إنّ ممّا أنعم به الله عزّ وجلّ على هذه الأمّة، ليلة وصفها المولى سبحانه وتعالى بأنّها مباركة، لكثرة خيرها وبركتها وفضلها، إنّها ليلة القدر، عظيمة القدر، ولها أعظم الشّرف وأوفى الأجر، أنزل الله فيها القرآن فقال: {إنّا أنْزَلْنَاهُ فِي ليْلة القدْرِ}.
أُنزل الله عزّ وجلّ القرآن الكريم في تلك اللّيلة المباركة، قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} القدر:1-2، وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} الدخان:3، وسمّيت بهذا الاسم، لأنّ الله سبحانه وتعالى يُقدّر فيها الأرزاق والآجال وحوادث العالم كلّها، فيكتب فيها الأحياء والأموات، والنّاجين والهالكين، والسّعداء والأشقياء، وكلّ ما أراده الله تعالى في تلك السنة، كما قال تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} الدخان:4.
لقد نَوَّه الله جلّ جلاله بشأنها وأظهر عظمتها، فقال جلّ وعلا: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} القدر:2-3، فمن تُقبِّل منها فيها، صارت عبادته تلك تفضل عبادة ألف شهر، أي: ثلاثة وثمانون عاماً وأربعة أشهر، وهذا ثواب كبير وأجر عظيم، على عمل يسير قليل.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ”مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدّم من ذنبه”، يُحييها المؤمن تصديقًا بوعد الله بالثّواب عليه، وطلبًا للأجر، والعبرة بالاجتهاد والإخلاص.
فينبغي على المؤمن الصّادق أن يشغل ليالي العشر الأواخر بهذه العبادات، طلبًا لليلة القدر:
القيام: لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ”مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ” أخرجه البخاري.
الدعاء: لقول عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قال: ”قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي” أخرجه الترمذي.
المحافظة على الفرائض: قال الله تعالى في الحديث القدسي: ”وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ” أخرجه البخاري.
المحافظة على المغرب والعشاء في جماعة: لحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ”.
الاجتهاد في العبادة: فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ”كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل العشر شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ” أخرجه البخاري ومسلم.
الاعتكاف: وبه يتمكن الإنسان من التّشمير عن ساعد الجدّ في طاعة الله، ولذا ”كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يَعْتَكِفُ في كلّ رمضان” كما قالت عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري.