ابعاد الشغل
*تعتبر الرغبة في الحياة المحرّك الأساسي عند جميع الكائنات الحية خاصة
الإنسان والحيوان وهو ما يدفعهم إلى الحركة داخل الوسط الطبيعي بحثا عن
عناصر البقاء وفي محاولة للاستفادة منه فالإنسان يتعامل مع جملة من الظروف
التي تحيط به فيحاول التكيف معها قدر الإمكان لتحقيق متطلبات حياته
الخاصة والعامة لتحقق له الوجود والاستمرارية وكان الشغل ارقي هذه الوسائل
فهو الشيء الوحيد الذي يمجد الحضارات ويرفع من شان الأفراد ، فالفرد الذي
لا يعمل موته خير من حياته و هنا طرحت مشكلة احتلت مكانة كبيرة في علم
النفس تخص الشغل وطبيعته وقد اختلف الفلاسفة في تفسير أبعاد الشغل وهو
الأمر الذي دفعنا إلى طرح إشكالية مفادها الى أي بعد يرتبط به الشغل ؟
*البعد البيولوجي يعبر هنري برغسون عن هذا البعد في مقولتين مفاد
الأولى{ان الصناعة كان تقبل صناعة الحكمة}أما الثانية{ان الإنسان كان صانع
قبل ان يكون مفكرا}نكتشف ان الشغل يحمل في ارحامه بعدا بيولوجيا وهو اقدم
بعد على الإطلاق وجد بوجود الانسان ومتصل به مباشرة اذا وجود الإنسان
الأول جعله بحاجة الطبيعة نفسها وأول ما شد انتباهه الحاجة البيولوجية
بدورها عدت الدافع الأساسي للشغل حتى يستطيع أن يتأقلم مع الطبيعة فلو
نظرنا إلى الطرف الآخر من القضية نجد أن الإنسان كان بيولوجي بطبعه فحملته
هذه الطبيعة الى تجاوز العوائق فكان بحاجة الى الأكل واللباس الدفاع عن
النفس ومأوى فاخذ من جلود الحيوانات لباسا ومن لحومها أكلا ومن الحجارة
أدوات يدافع بها عن نفسه ومن الكهوف مأوى ولو رجعنا الى عصر جامعي الغذاء
سنجد ان الانسان شغله الشاغل هوا لقوة ألا يدل هذا على البعد البيولوجي هو
احد اهم الأسس التي يسعى الى تحقيقها فالشغل على حد تعبير هنري يرمي الى
تحقيق مقاصد بيولوجية تخص الانسان مباشرة وتتمثل في مجابهة الطبيعة وإحداث
التكيف البيولوجي لغاية العيش والحفاظ على البقاء فكان الانسان يعمل لتحقيق
الجانب البيولوجي .
*البعد المادي:لعل تطور الشغل في جانبه البيولوجي وفي مفهومه ونتائجه أصبح
أمرا ضروريا ان يتطور في أبعاده فأصبح الانسان يسعى الى تجاوز اهدافه
البيولوجية فارتقى بذلك الى تحقيق بعد اخر ألا وهو البعد المادي لاسيما وان
كنا نعلم ان الشغل من نتائجه الثروة هذه الأخيرة في أمس الحاجة الى نظام
اقتصادي أساسه الشغل محوره العامل فظهرت الى الوجود أنظمة اقتصادية
كالرأسمالية و الاشتراكية تنظر هذه الأنظمة الى الشغل نظرة مادية بحكم انه
الوسيلة الوحيدة التي تتحقق لنا البعد المادي فقط لان الأنظمة الاقتصادية
أخذت من العمل ذريعة لتحقيق المادة فادم سميث يبني الرأسمالية على غاية
وحيدة هي تحقيق الربح لان الملكية الفردية للإنتاج ووسائل الانتاج ترمي الى
أن يتملك الفرد ما يريد ولاياتي له هذا إلا في وجود الحرية الاقتصادية حسب
ما يمكن للفرد لا يمارس أي نشاط اقتصادي من شانه ان يحقق الربح وللتأكد من
هذه النظرية المادية للشغل من خلال قانون العرض والطلب الذي يعمل على
تسيير الشؤون الاقتصادية في غنى عن الدولة فسعر السلع=ثمن التكلفة+الربح
المعقول الا يدل هذا على ان النظام الرأسمالية اعتبر الشغل وسيلة لزيادة
الملكية الاقتصادية والجدير بالذكر ان فائض القيمة الغاشم احسن دليل على
ذلك ان الشغل يرمي الى تحقيق منافع مادية فالشغل في النظام الرأسمالي وسيلة
للحفاظ على الارستقراطية. الى جانب هذا نجد نفس النظرية عند كارل ماركس
بالرغم انه يختلف عن ادم سميث في الأسس والمبادئ فالشغل عند كارل هو
الواسطة التي تمكن الطبقة الكادحة من تغيير وضعياتها والانتقال الى وضعية
احسن تمثلت في تمليك الصناعة وهذا لاياتي الا في وجود الشغل فالإنسان في
نظر كارل عبارة عن آلة لتحقيق الربح المادي فهو شحم ولحم وعظم خال من الروح
حيث يعد الانسان آلة تشغل من اجل تحقيق المصلحة الجماعية المادية.ولو
تأملنا علاقة البيئة التحتية والبيئة الفوقية سنجد على ما يدل على ان الشغل
يرمي الى التطور الاقتصادي فان كانت البيئة التحتية والبعد المادي فان لها
تأثير مطلق والتي تمثل الجانب الثقافي و الحضاري في اطارعلاقة التأثير
فانه نستنتج ان الشغل هو المحرك الاساسي للاقتصاد.
