حياة المولود الحافظي الجزائري
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]الشيخ المولود الحافظي أحد أعلام منطقة عين لقراج - بني حافظ- بني ورتيلان- سطيف
التعريف بالشيخ الحافظي : هو المولود بن الصديق بن العربي، وأمه بنت يحي لقبه سحابي يدعى محليا أعطوط، وينسب إلى قرية بني حافظ الواقعة ببلدية عين القراج دائة بني ورتيلان ولاية سطيف .
ففي قرية بني حافظ الجبلية ولد الشيخ المولود الحافظي سنة 1880،( و يرى البعض أنه من موليد سنة 1895) ، سمي الشيخ الحافظي بالمولود نسبة إلى مولد النبوي الشريف ، وفي هذه المنطقة ولد العديد من كبار العلماء والفقهاء ، فنذكر على سبيل المثال : الشيخ الحسين الورتيلاني ،وحفيده الشيخ الفضيل،وغيرهما.
تعلمه: تلقى تعليمه الأول في مسقط رأسه بني حافظ ،على يد الشيخ الصديق بمسجد القرية ، وفي المدرسة الفرنسية تعلم اللغة الفرنسية ،وأتقنها على يد المعلم "بواسو" ،كما تعلم مبادئ الدين وقواعد اللغة في إحدى زوايا المنطقة ،فقد كان الحافظي يرغب في العلم والمعرفة ،لكن رغبة والده كانت مناقضة لرغبته، فقد كان يجبره على ممارسة الأعمال التقليدية ،وأمر كهذا لا يستغرب في تلك الظروف الاجتماعية القاسية.
معانته الاجتماعية : لقد شاء القدر أن يقع في عائلة الحافظي حادث مؤلم ومأساوي ، فلقد كان الصديق (والد الحافظي) قاسيًا فظًا غليظ القلب ،الأمر الذي جعله يقع في خصومة مع أحد أعمامه ،واسفرت هذه الخصومة على قتله لأحد الافراد ،الامر الذي أدى بالسلطات الفرنسية إلى الزّج به في سجن قسنطينة،ولقد أثرت هذه الحادثة أياما تأثير على نفسية المولود ،لأنه لم يجد من يخفف عليه ثقل المأساة ،فأراد أن يتصرف تصرف الرجال وقت الشدة ،فتقدم إلى أحد المحامين ليتولى مهمة الدفاع عن والده ،غير أنه وجد صعوبة في تقديم مصاريف القضية ،ففكر في الامر طويلا فاهتدى به الرأي إلى بيع قطعة أرض ،عساه ينقذ والده ،لكن الوالد لما سمع بذلك هدده ،وأقسم أنه سيلحقه بالضحية الأولى، إذا أقدم على بيع قطعة أرض، ولو شبرًا منها ،وعلى الرغم من ذلك إلا أن مساعي الابن كانت حثيثة . ولما أفرجت السلطة الفرنسية على والد الحافظي ، قرر الحافظي الفرار لتفادي رد الوالد .
رحلته إلى تونس: غادر المنطقة دون أن يخبر أحد عن رحلته، حتى لايلاحقه والده الذي يعرف عنه السرعة في انجاز الوعيد ،وبعد الرحلة الشاقة والسفر بلا زاد ولارفيق اجتاز الحدود الشرقية يغمره الخوف، البؤس والجوع ،وبوصوله إلى تونس يتصل بأحد أعمامه الذي أجرّه كمستخلص للتذاكير ،وأثناء إقامته في تونس تولدت عنه رغبة كبيرة في الدخول جامع الازهر بمصر ليلتحق بالازهر.
رحلته إلى الازهر: لقدقرر أن يتوجه إلى ميناء بنزرت ،الذي تنطلق منه السفن إلى الاسكندرية ،وبعد أيام من سفر متعب وصل إلى الاسكندرية ،ليلتحق بعد أيام بالجامع الأزهر. فلاشك أن الحافظي ينطبق عليه قول الشاعر العربي :
سافر تجد عوضًا عمن تفارقه فانصب فإن لذيذ العيش في السفر
فقد تلقى علوم كثيرة طيلة إقامته بمصرمنها: دينة، لغوية، أدبية، فلسفية، رياضية وفلكية.
