إنّ المتأمل في أحوال جيلنا الحاضر وفي تعامله مع خالقه سبحانه وتعالى وتعامله مع الآخرين يجد قصوراً بيِّناً وخللاً ظاهراً، سببه قسوة القلب، قال الله تعالى {وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}.
يظهر هذا القصور في عدة مظاهر، منها: أن الشخص لا يشعر بالخشوع في صلاته وعبادته، ولا يتأثر ويتباكى عند تلاوة القرآن الكريم، ولا يتورع عن الشبهات في المعاملات والظلم والاعتداء على حقوق الآخرين والجفاء وسوء الظنّ بين الإخوان، إضافة إلى انتشار القطيعة بين الأسر.
وقسوة القلب ذهاب اللِّين والرَّحمة والخشوع، وقد ذَمَّ الله سبحانه وتعالى هذا الداء العضال الذي ظهر في الأمم السابقة كاليهود وغيرهم، فقال عزّ وجلّ {وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}، وقال جلّ في عُلاه {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ قَسْوَة} قال ابن عباس رضي الله عنهما: ''فصارت قلوب بني إسرائيل مع طول الأمل قاسية بعيدة عن الموعظة بعدما شاهدوه من الآيات والمعجزات فهي في قسوتها كالحجارة التي لا علاج لِلَيْنِهَا أو أشدّ قسوة من الحجارة''.
روى الإمام أحمد والطبراني والبيهقي وغيرهم عن سهل بن سعد الساعدي رضي اله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ'' حديث صحيح. إنّ الاستمرار على الذنوب والتّهاون بها سبب رئيس في قسوة القلب، ولربما لا يوفق العبد بحسن الخاتمة، والعمر فرصة واحدة ولن يتكرر واستفد من وجودك في هذه الحياة بعمل الصالحات والتزود منها والتخلص من الذنوب والمعاصي، ولا تطل الأمل فقد يفاجئك الموت هذه الليلة على فراشك، فعليك بالتوبة والرجوع إلى الله قبل فوات الأوان وقبل حضور الأجل. قال سبحانه وتعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ} النساء: .18
لقد اعتنى المولى الكريم سبحانه بهذا العضو الخطير وسعى إلى تطهيره وتنقيته من الشّوائب وحثّ العبد على إصلاحه قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''ألاَ وإنّ في الجسد لمُضْغَة إذا صَلُحَت صَلُحَ الجسد كلُّه وإذا فَسَدَت فَسَد الجسد كلُّه ألاَ وهيَ القلب'' متفق عليه.
فالقلب إذا صَلُحَ استقام حال العبد وصَحَّت عبادته وصار يعيش في سعادة وذاق طعم الأُنْسِ ومحبَّة الله ولذَّة مُنَاجَاته ممّا يصرفه عن النّظر إلى بهجة الدنيا وزخرفها والاغترار بها، والرُّكون إليها.
وأرجع علماء الأخلاق أسباب قسوة القلب لعدة أمور، منها: الغفلة، طول الأمل، عدم مراقبة الله واستشعار عظمته وقوّته وجبروته وانتقامه ورحمته ولطفه وفضله وجوده وكرمه سبحانه وتعالى.
في حين حدّدوا طرقاً عدة لعلاج هذا المرض العضال من باب ''معرفة الداء أوّل طرق معرفة الدواء''، وذلك عبر المواظبة على قراءة القرآن الكريم بتدبر وخشوع، وقراءة سيرة سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم والإكثار من الصّدقة مع الحرص على صدقة السرِّ، والعطف على الفقراء والمساكين والأرامل والمسح على رأي اليتيم وبرّ الوالدين والإحسان إليهما وصلة الأرحام وزيارة المرضى وتخفيف آلامهم ومواساتهم والإكثار من ذِكر الله تعالى والمواظبة على قيام اللّيل والتوضاع وحُسن الخُلق وغيرها ذلك من أفعال البرّ.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]