القسم الرابع : الزواج من الأقارب والأباعد.
قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}(الروم:21) صدق الله العلي العظيم.
استعرضنا في كلمات سابقة، بعض ما يتعلق بالزواج من أبحاث وفي هذا اليوم المبارك نستعرض موضوعين هامين لهما علاقة ذات شأن بالزواج الموضوع الأول: هو الزواج من الأقارب, والموضوع الثاني: هو الزواج من الأباعد إذا صح التعبير.
الزواج من الأقارب :
إن الزواج من الأقارب لا يوجد مانع منه من الناحية الشرعية، بل هناك بعض الروايات التي قد يستفاد منها استحباب الزواج من الأقارب إذا تحقق شرطان أو أكثر
الشرط الأول: هو أن يكون هذا الزواج لله تبارك وتعالى.
الشرط الثاني: أن يراد به صلة الرحم فقد ورد عن المصطفى صلى الله عليه وآله: (من تزوج لله لصلة الرحم توجه الله بتاج الملك)، وتاج الملك هذا كنايه عما أعده الله تبارك وتعالى من النعيم المقيم الذي لا زوال له ولا اضمحلال في يوم القيامة، فهو كناية عن مرتبة من السعة في عالم الغيب في الآخرة، فإذاً الزواج من الأقارب قد تتحقق به بعض الفوائد، ومن جملتها صلة الرحم بالإضافة إلى رضوان الله تبارك وتعالى. ونضيف هنا مسألة هامة لها أثرها في الزواج من الأقارب، وهي أن هذا النوع من الزواج لابد أن يبتني على أسس موضوعية، أي أن الروايات التي استعرضنا شطراً منها لا ينبغي أن نلغي الخصوصية الموجودة فيها التي تبين أهمية الدين كقوله صلى الله عليه وآله : (عليك بذات الدين تربت يداك) أو الروايات التي تفصح عن أهمية الخلق في الزوجة، فهذه لها موضوعية في اختيار الزوجة ولا يمكن للإنسان أن يتغاضى عن هذه الروايات، ويسدل عليها ستاراً من أجل أن يتزوج من أقاربه، يعني : عندما تتحقق سائر الشرائط الموضوعية - التي منها قصد التقرب إلى الله وصلة الرحم - يكون الزواج من الأقارب مستحباً.
كما أن من الأمور الهامة التي يجب مراعاتها الشرائط الصحية يعني : الذي يريد أن يتزوج من إحدى قريباته علية أن يلحظ أهمية الجانب الصحي، وبالخصوص في منطقتنا هذه، فنحن نعرف أن المنطقة فيها أمراض الدم الوراثية وغيرها من الأمراض التي تدعو الإنسان إلى أن يفكر مراراً وتكراراً قبل أن يُقدم على الزواج، لأنّ هذا الزواج لا يكلفه وحده, وإنما يكلف الجيل القادم عناءً ومشقةً ويتطلب خسائر فادحة، تتحمل الدولة ويتحمل الوطن الكثير من أعبائها هذا بالإضافة إلى انشغال الوالدين بالجانب الصحي للأبناء فإذاً علينا إذا أردنا أن نبحث في زواج الأقارب من الناحية الموضوعية، فنقول: أنه لا مانع من الناحية الشرعية من الزواج من القريبات، بل قد يكون محبباً إذا توافرت الشرائط الصحية في الزوجة القريبة،كذلك أيضا إذا توافرت الشرائط الموضوعية التي أشارت إليها الروايات كالدين والخلق.
بالإضافة إلى الشرطين اللذين ذكرناهما في هذا اليوم وهما: ( أن يريد المتزوج التقرب إلى الله بهذا الزواج وأن يصل رحمه ), فإذا تحققت هذه الحيثيات فالزواج من الأقارب يكون من المستحبات.
