أفرجت السلطة عن آخر لبناتها على طريق الإصلاح، وحسمت أمرها أخيرا بإنشاء لجنة مراجعة الدستور التي طال انتظارها، حيث سينصّب اليوم الوزير الأول عبد المالك سلال، بقصر الحكومة بالعاصمة، الهيئة المعنية، وسط تساؤلات حول معالم هذا التعديل والهدف منه وتوقيته.
وحسب بيان لرئاسة الجمهورية فإنه حسب المشروع التمهيدي للقانون المتضمن التعديل الدستوري قرر الرئيس بوتفليقة تكليف الوزير الأول بتنصيب اللجنة المفوضة بترجتة المقترحات التي سلمتها الأحزاب والتي تضم أساتذة جامعيين ويتعلق الامر بوزير العدل الأسبق عزوز كردون رئيسا ، وفوزية بن باديس وبوزيد لزهري وغوتي مكامشة وعبد الرزاق زوينة أعضاء وستقدم هذه اللجنة نتائج أعمالها في أقرب الآجال الممكنة.
وتعتبر هذه الخطوة تتويجا للقاءات ومشاورات مطولة جرت خلف الأبواب المغلقة، أشرف عليها الرئيس بوتفليقة، كان من بينها الاجتماع الذي انعقد الثلاثاء المنصرم بإقامة جنان الميثاق بالعاصمة وضم كلا من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح، ورئيس المجلس الشعبي الوطني، محمد العربي ولد خليفة، ورئيس المجلس الدستوري، الطيب بلعيز، إضافة إلى بوعلام بسايح، وهو اللقاء الذي وضع الرتوشات الأخيرة على طريق إنشاء اللجنة الموعودة.
وكان الرئيس بوتفليقة قد التزم أمام الجزائريين في خطابه قبل سنتين، بمراجعة الدستور، ومما قاله بهذا الخصوص: ".. فمن أجل تتويج هذا الصرح المؤسساتي الرامي إلى تعزيز الديمقراطية يتعين إدخال التعديلات اللازمة على دستور البلاد.
لقد سبق لي وأن أعربت مرارا عن رغبتي في إخضاع الدستور للمراجعة وجددت تأكيد قناعتي ورغبتي هتين في عدة مناسبات. سيتم ذلك من خلال إنشاء لجنة دستورية تشارك فيها التيارات السياسية الفاعلة وخبراء في القانون الدستوري وستعرض علي اقتراحات أتولاها بالنظر قبل عرضها بما يتلاءم مع مقومات مجتمعنا على موافقة البرلمان أو عرضها لاقتراعكم عن طريق الاستفتاء".
وجاء تشكيل لجنة مراجعة الدستور، تتويجا لجولات من الاستشارات مع الأحزاب السياسية الممثلة في المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، أشرف عليها الوزير الأول، عبد الملك سلال، سلمت خلالها الأحزاب مقترحاتها بشأن التعديل الدستوري المرتقب لسلال، الذي وضعها بدوره على طاولة القاضي الأول لـ "يتولاها بالنظر"، كما قال في خطابه.
ويتساءل الكثير حول هامش حرية هذه اللجنة والصلاحيات الممنوحة لها، ومدى قدرتها على الاستجابة للانشغالات والمقترحات التي رفعتها الطبقة السياسية إلى هيئة الحوار الوطني التي ترأسها عبد القادر بن صالح في صائفة 2011، ومن بعده الوزير الأول، عبد المالك سلال، الخريف المنصرم.
وتراوحت مطالب الطبقة السياسية بين مؤيد ومعارض لضرورة تبني النظام البرلماني، باعتباره النظام الأقرب لتجسيد الإرادة الشعبية، وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، وإمكانية توزيعها بين الوزير الأول مع استحداث منصب نائب الرئيس، وهو المنصب الذي أصبحت الحاجة إليه أكثر من ضرورية حسب بعض الطروحات.
كما يوجد من بين المواد المطروحة للتعديل، ما تعلق بفتح العهد الرئاسية أو تحديدها بعهدتين، كما تشير إلى ذلك المادة 76، والتي عُدلت مرتين في ظرف 12 سنة، آخرها في العام 2008، غير أن ذلك سوف لن يؤثر على إمكانية ترشح الرئيس، لأن الدستور لا يسري بأثر رجعي، على العكس من القوانين العضوية.
وتتوجس الطبقة السياسية من أن تلقى مقترحاتها بشأن تعديل الدستور، نفس المصير الذي آلت إليه مقترحاتها بشأن حزمة القوانين العضوية، في صورة القانون العضوي المتعلق بالأحزاب والقانون العضوي المتعلق بالانتخابات وقانون البلدية وقانون الولاية، والقانون العضوي المتعلق بالإعلام، بحيث تبين بعد تبنيها على مستوى البرلمان، أنها أفرغت تماما من محتواها، وهو الانشغال الذي رفعته الكثير من الأحزاب السياسية، ولم تترد في مناشدة الرئيس بقراءة ثانية له، لكن من دون جدوى.