حقيقة الغزو الفرنسي للجزائر وبعض آثاره
دامت الحروب الصليببية قرنين إلا ثماني سنوات ، يوقد نارها ويشعل فتيلها
ويدعو إليها الباباوات ويحرضون ملوك أوروبا وشعوبها على قتال المسلمين، وتخليص
الأرض المقدسة من أيديهم ويباركون المجازر التي يقوم بها الإفرنج، ويحتفلون ـ بكل
قوة ونشاط ـ بسقوط أرض الإسلام في أيديهم.
جاء في تاريخ الباباوات موقف البابا كاليستوس الثالث الذي ارتقى كرسي
البابوية وهو في سن الثمانبن،ومع ذلك لم يكن له هم إلا إثارة النصارى على
المسلمين، وفي سنة1456م بنى أسطولا بحريا مكونا من خمس وعشرين سفينة حربية ودعا
ملوك النصارى للالتحاق به وشن الغارات على بلاد الإسلام.
لايهدأ لهؤلاء بال ، ولايحلو لهم
حال إلا إذا حاربوا الإسلام وفتكوا بأهله كلما أطفئت لهم نار أوقدوا أختها، وكلما
فشلت لهم خطة هيئوا مثليها.
ولا شك أن العدوان على الجزائر كان حلقة من حلقات تلك الحروب، فهدف فرنسا
كان أولاوقبل كل شيء محاربة الإسلام وأهله وإدخالهم في النصرانية لتضمن أمنها
واستقرارها، وتثبتب بقاءها وسيطرتها، لأن المسلمين ظلوا يطاردونها ، ويحاصرونها
ويضايقون تجارها.
لقد جاء الاستعمار بحده وحديده، وأقبل بخيله ورجله، حاملا العقائد النصرانية
والتقاليد الأوربية، محاولا زعزعة عقيدة الجزائريين وأخلاقهم، جاهدا في طمس لغتهم
وأصالتهم، ساعيا في تقويض شخصيتهم ووحدتهم، ولم يزل هذا دأبه وسعيه منذ وطئت قدمه
هذا البلد الطيّب، وصدق الله إذ يقول:{ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى
تتبع ملتهم}(البقرة: 120)، {ولايزالون يقاتلونكم حتى يردّوكم عن دينكم إن
استطاعوا} (البقرة:217).
يقول محمد البشير الإبراهيمي-رحمه
الله- : " جاء الاستعمارالدنس الجزائر يحمل السيف والصليب، ذاك للتمكن وهذا
للتمكين". وقال:" احتلال فرنسا للجزائر كان حلقة من الصليبية الأولى ولا
غرابة في ذلك...".
1- بناء
الكنائس، وتخريب المساجد وهدمها وتحويل بعضها كنائس، لقد شيّدت فرنسا كنيسة كبيرة
تطل على البحر وهي المعروفةاليوم باسم "السيدة الإفريقية" وحولت مسجد
كتشاوة كنيسة وبارك البابا هذا العمل، قال
الإبراهيمي: " حولت بعض المساجد الكبرى كنائس وعمرتها برجال الكنيسة المسيحيين...
وناهيك عن مسجد كتشاوة العظيم الذي صيرته كاتدرائية عظمى في العاصمة".
2- تشجيع نابليون الثالث النشاط النصراني وتعيينه
الكردينال لافيجري رئيسا للنصارى في الجزائر، فنشط وسط الفقراء والأطفال والنساء،
ووبلغت جهوده أصقاع الصحراء.
وفي برنامجه
التنصيري: " علينا أن نجعل من الأرض الجزائرية مهدا لدولة عظيمة مسيحية أعني بذلك فرنسا أخرى
يسودها الإنجيل دينا وعقيدة".
لتنصير
الجزائريين والتي كان نشاطها مرتكزا على التعليم والتطبيب والخدمات. Pères blancs3- تكوين لافيجري فرقة الآباء والأخوات البيض
4- تخريب المدارس العربيةالإسلامية.
5- استقدام عدد كبير من الرهبان والمعلمين والأطباء، فالراهب ينشر
النصرانية ويشكك المسلمين في عقيدتهم، والمعلم يفسد العقول ويبعد الأمة عن لغتها
ويشوّه التاريخ ويزهّد في الدين، والطبيب يداوي علة بعلل، ويقتل جرثومة بجراثيم.
6- محاربة اللغة العربية، لأنها لغة القرآن ولسان الأمة، يقول مصطفى
صادق الرافعي: " ولغة الأمة هي الهدف الأول للمستعمرين، فلن يتحول الشعب
أول ما يتحول إلا من لغته…".
وقال الحاكم الفرنسي للجزائر في
الاحتفال بمرور مائة سنة على الاحتلال: " إننا لن ننتصر على الجزائريين ما
داموا يقرؤون القرآن، ويتكلمون بالعربية، فيجب أن نزيل القرآن من وجودهم، ونقتلع
اللسان العربي من ألسنتهم".
يقولون هذا لأن اللغة كما يقول
شيخ الإسلام ابن تيمية: " من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون".
7- محاربة الوحدة الإسلامية التي تجمع بين العرب والبربر، فزرع الاستعمار الخلاف
والشقاق بينهم، بما يثيره من أسباب العداوة والعصبية.
هذه بعض الأدلة التي تجعلنا موقنين
بأن احتلال الجزائر- كما يقول الإبراهيمي-:" إنما هو قرن من الصليبية نجم، لا
جيش من الفرنسيين هجم".
ومما قاله بعض المشاركين في احتفال فرنسا بمرور مائة سنة على احتلال
الجزائر:" ليس الداعي الأكبر لهذه المهرجانات هو الاحتفال بمرور مائة سنة من
احتلال الجزائر… ولكن الباعث الأعظم على هذا هو أننا دعوناكم لتمشوا معنا في جنازة
الإسلام بالجزائر".
ثم إن الله جل وعلا سخّر رجالا من
أبناء هذه الأمة ردّوا عدوانه، وكشفوا ضلاله، وزيّفوا بهرجه، وعلى رأسهم"
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين".
فكانوا يواجهون مخططاته كل حين، ويجاهدونه صادقين، فخرج من الجزائر
ذليلاحقيرا، وطرد منها خاسئا حسيرا، لكنه خلف وراءه ركاما من العقائد الباطلة
والأخلاق القبيحة والعادات الفاسدة المخالفة للدين، والخرافات المضحكة التي لايؤمن
بها إلا الأغبياء والمجانين…