولة : الجنس : تاريخ التسجيل : 15/03/2011 عدد المساهمات : 10473 المهنة :
| موضوع: رد: قصص الاْنبياء من ادم عليه السلام الى خاتم النبئين و المرسلين محمد (ص)عليه افضل الصلاة و التسليم الخميس يناير 05, 2012 5:26 pm | |
| | |
|
| |
tahri ines الرتبة
الدولة : الجنس : تاريخ التسجيل : 20/11/2012 عدد المساهمات : 31 العمر : 29 المهنة : الهواية :
| موضوع: رد: قصص الاْنبياء من ادم عليه السلام الى خاتم النبئين و المرسلين محمد (ص)عليه افضل الصلاة و التسليم الثلاثاء نوفمبر 20, 2012 1:39 pm | |
| | |
|
| |
tahri ines الرتبة
الدولة : الجنس : تاريخ التسجيل : 20/11/2012 عدد المساهمات : 31 العمر : 29 المهنة : الهواية :
| موضوع: رد: قصص الاْنبياء من ادم عليه السلام الى خاتم النبئين و المرسلين محمد (ص)عليه افضل الصلاة و التسليم الثلاثاء نوفمبر 20, 2012 1:39 pm | |
| | |
|
| |
tahri ines الرتبة
الدولة : الجنس : تاريخ التسجيل : 20/11/2012 عدد المساهمات : 31 العمر : 29 المهنة : الهواية :
| موضوع: رد: قصص الاْنبياء من ادم عليه السلام الى خاتم النبئين و المرسلين محمد (ص)عليه افضل الصلاة و التسليم الثلاثاء نوفمبر 20, 2012 1:39 pm | |
| | |
|
| |
tahri ines الرتبة
الدولة : الجنس : تاريخ التسجيل : 20/11/2012 عدد المساهمات : 31 العمر : 29 المهنة : الهواية :
| موضوع: رد: قصص الاْنبياء من ادم عليه السلام الى خاتم النبئين و المرسلين محمد (ص)عليه افضل الصلاة و التسليم الثلاثاء نوفمبر 20, 2012 1:40 pm | |
| | |
|
| |
tahri ines الرتبة
الدولة : الجنس : تاريخ التسجيل : 20/11/2012 عدد المساهمات : 31 العمر : 29 المهنة : الهواية :
| موضوع: رد: قصص الاْنبياء من ادم عليه السلام الى خاتم النبئين و المرسلين محمد (ص)عليه افضل الصلاة و التسليم الثلاثاء نوفمبر 20, 2012 1:40 pm | |
| | |
|
| |
| قصص الاْنبياء من ادم عليه السلام الى خاتم النبئين و المرسلين محمد (ص)عليه افضل الصلاة و التسليم | |
|