*البعد الروحي تنظر الفلسفة اليونانية والإغريقية للشغل نظرة سلبية حيث
احتقرت كل منها الشغل العضلي وجعله من نصيب العبيد فيعتقد أرسطو ان الرق هم
النوع الأدنى وهم اقل شان فالشغل اذا من نصيبهم حتى ان الفلسفة اليونانية
قسمت العالم الى قسمين قسم روحي ويسمى بالقسم العلوي تقصر فقط على صناعة
الأفكار و الحكم يمثل هذا القسم طبقة الأسياد اما النوع الثاني من هذا
العالم هو العالم المتدني السفلي و يعتبر الشغل من نصيبه لهذا تؤكد الفلسفة
اليونانية على انها خزي و عار يعبر عن هذا الرأي أرسطو لقوله{ان الشغل خزي
و عار و هو من نصيب العبيد}و يؤكد شيشرون على ان الشغل ابدا لن تكون صلة
بالنبلاء وعلى حد تعبيره انه{لاشيء نبيل يخرج من ان الشغل لا يمكن ان يحقق
لنا بعدا أخلاقيا ورشة او دكانه }فعلى حد تعبير الفلسفة الإغريقية و
اليونانية ان الشغل لا يمكن ان يحقق لنا بعدا اخلاقيا نفس الفكرة نجدها عند
الإقطاعيين و الرأسماليين فالإقطاعية تنظر الى الشغل نظرة سلبية مشككة في
ان يكون الشغل في نظر الإقطاعيين يطيح من قيمة الإنسان و يجعله حيوان فادم
سميث تبنى نفس الفكرة مؤكدا على ان الشغل وسيلة للاستغلال وسلب جهد الطبقة
الكادحة فالشغل بهذا المنظور وسيلة للعبودية و الاحتقار حتى الديانة
المسيحية تعتبر الشغل عقابا من الله على عباده المقترفين للذنوب و لكن
التاريخ سيشهد بان هذه النظرة السلبية لم يكن بها صدى لان هناك نظرة اخرى
رفعت من قيمة الشغل و جعلته يحتل ارقى المراتب و قدسته و تمثلت في نظرة
الديانة الإسلامية فالشغل بالمنظور الإسلامي وسيلة لتقرب الإنسان من ربه
مصداقا لقوله:وقل اعملوا فسيرى الله أعمالكم ورسوله والمؤمنون}وقوله ص
{اليد العليا خير من اليد السفلى}وتتأكد هذه النظرة في الديانة الإسلامية
كما يروى عن الرسول ص انه أعجب بشخص كثير التعبد فسال عن معينه فاخبره انه
أخاه فكان رد فعل الرسول ص اتجاه ذلك الشخص قائلا ان اخاه اقرب من الله منه
لان العمل عبادة فالشغل وسيلة للتحرر فلولاه لما استقرت الحياة ولما حس
الفرد بحريته وبتالي بكرامته فالشغل يحقق للفرد قيم أخلاقية كالشجاعة و
الإقدام ويقضي على الجبن والكسل فالشغل يكسب الفرد شعور بأنه مكلف شرعيا
بجميع أفعاله والتكليف الشرعي قيمة اخلاقية عظمة من شانها ان تدفع الفرد
الى أداء أعماله على أكمل وجه كما ان الشغل يكسب الفرد فضائل ويقضي على
الرذائل فيتضح لنا هذا من خلال الفرق بين شخص بطال و الاخر يشتغل ستجد حتما
ان الفرد النشيط مسؤول أخلاقيا عما يقدمه ويعبر عن هذا فولتار لقوله{ان
الشغل يقضي على ثلاث أفات الحاجة والرذيلة والفراغ}ألا يدل هذا ان الشغل
نظام أخلاقي يتعدى البعد المادي والبيولوجي.
