يغتنم السكان الأمازيغ في الجزائر، حلول "عيد ينّاير" (بتشديد الياء)، الموافق لـ12 يناير/كانون الثاني من كل عام، لإحياء ينابيع التراث الثقافي الأمازيغي،بداية عام 2961من السنة الأمازيغية الفلاحية. وهو التقويم الذي قيل إنه بدأ مع انتصار الملك الأمازيغي القديم شيشنق على الفراعنة الذين أرادوا الاستحواذ على الشمال الأفريقي سنة 950 ق.م
والسنة المسماة أمازيغية هي فلاحية بامتياز. وما زال الفلاحون في الجزائر يقسمون السنة بشكل عجيب ويتنبؤون بالتقلبات في الطقس، وكثيرا ما يصيبون في ذلك. والتقويم الأمازيغي يستعمله المزارعون الجزائريون لحد الآن ويحرصون، في معظمهم، على شراء الروزنامات التي تستعمل التقويم الفلاحي الأمازيغي جنبا إلى جنب مع التقويمين الميلادي والهجري. وهي الروزنامات التقليدية التي تقتطع يوميا وفيها تفاصيل عن مواقيت الصلاة و«حكمة اليوم». وتسميات شهور السنة الأمازيغية هي كالتالي بداية من الشهر الموافق ليناير (كانون الأول) من السنة الميلادية: ينار (يناير أو الناير) حسب لهجة كل منطقة، فورار، مغرس، إبرير، مايه، يونيه، يوليه، أغشت، شتمبر، أوكتوبر، نونمبر، دجمبر. وهي تسميات تقترب من نظيرتها الميلادية ولكن مع بعض الاختلاف.
معظم العائلات الجزائرية تحتفل بدخول السنة الأمازيغية التي توافق 12 من يناير بإقامة وجبة عشاء عائلية بالكسكسي ولحم الديك الهندي الذي يذبح في تلك الأمسية. وتقام احتفالات مشابهة مع بداية كل فصل، ومعلوم أن بداية كل فصل لا تتطابق مع بدايته في التقويم الميلادي. فالربيع مثلا يبدأ يوم 14 فورار الموافق لـ 28 فبراير (شباط)، وفيه تقام احتفالات كبيرة، ففي إحدى المناطق من الشرق الجزائري، وزيادة على الوليمة العائلية بالكسكسي ولحم الديك الهندي تحتفل العائلات في صبيحة اليوم الأول من الفصل بشراء أكياس مصنوعة بشكل تقليدي، صغيرة مخصصة للأطفال، يحملون فيها الكسرة المزينة بصفار البيض إضافة إلى الكسرة المحشوة بالعجوة والبرتقال وبعض الحلويات التقليدية ثم تخرج العائلة بأكملها إلى الحقول التي بدأت تخضر بعد موسم شتاء بارد جدا في العادة، ويحتفلون بما يسمونه «الصيف الأخضر».
ما زالت قلة قليلة من الشيوخ تحفظ عن ظهر قلب تقسيمات السنة الأمازيغية الفلاحية بتفاصيلها المملة، ففصل الشتاء الذي نحن فيه يبدأ قبل شهر دجمبر بـ14 يوما، ثم يبدأ شهر دجمبر الذي يعرف بقساوة صقيعه ويقسم إلى 11 يوما الأولى وهي «أيام الرفق» و20 يوما بعدها تسمى «أيام السم» والعشرين يوما الأخيرة تقسم بدورها إلى عشرة أيام (الأولى) تسمى «الموالح» والأخيرة تسمى «قوارح». أما شهر (يناير) الذي يليه فيقسم إلى 11 يوما في أوله تسمى «الغزيرة» نسبة لغزارة الأمطار ثم عشرة ايام تليها تسمى «صوالح» وعشرة أيام أخرى تسمى «المدابيب». ثم يبدأ شهر «فورار» الذي يحل فصل الربيع في اليوم الرابع عشر منه، ويتكون من 28 يوما فقط يسمى النصف الثاني منه الذي يلي بداية الربيع بـ «أيام الزرع والضرع». وهو شهر معروف بتقلباته ويقال: «فورار يتقلب سبع مرات في النهار»، ثم يأتي شهر «مغرس» فتغرس فيه الأشجار المثمرة وتلقح. وهناك مثل شعبي يقول «فات الغرس في مغرس» دلالة على فوات الأوان، والغرس لا يكون إلا في هذا الشهر، والسبعة أيام الأخيرة من مغرس إضافة إلى السبعة الأولى من شهر إبرير الموالي تسمى «الفطيرة» وهي الأيام التي يعود فيها البرد بقساوة بعد الاعتدال الربيعي «الكاذب». وشهر «إبرير» فيه ينتظر المزارعون هطول الأمطار التي تحدد مصير الموسم الزراعي والمثل يقول «أجبدها يا إبرير من قاع البير» (انبت يا شهر إبرير الزرع حتى ولو كانت البذرة في مستوى قعر البئر)، ثم يأتي شهر «مايه» الذي يحل في أيامه الأخيرة «الصيف الأخضر» وبعدها 63 يوما للصيف لا توجد تفصيلات كثيرة حولها، وتنتهي بأغشت الذي يحل في منتصفه شهر الخريف. وعن سر التفاصيل الكثيرة في موسم البرد مع خلو الأمر في موسم الصيف يقول بعض المزارعين إن مرد ذلك الققطة الشديدة للبرد التي تجعل المرء يبرر أسبابها أما في الصيف فإنه ينسى الأمر تماما.