رجوعه إلى الجزائر:كانت رحلة الحافظي إلى مصر ذات أثار في نفسه فبعد ثورة سنة1919،صار التخوف قويًا من الأجانب في اثارة الاضطرابات بمصر فترصدت المخابرات الانجليزية والفرنسية تحركات الطلبة والعلماء الاجانب فشددت عليهم الرقابة، ولم يمض وقت طويلا حتى أصدرت الحكومة الانجليزية مرسومًا يقتضي بضرورة أن بمغادرة الاجانب أرض مصر ،غير أن السلطات الفرنسية شددت الخناق على العائدين من مصر ،ومنهم الحافظي الذي ، طلبت من عائلته تقديم تعهدات على عدم قيامه باثارة الاضطرابات التي كان يثيرها أثناء إقامته بمصر ،ولكن تعذر الامر لحضور أبيه لأنه توفي وعمه في ديار الغربة ، وهذا ماجعله يتأخر في الدخول ،ولما بلغ الخبر مساميع إمام بني ورتيلان الشيخ الخرشي بادر بالاتصال بالقايد عمر بن عبيد وكلّمه بشأن هذا العالم ،فقبل الفكرة ، وقام بالوساطة المشروطة بالالتزامات ،وكان ذلك سنة 1923اعتمادًا على مقال نشره في جريدة النجاح تحت عنوان "حالة الجزائر في العلم والادب "بتاريخ 23/11/1923 وأقام أهالي المنطقة حفلا بمناسبة رجوع ابنهم بأعلى شهادةعلمية.
زواجه : واخيراالتف الحافظي إلى أمر نفسه بعدما كان منهمكا في الابحاث العلمية فقررأن يتزوج ،فأقبل على الزواج وهو متقدم في السن مقارنة بأقرنه في تلك الفترة ،وبقدر ماكان الزوج في المستوى اللائق كانت الزوجةغير ذلك ، فقد رفضت خدمة أم الحافظي،فلم تدم العشرة الزوجية إلا أيام قلائل فكان الفراق بينهما قبل أن ينجبا الأولاد، ثم تلاه الزواج الثاني والأخير في غضون سنة1924بفتاة من نفس القرية وانجبت معه فطومة سنة1927،الصديق سنة1929 العربي الاول سنة 1931،فاطمة الزهراء سنة1932، وزيتونة سنة1934.
وفاته: لقد كان الحافظي نحيل الجسم ضعيف البنية ،وخلال سنة 1947 تسرب إليه مرض خطير، فنقل على جناح السرعة إلى مستشفى قسنطينة ،وبقي هناك مدة طويلة ،،وبدأت حالته تزداد تفاقمًا ،فقد انتفخ جسمه وتورمت قدماه ،وبعد ذلك تم نقله إلى بيته ليعيش اللحظات الاخيرة بين أهله وأولاده الصغار .وفي صبيحة الثلاثاء 23 ربيع الاول 1367 الموافق لـ03فيفري 1948،انتقلت روحه الطاهرة إلى بارئها
ولا: ولادته و نشأته:
ولد العلامة المولود الحافظي سنة 1880م في قرية "بني حافظ" التي ينسب إليها، بلدية "عين القراج"، دائرة بني ورتيلان ولاية سطيف حاليا، هناك شب و ترعرع، و ما إن بلغ سن التمييز حتى دخل الكُتّاب، فحفظ القرآن الكريم مبكرا، ثم دخل المدرسة لتعلم اللغة الفرنسية، و في مدة وجيزة، اكتسب الشيخ الحافظي مبادئ اللغة العربية و الفقه والحساب على يد أهل العلم و الثقافة بالمنطقة.
ثانيا: طلبه للعلم:
رحل الشيخ الحافظي إلى تونس قبيل الحرب العالمية الأولى، و هناك انتظم في سلك الطلبة بجامع الزيتونة، ولأن وضعه المادي لم يكن مستقرا اضطر للبحث عن العمل، فاشتغل لوقت قصير ثم توقف عن العمل فقد كانت رغبته للتفرغ لطلب العلم أقوى من أن تنازعها أي رغبة أخرى، فارتحل إلى مصر عله يجد هناك ظروفا ملائمة تمكنه من التفرغ للدراسة، و بعد متاعب و مشاق كابدها استقبله طلبة المغرب العربي بالأزهر، فعرّفوه بنظام الأزهر و قوانينه وكذا بشيوخه و تكاليفه.
لم ينل من عزيمة شيخنا و إرادته شيء مما سمعه من طلبة الجامع عن همومهم و ما عانوه من متاعب في أول عهدهم، فقد كان آية للعزيمة المتقدة، رافقته على مدى العشرين سنة التي قضاها بالجامع، درس خلالها الشريعة وأصول الدين والتفسير والحديث والفلسفة واللغة والأدب والرياضيات، وتعمق في علم الفلك ونبغ فيه حتى صار مرجعا لأهل العلم فيما يواجههم من معضلات فيه، ليحرز في نهاية العشرينات على شهادة العالمية.
