في الحي الشعبي “باب الوادي” وسط العاصمة، ازدحام يومي واكتظاظ لا يعود سببهما إلى الغدو والرواح لأهالي الحي لقضاء احتياجاتهم اليومية أو الوافدين على الحي المعروف جدا بالعاصمة لمزايا كثيرة فحسب، وإنما للتردد على أسواقه الشعبية المترامية على أطراف شوارعه ، لعل أشهر سوق به على الإطلاق “الدلالة” الذائع صيتها، فبها يباع كل شيء حتى ابسط الأشياء التي قد لا تخطر على بال إنسان...
قصدت “المساء” الدلالة بسوق باب الوادي لإجراء تحقيق حول ظاهرة بيع منتوجات صيدلانية ومستلزمات طبية بذات السوق، الظاهرة وقف عليها احد الزملاء وكلفنا بمتابعتها ميدانيا الرئيس المدير العام للجريدة، وبالفعل توجهنا ذات صباح إلى سوق الدلالة تلك ومن حسن حظنا ان الجو الربيعي ساعدنا على استكشاف المنطقة والوقوف على خبايا أسواقها.
الجولة بدأت بمركز الحي المسمى الساعات الثلاث ولكن لدقائق لم نعرف أي وجهة نقصد، لان كل زوايا الحي وأزقته هي بذاتها سوق مفتوحة على الهواء الطلق، أكوام من السلع العديدة والمختلفة والمتنوعة المحلية والمستوردة تباع هنا.. عديد التجار يبرحون بأصواتهم لجلب الأنظار والجيوب.. ازدحام كبير للسيارات والبشر.. للحظات نسينا سبب مجيئنا إلى هنا فكثرة المنتوجات المعروضة وبخس أسعارها أغرت فضولنا، ولكن سرعان ما راحت أعيننا تبحث هنا وهناك عن تلك الظاهرة التي حدثنا عنها زميلنا.. قد نجدها على أرصفة تريولي أو شارع العقيد لطفي أو شارع روشاي بوعلام أو ربما على الرصيف المحاذي لحديقة المتقاعدين، لكن الاستفهام بقي سيد الموقف وساد مكانه فضول من نوع آخر، فبعد أن طفنا بالأمكنة المذكورة بحثا عن متابعة لتحقيقنا في محاولة لتأكيد ملاحظة زميلنا، إلا أننا لم نصادف في ذلك اليوم من يعرض منتوجات صيدلانية للبيع على الرصيف مثل الحقن والضمادات وغيرها، بالمقابل هالنا الكم الهائل لسلع لا يتسع المجال لذكرها جميعا ولكن الملاحظ ان كل ما قد لا يخطر على بال أحد موجود هنا باب الوادي للبيع.. نبدأ في السرد: حلويات وشكولاطة.. ألبسة لمختلف الفئات العمرية الجديد منها والمستعمل.. منتوجات غذائية سريعة التلف تعرض على الهواء، والناس تشتري؟.. طاولات البيض المسلوق والأجبان والعصير تعرض أيضا كنوع من خدمات الإطعام كما سبق لنا وان اشرنا إليه.. هناك أيضا صنابير المياه.. هوائيات مقعرة.. أجهزة راديو وتلفازات قديمة.. حتى خف (كلاكيت) بترابه وممزق يباع هنا وكذلك أنواع أخرى من الأحذية قد يرجع “تاريخ” بعضها إلى عشرات السنين ولكنها.. تباع! لاحظنا كذلك وجود مساحات بيع مخصصة لبعض النساء ممن لا معيل لهن يفترشن الأرض لبيع أشياء كثيرة، فمنهن من تبيع مستلزمات الخياطة البسيطة: خيوط وابر وبعض المساسيك، ومنهن من تعرض ألبسة رجالية مستعملة تعرضها على الأرض مباشرة حتى من دون ان تضع كيسا بلاستيكيا أو غيرها، وأخرى تعرض أكياسا للحناء وعقاقير مختلفة.. أما الهواتف النقالة فحدث ولا حرج.. قد يلجأ البائع إلى فتح أنواع من تلك الأجهزة وعرض كل جزء منها للبيع...
بعد صداع الترحال بين الزنقات والبحث عن دليل ما قد يوصلنا إلى تأكيد ملاحظة زميلنا التي كانت محركا لنا للقيام بتلك الجولة، وصلنا إلى نقطة البداية: ساحة الساعات الثلاث، حاولنا استدراج احد الباعة وهو صاحب محل لبيع الافرشة المنزلية لنستفسر منه الأمر ولكنه أكد لنا ان السلع هنا تختلف من يوم لآخر وما قد صادف يوم وجودنا بـ«الدلالة” أو غيرها قد لا يكون حتما بالأمس وقد لا يشابه ما سيعرض في الغد.. وقد تقودنا للمكان جولة أخرى فقد نقف على تلك الظاهرة...
وكما علق احد أبناء الحي عن باب الوادي، فإن هذا الحي الواقع بين الجبل والبحر يحتفظ بماض عريق ويتطلع إلى بناء مستقبل أكثر استقرارا بسواعد شباب لا تزال تسري في عروقه دماء الشهداء...