* البعد النفسي ان الإنسان منذ ان وجد على سطح الأرض راح يتفاعل مع
الطبيعة ويجابهها مناجل معرفة قوانينها وكشف مكوناتها وتأثيراتها وتأثر بها
بالرغم من ذلك فانه مزال يشعر الاضطرابات ومزال يشعر بعدم التكيف مع نفسه
ومع واقعة الأمر الذي دفعه بالاهتمام بجانب يخصه هو الجانب النفسي فاكتشف
انه كان يعيش في دائرة مفرغة وحيز مغلق ويصطلح عليه بالاضطرابات النفسية
المقيدة لقوانين وشروط لا يمكن فهمها الا بالعمل والشغل فبالعمل نقضي على
القلق والوسواس القهري يسير الى هذا الفيلسوف سيدز ان من بين مرضاه لم تؤثر
عليهم فكرة النظافة فكان يكفلهم بأشغال بسيطة تخرجهم من حالة القوقعة و
تقضي على تلك الافكار القهرية فالشغل يحمل مفهوما تحرريا و هذا ما سماه
الطبيب النفسي بيارجنيه بريك ان الجهد العضلي يحقق الذكر مع النفس و الواقع
مع المجتمع ولا يخل بالرأي اذا تعرضنا الى الفرق بين شخصين احداهما يعمل و
الاخر دون عمل حتما سنجد ان الشغل يقضي على القلق والفراغ و هذا ما عبر
عنه فولتار فالشغل يحقق الوجود الإنساني في ظل الوعي فهو الكفيل لتحقيق
الراحة النفسية و طالما اكده علماء النفس العلاجي-(الإكلينيكي)فالشغل وسيلة
علاجية تمكن المضطربين نفسيا من اكتساب الراحة النفسية و القضاء على
التوتر و تحقيق التكيف
*البعد الاجتماعي لو نظرنا الى طبيعة الإنسان سنجده اجتماعي بطبعه و كل ما
يميزه يستمده من المجتمع اذا كنا نعلم ان الفرد لا يستطيع العيش بمعزل عن
الجماعة فالفرد لايستطيع ان يبعد نفسه لا دين ولا نظام سياسي ولا اقتصادي
فكل هذه المتغيرات تعود الى المجتمع ولو نتحدث عن حد النظام الاقتصادي سنجد
انه ارتبط بعدة مفاهيم من صيغ الشغل.فالشغل في نظر علماء الاجتماع وسيلة
لمقاومة شروط الغياب تبنى هذه الفكرة عبد الرحمان ابن خلدون يرى ان الشغل
ظاهرة اجتماعية ملازمة للعمران البشري فالعلاقة بين الشغل و بين العمران هي
علاقة تلازم في الحضور و الغياب اذ حضر الشغل حضر المجتمع و اذا غاب الشغل
غاب المجتمع فالشغل على هذا الاساس ظاهرة مثل باقي الظواهر الاخرى بل هو
واجب اجتماعي يؤدي تركه الى الفساد حيث يستدل ابن خلدون على رأيه هذا بما
يسمى تقسيم العمل فليس كل افراد المجمع يشتركون في عمل واحد بل كل حسب
مؤهلاته ولعل الاختلاف في الشغل يجعل أفراد المجتمع بحاجة الى بعضهم البعض
إضافة الى هذا فان علماء الاجتماع يرون ان الشغل وسيلة تربط وتحمل التقارب
والمحبة بين افراد المجتمع كما يحمل الشغل في كيفيته مفهوم التكافل
الاجتماعي فالشغل اذن هو عنوانا للمجتمعات الراقية فلا يمكن لأي مجتمع ان
يثبت وجوده و حضارته وثقافته بعيدا عن الشغل
* الشغل ظاهرة تاريخية ارتبط في البداية بتلبية مطالب الإنسان البيولوجية
ثم ارتقى بالإنسان من مستوى الغريزة إلى مستوى الوعي وتجسّد ببذلك التلاحم
بين العقل والمادة وكما قال "مونييي"{يهدف كل عمل إلى أن يصنع في نفس الوقت
إنسانا وشيئا}. وتحوّل الشغل إلى عنوان لتكامل الشخصية, وفي نظر "فريدمان"
حقق الشغل توازن الفرد مع المجتمع وأثر بصورة فعالة في صحة الإنسان
البدنية والعقلية فالعامل يعي ذاته ويشعر بــحريته وكما قال "سارتر" في
كتابه [مواقف]{الشغل أكسب الإنسان السيطرة على الأشياء''.