الزواج من الأباعد :
هذا الزواج الذي يتحقق من غير الأقارب له ميزات متعددة، لا تتوافر في الزواج من الأقارب سوف أستعرض بعضاً منها:
الميزة الأولى :
هي التعارف بين الناس وهي هامة جداً، ولا أريد منه التعارف النظري بل هو التعارف العملي بمعنى التمازج والتداخل القوي والمتين, ولعل في الأمثال الموجودة المتداولة على الألسن ( كن نسيباً ولا تكن ابن عم )، وغير ذلك من الأمثلة التي تبين هذه الحيثية، وما أريد إيصال معناه إلى الأذهان: هو أن الزواج من الأباعد يخلق روابط كبيرة ومتينة، فهو يفتح للإنسان آفاق كبيرة قد لا تعتري ذهنه عندما يقدم على الزواج، يعني: يجد الكثير من المصالح التي لم يلتفت إليها في الزواج من غير القريبات أي من الأباعد، ولذا نجد هذه الظاهرة جلية في سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وأئمة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم، فهم يتزوجون من البعيدين، وما ذلك إلا من أجل تكوين روابط جديدة لها أثرها الفعّال في النواحي الاجتماعية والثقافية، وإنشاء روابط من العلاقات المتينة بين القبائل والمجتمعات الأخرى، ولذلك نجد أن بعض زوجات الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، لا يرتبطون معهم بأي رابطة نسبية.
الميزة الثانية :
إلغاء الطبقية الاجتماعية، لا يخفى على أحد أن المجتمع الإسلامي كانت فيه طبقات مختلفة، كالسيد والعبد، والشريف في النسب والأقل منه، والأسود والأبيض، والغني والفقير ، ولذلك سعى الإسلام لإزالة هذه الفوارق تبعاً لمنهجه القويم {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} , ومن هذا المنطلق قام الرسول صلى الله عليه وآله بتزويج المقداد من أشرف القبائل وهي قريش، بل ومن بني هاشم ، فهو تزوج من بنت عمالرسول صلى الله عليه وآله وهو الزبير بن عبد المطلب، والمقداد الذي يعرفه الجميع على أنه عبد وليس من القبائل المعروفة، والتي لا مكانة ووجاهة لها، والنبي صلى الله عليه وآله الطاهرين أفصح عن السبب في ذلك بقوله: (إنما زوجت المقداد لإرادة أن تتضح المناكح)، يعني: أريد هدفاً من هذا الزواج حتى لا يقال أنّ فلاناً أكفأ أو أرفع في الدرجة، وبذلك يتحقق ما يريده الشارع المقدس من روح مبنية على التسامح، وإزالة الفوارق الطبقية التي قد تحدث بسببها ما قد يعلم به إلا الله من المآسي، كما وأننا نجد هذا الأمر واضحاً في بعض زوجات الأئمة عليهم السلام اللاتي لم يكْنَ من العرب، وهذه الطبقية - وللأسف - متفشية في الكثير من المجتمعات، ولازالت موجودة إلى يومنا الحاضر، ولكن بشكل أقل من السابق، فالشاب الذي يخطب لا تُلاحظ فيه الكفاءات والقدرات التي يمتلكها، بل حتى لا يلحظ الجانب الديني والخلقي، ويكون المقياس هو أنّ هذا بعيد ولا يدخل فينا، ولذلك يُرفَضُ وبالتالي تبقى مجموعة من النساء عوانس وما أكثرهم في مجتمعنا.
الميزة الثالثة :
الفوائد الصحية التي تتحقق في الزواج من الأباعد، وهذه طبعاً ليست قاعدة عامة، بل في الأعم الأغلب الذي يتزوج من الأباعد يخلو من أكثر الأمراض والمشاكل الصحية، يعني: بالإضافة إلى الفوائد التي أشرنا إليها وشرحناها، فهناك فوائد صحية تتحقق للإنسان.
أولاً:أن يتجنب الأمراض الوراثية الموجودة عنده .