ثالثا: شيوخ الشيخ المولود الحافظي:
للشيخ المولود الحافظي شيوخ كثيرون أخذ عنهم و انتفع بهم و تأثر بهم تأثرا كبيرا، و على رأسهم الشيخ العلامة: بخيت المطيعي الذي كتب عنه أمين فتواه الأستاذ سيد حسن الشقرا إثر وفاته و قال: "إن شخصية الأستاذ الإمام الشيخ محمد بخيت كانت الشخصية المبرزة التي تتلاشى أمام عظمتها جميع شخصيات العلماء، فهو البحر، من أي النواحي أتيته استقيت منه، ثم هو البحر في جلاله و هديره لا ينقص منه شيء ... و لم يتح لعالم أزهري في عصريه القديم و الحديث ما أتيح للفقيد -رحمه الله- من خدمة العلم و الدين و التوفر على البحث و التنقيب طيلة حياته، فهذه مؤلفاته ملك الأسماع و القلوب، وهذه مواقفه المشهورة في مطاردة ذوي الأغراض و الدس من أشباه المسلمين تنطق عليهم بالحجة و تردهم على أعقابهم خاسئين".
لقد تأثر الشيخ المولود الحافظي أيما تأثر بالعلامة المطيعي، فكان لا يذكره إلا بالإعجاب و التقدير، فقد كان غيثا من العلم منهمرا أخلص و نبغ في كل من تتلمذ على يديه، لقد كان مرجعا للعلماء في كل ما شكل عليهم، يقصده الجميع من كل حدب و صوب، كيف لا وهو الذي لم يكن يدخر جهدا في إرشاد المحتار و هداية الضال إلى سبيل الصواب.
لقد أخذ عنه الحافظي حبه للعلم و تقديسه له و انقطاعه إليه و الرغبة الملحة في نشره بكل إخلاص و محاربة ذوي البدع و الخرافات مجاهدا بالفكر و القلم و اللسان، كما أخذ عنه حرصه المنقطع النظير على الوقت و استثماره في النفوذ إلى أغوار العلم بالبحث و الدراسة و التنقيب في أمهات الكتب لاستخراج حقائقه و كشف أسراره في عبقرية نادرة و نبوغ فذ.
رابعا: المكانة العلمية للشيخ المولود الحافظي:
لقد حاز الشيخ الحافظي على شهادة العالمية التي امتحن من أجلها في مختلف العلوم والفنون التي تدرس بالأزهر، كان ذلك على يد علماء أجلاء افتك إعجابهم وحاز على احترامهم وتقديرهم بما حباه الله من فيض علم وقوة استدلال وفصاحة لسان، ورغم كونه قد تضلع في مختلف العلوم إلا أنه قد نبغ في الرياضيات وعلم الفلك، فكان فيهما نادرة زمانه وإليه يعود الحكم والقول الفصل فيهما.
ومما زاد في ذيوع صيته بالأزهر مناظرة جرت بينه وبين أحد زملائه وهو الشيخ الرداد البرقاوي الطرابلسي بحضور جمع غفير من العلماء والطلبة، ولما رفعت القضية إلى الهيئة العلمية العليا بالأزهر حكمت هذه الأخيرة لصالح الحافظي واعترفت له بالتفوق العلمي
خامسا: عودته إلى الوطن ونشاطه:
تغرب الشيخ الحافظي عن وطنه سنوات عدة في سبيل تحصيل العلم والمعرفة، وتحمل من أجل ذلك المتاعب والمشاق ليعود إلى أرض الوطن سنة 1918م مسلحا بهما، واضعا نصب عينيه خدمة بلده والنهوض به في هدف عظيم و غاية نبيلة.
ما إن انتشر خبر عودته إلى مسقط رأسه "ببني حافظ" حتى أخذ الأعيان والشيوخ وطلبة العلم يتوافدون عليها لملاقاته في إجلال و تقدير كبيرين، فظل طوال شهرين محجة للزوار الذين خفقت قلوبهم بحب العلم و العلماء.
بعد أيام من عودته، قرر الحافظي أن يجمع في بيته طائفة من الطلبة المتميزين بالمنطقة ويقوم بتعليمهم بمساعدة من أثريائها الذين يجلون كل ما له علاقة بالعلم ويرون في نشره وخدمة أهله عبادة تقربهم من الله تعالى.
لقد ضحى الحافظي بحريته و راحته و حرية أهله وراحتهم لسنوات في نزعة إنسانية جعلته يسمو بعلمه إلى أن ينفع به و لو على حساب راحته و راحة أسرته.