*وفي الأخير يمكن القول أن الشغل ظاهرة إنسانية قديمة كان عنوانا للعبودية
في الفلسفة اليونانية والرومانية وتحوّل تحت تأثير فلاسفة الإسلام والعصر
الحديث إلى مصدر للتحرر, طرح الكثير من الإشكالات بهدف التوصل إلى طبيعته
وتحديد أهدافه وهذه الإشكالية الأساسية في مقالنا هذا الذي بحثنا من خلاله
أبعاد الشغل ومن كل ذلك نستنتج:حقيقة الشغل تكمن في قدرته على إشباع جميع
أبعاد شخصية الإنسان
الشعور واللاشعور
*تحتوي الحياة الإنسانية على خبايا يصعب في الكثير من الأحيان الكشف عن
ماهيتها وتفسير دلالتها لذا عدت الدراسات النفسية أصعب الدراسات التي واجهت
علم النفس نضرا لطبيعة الحادثة مما جعل الكثير من المبادئ والنظريات
والقوانين في هاته الدراسات تحدث جدلا في في التسليم بها وهذا ما حدث فعلا
في القرن19 نتيجة البحوث التي قام بها العديد من الباحثين في مجالات
الدراسات النفسية حيث أشار جمهرة من الباحثين أن هناك ظواهر نفسية لا يدرك
أسبابها ولا يمكن أن يعيها واصطلحوا عليها بالظواهر اللاشعورية وفي مقابل
ذلك هناك قلل بالإيمان بهذا الرأي على أساس عدم التسليم بنظرية اللاشعور
لأن الحياة النفسية تلح ضرورة الأيمان بالشعور وإذا كان الشعور هو حدس
الذات فهل هذا يعني أنه عماد الحياة النفسية؟ولكن هناك حالات يغيب فيها
الوعي وتسمى بالحياة اللاشعورية بين هذا وذاك أين نجد الرأي الأصح؟أو
بعبارة أخرى هل الإيمان بالشعور يتنافى مع اللاشعور؟
*تحملنا الإشكالية السالفة الذكر إلى التطرق للرأيين المتناقضين بداية برأي
سيغموند فرويد الذي أكد أن الحياة النفسية حياة لاشعورية ونفى تماما دور
الشعور حيث يرى أن عماد الحياة النفسية هو اللاشعور وأكد أن جميع تصرفات
الإنسان لا يعيها و قدم عدة أدلة على ذلك من بينها طرق اكتشاف اللاشعور
بداية بفلتات اللسان والتي تعد أولى الطرق التي تكتشف بها أن الحياة
النفسية حياة لا شعورية الرئيس النمساوي الذي دخل قاعة الجلسات ليفتتح
الجلسة فبدلا من قوله فتحت الجلسة قال رفعت الجلسة وكذلك زلات القلم والتي
هي تعبير لاشعوري مثل الشعراء و الرسامين كما تعد الأحلام أيضا من أهم طرق
اكتشاف اللاشعور وقد أعطنا فرويد مثالا يتمثل في المرأة التي كان زوجها في
صدد إقامة حفلة وكانت من بين المدعوات فتاة فاتنة فخافت على زوجها من
اغرامة بتلك الفتاة فكتمت هذا الخوف وهي نائمة فلجأت الى أحلام اليقظة
للتخفيف عن نفسها وقد أعطانا فرويد أيضا مثالا حول الحيل وهي الفتاة