ثانياً : أن يحقق فوائد لأبنائه من ناحية القوة والذكاء و الحيثيات الأخرى التي قد تتوافر في من يتزوج منهم، ولذا نجد في الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله الطاهرين وعن الأئمة من أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، بيان للفوائد الصحية نجد أحاديث تعير عن هذا المعنى (اغتربوا لِئَلا أو كي لا تضْووا)، نقول ضوى في اللغة بمعنى: ضَعُفَ. فهذا الحديث عن المصطفى صلى الله علية وآله يشير إلى معنى رائع وجميل، هو أنكم إذا تجنبتم الزواج من الأقارب سوف تحققون جانباً صحياً كبيراً يحقق متانة في الجسم، ونمواً واستقامةً لدى الجيل الجديد، ولذا نجد في الكثير من الأمراض الوراثية الموجودة عندنا أن السبب الرئيس فيها يكمن في الزواج من الأقارب, والأحاديث الشريفة تشير إلى هذا المضمون (اغتربوا كي لا تضووا)، فهي تريد أن تبين أهمية إزالة السلبيات التي تتحقق في الزواج من الأقارب، وكذلك تحقق فائدة كبيرة في إبراز الجانب الإيجابي للزواج من الأباعد، وعلينا أن نلفت النظر إلى أنّ ما ذكرناه يمثل الأعم الأغلب، وليس قاعدة مطردة ودائمة، إذ يمكن للإنسان أن يتزوج امرأة مصابة ببعض الأمراض، وهو أيضا يحمل نفس الأمراض مع أنها بعيدة عنه، وليست من أقاربه، ومن هنا ينبغي أن يلحظ هذه الأمور بعينٍ من الموضوعية والروية، فلا تأخذه العاطفة ويتعجل، فيقع فيما لا تحمد عقباه، بالإضافة إلى أن هناك بعض الجوانب الهامة التي تشير إليها الأبحاث الحديثة، وقد لا نتفق معها تماماً، ولكني أُشير إليها باقتضاب وهو(أن الجانب الجنسي في الدافعية إلى الزواج من الأباعد ، هو أقوى بكثير من الجانب الجنسي في الزواج من الأقارب)، يعني: قوة الدافعية الجنسية والربط الوثيق من الناحية الجنسية كما تشير بعض الأبحاث في هذا المجال، هي أقوى وأشد في الزواج من الأباعد.
إذاً هذه بعض الأمور العامة أو الحيثيات التي لابد أن تلحظ من لدن الشباب والشابات, وأختم كلامي بالتأكيد على بعض النقاط الهامة التي ينبغي لنا أن نلتفت إليها:
النقطة الأولى:
مسألة التصوير في الزواج, وهي مسألة في الحقيقة ذات شؤون وشجون، فهي ليست بحرام، ولكن مخاطرها كبيرة وكثيرة جداً، فالزوجة في ليلة زفافها وكذلك النساء اللاتي معها عندما يأْتينَ وهنّ بكامل زينتهْنَّ، ويتم تصوير هؤلاء النسوة، من قبل أيدي غير أمينة وغير ملتزمة، ويتم تناقل هذه الصور إلى من يسيء الاستفادة منها، فمثلاً: يستخدم تقنية الحاسب الآلي في تركيب هذه الصور على أجساد نساء غير محتشمات أو في أوضاع مخلة بالأدب والأخلاق، وذلك يتم بطرق فنية مختلفة، وبالتالي تتعرض العائلات المحترمة إلى إساءة السمعة والمهانة الاجتماعية، وقد تستغل بعض النسوة بهذه الطريقة للابتزاز الجنسي، ويضغط عليها للقبول لكي تحافظ على سمعتها وعرضها، وبالتالي تسقط في مهاوي الرذيلة والانحراف, فكما تلاحظون كيف أن هذا المسألة البسيطة وهي التصوير تؤدي إلى فضائح وهتك أعراض وإساءة سمعة إذا لم نتوخى الحذر والحيطة.
النقطة الثانية:
وهي هامة جداً ، وتتعلق بالتصوير أيضاً في الأعراس والحفلات الخاصة، فعندما يؤخذ فيلم الكاميرا ليحمض في بعض الاستوديوهات التي يعمل فيها من العمالة الأجنبية الذين يختلفون معنا في ثقافتنا، ويبحثون عن الصور التي لها طابع جمالي، أو لها بعض الحيثيات الأخرى, ثم يقومون بنشرها أو بيعها من أجل مكاسب مادية، وهذا يمثل خطراً كبيراً على مستقبل هذه الزوجة، وعلى عائلتها، وقد تتعرض للطلاق بسبب بعض الأخطاء غير المقصودة.
النقطة الثالثة :
تتعلق بالجوالات التي تشتمل على كاميرا، التي تحملها بعض النسوة معها إلى حفلات الزفاف النسائية، وتصور النساء، وعندها تحصل الاستفادة السيئة من هذه الصور بقصد أو بدون قصد، وهنا ينبغي لنا، جميعاً أخذ الحذر ومحاولة منع دخول مثل هذه الجوالات في حفلات الزواج، وتنبيه أهلنا ونساءنا على توخي الحذر في مثل هذه الأمور الخطيرة