صنَّف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الظلم في أنواع ثلاثة: ''الظلم ثلاثة: ظُلمٌ لا يغفره الله،
وظلمٌ يغفره الله، وظلمٌ لا يترك الله منه شيئاً؛ فأمّا الظلم الّذي لا يغفره الله فالشِّرك،
قال الله ''إِنَّ الشِرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ''.
أَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي يَغْفِرُهُ فَظُلْمُ العِباَدِ أَنْفُسَهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ. وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لا يَتْرُكُهُ الله فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً حَتَّى يُدَبِّرُ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ'' أخرجه الترمذي عن أنس رضي الله عنه.
لقد حرَّم الإسلام الظلم أشدَّ التّحريم بكل أنواعه ومسبباته ونتائجه، فعن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيما روى عن اللهِ تبارك وتعالى أنّه قال: يا عبادي إنِّي حَرَّمْتُ الظّلمَ على نفسي وجعلتُه بينكم مُحَرَّماً فلا تَظَالَمُوا ...'' رواه مسلم.
وقد تَوعَّد النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام أمّتَه من بعده أن تقع في الظلم فقال: ''اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ'' رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه.
ولمّا كانت حقيقة الظلم هي وضع الشّيء في غير موضعه، نَزَّه الله سبحانه وتعالى نفسه عن الظلم، قال سبحانه: ''إنّ اللهَ لا يظلم مثقال ذَرَّة وإنْ تَكُ حسنة يُضاعفها'' النساء40، وقال عزّ وجلّ: ''وَمَا رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيد} فصلت,46 وكما حَرَّم الظلم على نفسه جلّ وعلا فكذلك حَرَّمَه على عباده ونهاهم أن يتظالموا فيما بينهم.
كما أنّ الله عزّ وجلّ بَيَّن غِنَاه عن خلقه، وأنّ العباد لا يستطيعون أن يوصلوا إليه نفعاً ولا ضَرًّا، بل هو سبحانه غنيٌّ عنهم وعن أعمالهم، لا تنفعه طاعة الطّائعين ولا تضرُّه معصية العاصين، ولكنّه يحبُ من عباده أن يتّقوه ويطيعوه، ويكره منهم أن يعصوه، مع غِنَاه عنهم، وهذا مِن كمال جوده وإحسانه إلى عباده، ومحَبَّتِه لنفعهم ودفع الضرّ عنهم، قال تعالى: ''مَن عَمِل صالحاً فَلِنَفْسِهِ ومَن أسَاء فعَلَيْهَا ومَا رَبُّك بظلاَّم للعبيد'' فصلت.46
صحيح أنّ حياة بني آدم مليئة بالمشاكل والأحداث وأنّ هناك أناساً يعيشون من حولنا وهُم كالوحوش الكاسرة، لا هَمّ لهم سِوَى جمع المال وتوفير لقمة العيش ولو على حساب الآخرين. لكن الله عزّ وجلّ حذّرنا من الظلم في كافة صوره وعلى جميع المستويات. فليحذر الزوج من ظُلم زوجته، والأب من ظلم أولاده، وصاحب العمل من ظلم عماله، وصاحب المنصب من ظلم مَن هُم تحت يده من الموظفين.
وليحذَر الإنسان حينما ينطلق مَرّة ثانية إلى إيقاع الظلم بأخيه الإنسان حينما يتصوَّر مُخطِئاً أنّ جهةً لَن تُحاسِبُه، وأنّه لن يدفع ثمن ظلمه غالياً، وأنّ القوي الظالم هو الفائز، وأنّ الضعيف المظلوم هو الخاسر، وتناسى قول الله تعالى: ''وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ'' إبراهيم .42 وأوصي إخواني بحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ''إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ'' وقول الله جلّ جلاله''وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ''.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]