تعهد الحافظي طلبته: أمثال: الشيخ عبد الحميد بن حالة، الشيخ محمد السعيد اليجري والشيخ عبد القادر الزيتوني ... بتوجيهات بناءة ونصائح ثمينة، وظل يذكي في أعماقهم حب الوطن ويلهب فيهم نزعة النهوض به و تحريره، كيف لا وهم أمل الأمة المنشود ...
بعد سنوات من التعليم قضاها في بيته، انتقل الحافظي إلى زاوية عبد الرحمن اليلولي رفقة جمع من الطلبة، و لصيته الذائع، تضاعف عدد طلبة المعهد بعد انتقال الحافظي إليه، حيث أنشأ ساعة فلكية على رخامة مربعة بالجانب الغربي من المعهد تضبط الوقت بواسطة الظل، لكن جنود الاحتلال خربوها، كما خربوا مثيلتها التي أنشأها بزاوية عبد الرحمن الحملاوي بالعثمانية غرب قسنطينة بعد تنقله إليها، حيث اضطلع هناك طوال المدة التي قضاها فيها بالتدريس و تسيير شؤون التعليم فيها، ليعود مرة ثانية سنة 1947م إلى المعهد اليلولي، لينتقل بعدها إلى المعهد الكتاني بقسنطينة، حيث عمل الحافظي بجد ونشاط وحيوية جعلت المعهد يخطو في عهده خطوات واسعة وموفقة مسجلا أحسن النتائج.
سادسا: صفاته:
عرف الشيخ الحافظي بسرعة بداهته وبعزمه وحماسته، وطموحه الذي يخترق به الحواجز مناشدا حياة كريمة قوامها العلم والمعرفة، لقد كان عنوانا للجد والمثابرة، ومثالا للأخلاق الفاضلة والسلوك القويم، عرف بغزارة علمه وكثرة مطالعته، كما عرف بقوة الحجة و فصاحة اللسان.
سابعا: مجالات جهاده:
آمن الشيخ الحافظي دائما أن العلماء ورثة الأنبياء، و أنهم ورثوا عنهم وظيفة التربية و التعليم و الدعوة إلى الله تعالى وهدايتهم إلى سبيل الرشاد، فجاهد في مجال العقيدة لا سيما مسألة التوسل و الاستغاثة بالصالحين التي نفاها جملة و تفصيلا في مقال له في جريدة الشهاب ردا على مقال نشره أستاذه بالأزهر الشيخ يوسف الدجوي المصري، و الذي نشر بمجلة "نور الإسلام" و نقلته مجلة "الشهاب" وصحيفة "النجاح" و الذي ذهب فيه الشيخ الدجوي إلى جواز التوسل، فكان رد الحافظي أنه: (... إذا امتنع الفعل و العلم من الميت حقيقة ومجازا ولغة امتنع التوسل به و الاستغاثة لأن جوازهما بناء على صحة صدور الفعل منه للسببية الظاهرة و هي مفقودة منه لما عرفت. فوجب ترك التوسل و الاستغاثة بالأموات ...)، هذا و للشيخ الحافظي عدة مقالات في مجال الدين، في مختلف فروع الشريعة و أركان الإيمان، منها تلك التي كتبها تحت عنوان: "سوانح رمضان" المنشورة في "صحيفة النجاح" في شهر رمضان سنتي 1926م و 1927مو التي تعالج مجموعة من القضايا المتعلقة بالدين كالغاية من الصوم و الأبعاد و النتائج التي تنجم عن مجاهدة النفس بالصوم، هذا و تناول في مقالاته مسألة طغيان العوائد على الناس على حساب الشرائع في أحوالهم الاجتماعية و الشخصية من رمضان وإتباع الجنائز والمواريث و الأنكحة والطلاق ...