القصيرة التي التي تلجأ الى استعمال الكعب العالي لعدم ارتياحها لقصرها
ويقول سيغوند فرويد في شأن النسيان"إننا ننسى كل مالا نرغب فيه"كنسيان اسم
شخص ألحق بنا ضرر نناديه باسم أخر وكذلك الإسقاط كإسقاط كره شخص على شخص
آخر ومن بين أدلة فرويد تقسيم الجهاز النفسي الى ثلاثة أقسام بداية من الهو
وهو مجموعة الغرائز الجنسية الحيوانية وهو مخزن طاقة الإنسان(غريزة
الليبيدو)وهو كما وصفه فرويد مخزن للطاقات الحيوانية الجنسية يسير وفق مبدأ
اللذة فهو يطلب دائما الإشباع الجنسي بعيدا عن جملة الأحكام الأخلاقية
يكون دوما في صراع مع الأخلاق و يكون عمله في إطار لاشعوري والأنا في نضر
فرويد يستمد طاقته من الأنا الأعلى وهو جزء منه وهو في نضر علماء التحليل
النفسي أحد أقسام التنظيم النفسي فهو يمثل الساحة التي يقع فيها الصراع بين
متطلبات الهو والانا الأعلى ويمثل الجهاز المراقب والتنفيذي وفقا لمبدأ
الواقع ويمثل الأنا الأعلى مجموعة من القيم الأخلاقية تكون منذ الطفولة
وهو قوة مضادة لتلك الرغبات الجنسية فكلما تمكن الطفل من الاكتشاف والتحكم
في هذه الرغبات كلما اكتمل بناءه ونموه وبناءا على هذا وضع فرويد قواعد
الحياة النفسية فقد شرح مثلث الاوديب بهذا الشكل
معنى أن الطفل خلال3الى 6سنوات يحب امه أكثر من أباه والبنت تحب أباها أكثر
من أمها وحتى يدعم سيغموند فرويد رأيه هذا راح يبحث في الدراسات النفسية
فوجد أن التداعي الحر هو عماد التحليل النفسي مع العلم أن التداعي الحر عوض
طريقة التنويم المغناطيسي لأن في الطريقة الأولى(التداعي الحر) يتمكن
الفرد من التفريغ النفسي وإخراج كل ما في ساحة اللاشعور من مكبوتات قد تؤدي
بالفرد الى الإصابة ببعض الاضطرابات النفسية.
*دراسات سيغموند فرويد لا يستهان بها فقد دفعت بعجلة علم النفس لأنه أعطى
أهمية كبيرة للجانب النفسي الذي يعتبر أهم جانب في الإنسان لكن دراسته جد
محدودة و جد مغلقة فهو من يؤكد أن الإنسان تتحكم فيه جملة من الغرائز
الجنسية فأين دور العقل؟فقد انتقد سيغموند فرويد كثيرا من قبل تلاميذه منهم
لوكاش جورج الذي قال"ان سيكولوجيا فرويد هي سيكولوجيا الرجل المريض أو
العاطل عن العمل"ويقصد بع أن التحليل النفسي الذي أتى به فرويد هو تحليل
الرجل المريض أو العاطل عن العمل كما حولوا مركز ثقل في الحياة النفسية من
الشعور الى اللاشعور وهو الأمر الذي يجعل الانسان أشبه من لحيوان مسير
بجملة من الغرائز والميول المكبوتة في اللاشعور.
*على ضوء ما قيل سالفا يمكننا التطرق للرأي الثاني و الذي يقف موقفا مناقضا
و مشككا جاء به نظرية إثبات اللاشعور و هم أنصار النظرية الكلاسيكية التي
يمثلها كل من ابن سينا . روني ديكارت و الذين يؤمنون بأن الحياة النفسية
حياة شعورية بداية بروني ديكارت الذي يرى أن الحياة نفسية برمتها و بمختلف
حوادثها تقوم على أساس اللاشعور فالحياة النفسية مكافئة تاما للحياة
الشعورية لا سيما ان كنا نعلم أن نعلم أن الشعور ديمومة مستمرة و متغيرة
فالفرد حي و يشعر بمختلف سلوكاته و كل دعوة ترمي الى رفض الحياة الشعورية
هي دعوة باطلة يرفض بهذا روني ديكارت رفضا مطلقا أن تكون هناك حياة نفسية
لا شعورية ينطلق من مسلمة مفادها أولوية الفكر (الشعور) عن الوجود و يقول
في هذا الشأن " أنا أفكر اذا أنا موجود" فالتفكير وظيفة عقلية لا تقوم بها
النفس الا اذا كانت واعية فالنفس البشرية اذن لا تنقطع عن التفكير (الشعور)
الا اذا انقطع عن الوجود و التفكير نظر رونيه ديكارت لا يقوم مقامه إلا
إذا احمل في أرحامه مفهوم الشعور فالتفكير دل في دلالة الشعور فلا وجود
لحياة نفسية لا نشعر بها و دليلها على ذلك أننا لا نستطيع ان نجزم بأن
الإنسان سيشعر في هذه الحالة و لا يشعر بتلك الحالة فضرب من ضروب الفوضى أن
نجد الحياة النفسية خارج حياة شعورية سوى الحياة الفيزيولوجية كما يقف ابن
سينا موقفا ايجابيا من موقف رونيه ديكارت فهم يتفقون على أن الانقطاع عن
الشعور هو الانقطاع عن الحياة و يرى أن جوهر الحياة النفسية هي الحياة
الشعورية أيضا أن الجمع بين الشعور و اللاشعور هو الجمع بين متناقضين و
يستحيل الجمع بينهما مثلما جمع بين الليل و النهار و ضرب من ضروب المستحيل
فالشعور اللاشعور هم كذلك و هل الجمع بين المتناقضات يعطينا شيئ من
فالإيمان بحياة نفسية شعورية يتنافى تماما مع اللاشعورية و يؤكد في كل فكرة
أن الشعور جوهر الحياة النفسية كل من مونتي و سقراط حيث يقول مونتي "لاأحد
يعرفك أنك نابغة أو جبان إلا أنت" و في قول سقراط "اعرف نفسك بنفسك " تحمل
هاتين المقولتين مفهوما واضحا و جليا للشعور فالشعور هو الوساطة التي يعرف
الفرد على أحواله النفسية و يساندهم الرأي هيجل حيث يرى أن الحياة النفسية
مساوية للحياة الشعورية فنحن ندرك كل دواعي سلوكاتنا ل يمكن أن تكون هناك
حالات غير شرعية لأن هذا القول يتناقض مع الواقع و العقل و هذين المفهومين
كل منهما يمثل السبيل لإدراك الذات(النفس) على أساس الشعور و كل الحالات
الواقعية و العقلية حياة شعورية نابغة من الذات الشاعرة (الشعور) يقول بهذا
"كل ماهو واقعي عقلي و كل ما هو عقلي واقعي" و يدعم هذا الرأي سيتكار في
قوله "لا أؤمن إلا بالشعور و لقد أمنت في المرحلة الأولى بوجود حالات لا
شعورية لكن بعد تجاربي التي دامت ثلاثين سنة وجدت أن كل الأفكار المكبوتة
يشعر بها المريض لكن ينم تجاهلها لأن المرضى يخافون من الحقيقة "هذا ان دل
فإنما يدل على أن الشعور هو مفتاح فهم الشخصية كما نجد جول بول سارتر و
الذي يذهب الى القول الى أن الوجود الإنساني أسبق من الماهية ففي نظر جون
بول سارتر الإنسان لم يختر وجوده فقد قذف به في هذا الكون لذا يعتبر في
هاته الحالة عبارة عن مشروع لابد من تحقيق ما يصبو له و ما ينشده و مصيره و
شخصيته و هو يملك كامل الحرية في تجسيد ذلك و لكن هذا لا يتحقق الا في
وجود الشعور و يقول أيضا "ان السلوك الإنساني يجري دائما في مجرى شعوري"
فلولا الشعور لما كان الوجود .
*متعصبون نحن ومجحفون لو وقفنا ووافقنا مع ما جاء به ديكارت وزملائه
فالمتأمل لهذا الرأي سيدرك تماما الأخطاء التي وقع فيها أنصار هذا الرأي
فلا يمكن حصر النفس في الجانب الشعوري فقط لأن النفس أوسع من ذلك فهي تشمل
عدة جوانب كالذاكرة والذكاء إضافة الى وجود حالات وسلوكات لدى الإنسان
مجهولة أسبابها فهي تصدر دون وعي كالقلق والكره والفرح وهذا ما دفع بواطسون
للتصدي لهذا الرأي حين قال "لنفرض أن الفكر في الرأس و الحزن في القلب و
الحسرة في الكبد فأين مقر الشعور"
*ان التحليل النفسي لظاهرة الشعور اللاشعور تجب ان يرتكز على منطلقات
تاريخية و منطقية فالنفس البشرية درسها الفلاسفة و ركز عليها أنصار
اللاشعور و يهتم بها في عصرنا أنصار المدرسة السلوكية قال أحد الفلاسفة
"علم النفس عند أول ظهورها زهقت روحه ثم خرج عقله ثم زال الشعور و بقي
المظهر الخارجي و هو السلوك" و من هذا المنطلق لا يمكن إهمال الشعور و لا
يمكن التنكر للاشعور لأنه حقيقة علمية وواقعية دون المبالغة في تحديد دوره
فالسلوك الإنساني في محصلة العوامل شعورية و لا شعورية .