اهتم الحافظي بالجمعيات الخيرية، و أسهب في بيان دورها في تخفيف البؤس و الشقاء عن الفقراء و المساكين: (الذين أقعدهم العجز عن تحصيل ما يسدون به رمق الحياة، منهم السائل ومنهم المحروم و منهم الملحف ومنهم المتعفف، يقاسون شدائد و يعانون مصائب، يحق لهم أن يستمطروا الرحمة من الأمة و لسان حالهم يقول: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"، فهم إن نادوا المحسنين انكسرت قلوبهم وان سكتوا سكتوا على أحر من الجمر، فكم بتضاعف انكسار خاطرهم إذا ردوا خائبين، و كم تندمي أفئدتهم إذا صادفوا عنفا من قساة عفاة جفاة) معربا عن استيائه من حال من يبذرون المال في أوجه الإثم، و متحسرا من حال من يظنون أن الانفاق في أوجه الخير يؤدي إلى الفقر، ماضيا في تصوير ما يجب أن يكون عليه المسلمون من تراحم و تعاون، لاسيما ما يجب أن تضطلع به الجمعيات الخيرية حتى تؤدي دورها على أكمل وجه، و ذلك تمتينا للعلاقات الاجتماعية التي تضعف و قد تنقطع بسبب حب الذات، ملحا على التمسك بالأخلاق الفاضلة و على رأسها التواضع و الرجوع إلى الحق و قبول الرأي السديد البناء من أي شخص كان واحترام الآخرين و أقوالهم و أفعالهم، داعيا إلى تحكيم شرع الله تعالى تفاديا لأي نزاع أو شقاق أو فرقة: (... دواؤكم بأيديكم يا قوم إن أردتم إصلاح ذات بينكم وهو اتباع القانون السماوي المعصوم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم عزيز، ارجعوا إليه واشربوا من حياضه ... و خذوا منه حياتكم فإنه يدعوكم لما يحييكم)
هذا و لا ننكر على الحافظي وطنيته الصادقة، فهو الذي عكف على دعوة الناس إلى الوحدة ونبذ الفرقة، ورفض الواقع الذي فرضه الاحتلال الفرنسي و أن يصروا على التغيير بقدر استطاعتهم و أن ينهضوا فوق الأحداث و يهتموا بتربية أبنائهم حتى يكونوا عدة للمستقبل، داعيا في سلسلة مقالاته التي نشرها تحت عنوان "العلم و الأدب و حالة الجزائر" عن الإصلاح و المصلحين إلى معرفة أدواء الأمة و الإخلاص في معالجتها، كما عني بالتجنس الذي قال فيه: (بنصرة الدين و تقوى الله و طاعة الله و رسوله فيما جاءت به الشريعة السمحة، هي شروط العزة و السيادة و القوة و السلطان.
و الذين ضيعوا عزة الله و ضاعت منهم العزة و هي في متناول أيديهم و في إمكانهم الحصول عليها أصبحوا يتطلبونها بطريق التجنيس علهم أن يكونوا أعزاء مثل الذين يلحقون بهم و ينتسبون إليهم في عزتهم، و لكن الله سبحانه و تعالى مكر بهم ورد كيدهم في نحورهم بجعلهم أذلاء و أذنابا للذين حاولوا المساواة بهم في عزتهم فإن القانون الآن اعتبر التجنس في درجة متوسطةبين الأهلي غير المتجنس و بين الفرنسي الأهلي، فالفرنسي الأصلي أكبر مقاما من المتجنس المتفرنس و هذا أق منه بكثير، بل الأدهى و الأمر أن المسلم التجنس المتفرنس أق شأنا ن اليهودي و الاسبنيولي و الطلياني و المالطي المتجنس المتفرنس ...)
إلى جانب ما سبق اهتم الحافظي بمجال التربية و التعليم اهتماما كبيرا، فهو يرى أن التعليم من أسباب النهضة إذا ما تولاه الأكفاء، و قد انتقد طريقة التعليم التي تقوم على حشو الأدمغة بالمعلومات و دعا إلى تدريب التلاميذ على الفهم كل حسب استعداده الفكري ليكون بعد ذلك تحريضهم على الحفظ، معبرا عن استيائه من هؤلاء الذين يحملون رسالة نشر العلم و لا ينهضون بها خير النهوض، فالتعليم شرف و عزة و التربية التي لا تقوم على الإسلام و العلم و المعرفة إنما تعد أجيالا لمستقبل معتم و مظلم، منتقدا الزايا الغنية بالأوقاف لكنها تهمل التعليم الذي من أجله أسست ولا تعنى بصرف أموالها فيما وقفت له، أو أن قيامها برسالتها التعليمية التربوية ليست في المستوى المطلوب.
و لا نبرح قبل الحديث عن المجال الذي نبغ فيه الحافظي، ألا وهو مجال الفلك و الكونيات، فقد نشر مقالات عدة عن الأهلة والخسوف و الكسوف وعن الساعات الشمسية التي أنشأها و رسمها
سابعا: وفاته:
انتقل الحافظي إلى رحمة الله فجر يوم الثلاثاء 23 ربيع الأول 1367هـ الموافق لـ: 08 فبراير 1948م، و شيعت جنازته بعد زوال يوم الأربعاء في موكب مهيب شهده الآلاف ممن سالت بهم الطرق من مختلف المناطق ليشهدوا جنازة الأخ و الإمام و العالم، و دفن بمسقط رأسه ببني حافظ.