* و مجمل القول أن دراسة النفس الإنسانية قسم من أقسام الفلسفة القديمة
حيث حاول الفلاسفة فهم حقيقة الروح و علاقتها بالجسد و في العصر الحديث
ظهرت إشكالات جديدة أهمها الشعور و اللاشعور. و هي إشكالية حاولنا بحثها في
هذه المقالة من خلال التطرق الى نظريتين متناقضتين النظرية التقليدية التي
اعتبرت الشعور أساس الأحوال الشخصية و نظرية النفسي التي ركزت على
اللاشعور و من كل ما سبق نستنتج الحياة النفسية يمتزج فيها الشعور و
اللاشعور و لا يمكن التنكر لأحدهما.
الحقيقة بين النسبي والمطلق
*يعيش الإنسان في عالم يحتوي على العديد من الظواهر يجهل ماهيتها وحقيقتها
فتعترض وجوده صعوبات جمة وعوائق تعيق تكيفه مع هذه الواقع المجهول وحتى
يحقق هذا التأقلم لابد له من أن يرفع الستار عن هذا الغموض وعن ما تحمله
الطبيعة من أسرار فيحدث تفاعل بينه وبين المحيط الذي يعيش فيه وبحكم أنه
كائن عاقل هذه الطبيعة جعلت ميزة الفضول والرغبة في المعرفة والكشف عن
جوهرها متجذرة فيه وهذا ما يفسر سعيه إلى طلب الحكمة وبلوغ الحقيقة وتجدر
الإشارة إلى أن الحقيقة كموضوع ومفهوم وردت في بعض التعاريف الفلسفية بأنها
الأمر الذي لا يتخلله التناقض ومن ثمة فهو جوهر الشيء ويراها البعض الأخر
أنها الأمر الممكن في العقل أو هي مطابقة النتائج للمنطلقات بل هي
المنطلقات ذاتها وفي بعض اصطلاحات الفلاسفة هي الكائن الموصوف بالثبات
والمطلقية كحقيقة الله والخير ويقابل هذا التعريف الحقيقة الإضافية أو
الظاهرة أو النسبية هذه المقابلة بين الحقائق النسبية والمطلقة شكلت محورا
أساسيا في كل الفلسفات الكلاسيكية وحتى الحديثة فنتج عن هذا العديد من
الدراسات والأبحاث الشائكة التي اهتم بها الإنسان وأعطاها حقها في الدراسة
والبحث في أصلها ومعاييرها التي تعددت وتنوعت حسب نزعات الفلاسفة فصبت
الواحدة في الطبيعة المطلقة للحقيقة على أساس أنها تتصف بالثبات والكمال
والديمومة أما الأخرى فاهتمت بالحقيقة النسبية المتغيرة بحسب المكان
والزمان فهي حقيقة تقريبية احتمالية جزئية ومؤقتة على أساس هذا الخلاف
الفلسفي ظهر جدال ونقاش بين جمهرة من الفلاسفة حيث يؤكد الرأي الأول أن
الحقيقة مطلقة أزلية إلا أن هذا الرأي لم يلقى ترحيبا فلسفيا خاصة عند
العلماء مؤكدين أن الحقيقة متغيرة غير ثابتة وتقودنا هاته الاضطرابات إلى
سؤال فحواه هل الحقيقة مطلقة أو نسبية؟أو بعبارة أخرى بين الثبات والتغير
الكل والجزء أين نجد طبيعة الحقيقة؟
*إن البحث و الحديث عن الطبيعة الحقيقية يقودنا إلى الكشف عن الآراء التي
تؤكد و تقر بمطلقاتها كطرح فلسفي يحمل العديد من الأبعاد الفلسفية منها و
الوضعية أي العلمية و حتى الصوفية حيث يشير مفهوم الحقيقة الأبدية إلى
استحالة دحض مجموعة المعطيات و المبادئ خلال تطور مسيرة المعرفة الإنسانية و
يندرج هذا المفهوم في تطورات الإنسان عن الخالق الأزلي و الكون المخلوق و
نحو ذلك فالله عز و جل حقيقة أزلية و أبادية لا تقبل الشك و الدحض و
البطلان كما تشكل الحقيقة المطلقة قاطعة كلية مع تصورات نسبية فهي خاصة
بطبيعة الإله و خلق الكون و الموجودات إذن هي حقائق تتصف بالكمال و الثبات و
الديمومة يسعى إليه الباحث و الفيلسوف بواسطة العقل من يبلغ أقصاها فلا
حيرة و لا عجب إذا كانت حقيقة الحقائق هي الإنسانية ينشدها الفرد حتى
يبلغها فهذا المفهوم للحقيقة المطلقة نجده عند العديد من الفلاسفة
المثاليين و الكلاسيكيين و المتصدقين حيث يتبنى هؤلاء المفكرين فكرة أن
الحقيقة مطلقة مؤكدين بذلك أنها المبدأ أو الغاية في آن واحد التي إليها
الحكماء و أهل الفضول و الذوق فالمطلق يشير إلى ذاته و بذاته و لذاته و من
بين الفلاسفة المدعمين لهاته الأفكار الفيلسوف المثالي اليوناني أفلاطون و
الذي يؤكد أن الحقيقة مطلقة و أزلية تدرك عن طريق العقل المفارق للعالم
المادي حيث ميز أفلاطون بين عالمين عالم المثل و هو عالم ثابت و دائم و
خالد و العالم المحسوس متغير و مؤقت و فان و فاسد و الخير الأمم هو الحقائق
المطلقة التي توجد في عالم المثل عالم عقلي خالص تكسوه حقائق أزلية بداية
بالخير مرور بالجمال ووصولا إلى الرياضيات حيث يقول " أن النفس البشرية
لما كانت متصلة بعالم المثل كانت تدرك حقيقة و جوهر الشيء و لما هبطت إلى
العالم المادي فقدت ذلك الإدراك " و يقول كذلك " الحقيقة هي المثل " و
إلى نفس الرأي يذهب سقراط إلى القول بأن الفيلسوف الحق هو الذي يطلب الموت و
يتعلمه ليبلغ الحقيقة المطلقة " فعلى الروح على حد تعبيره الهبوط إلى
أعماق نفسها حتى تستنبط الحقائق الكاملة في تلك الأعماق و لا نخل برأي إذا
عرضنا على موقف روني ديكارت أبو الفلسفة الحديثة الذي يؤكد و بدرجة كبيرة
مطلقة الحقيقة التي لا يمكن أن ترتبط بالواقع الحسي بل هي أفكار قائمة في
العقل و مرتبطة بقوانينه و مبادئه الدائمة و الأزلية التي لا يمكن أن تتغير
فالعقل أساس لكل معرفة حقيقية لأن أحكامه تتميز بالشمول و الوضوح حيث يتفق
" ديكارت سبينوزا " على أن الحقيقة تحمل في طياتها الوضوح و تتطابق مع
مبادئ العقل مثل البديهيات الرياضية و انتهى ديكارت من خلال جملة الشك إلى
إثبات وجود الأشياء و توصل في مبادئه المشهورة إلى أن التفكير هو أساس
الوجود و يستطيع الإنسان التوصل إلى هذه المعارف كلما استعمل عقله و لقد
كانت هذه الفكرة المنطلق الضروري الذي اعتمده ديكارت ليبين أساس الحقيقة
المتمثل في العقل و من خلالها يبين باقي الحقائق الموجودة و الفكرة ذاتها
نجدها عند الرياضيين الكلاسيكيين الذين يحطون الحقيقة بالصدق و اليقين و
الثبات و هذا ما نجده في الحقائق الرياضية التي تعرف بأنها روح العلم و علم
المفاهيم الكمية المجردة القائمة على أساس الاستنباط العقلي الذي يقتضي
التكامل بين المبادئ و النتائج مع العلم أن مبادئ الرياضيات الكلاسيكية
المسلمات و البديهيات و التعريفات صادقة صدقا عقليا خاصة إذا كنا نعلم أن
أساسها الوضوح و الوضوح مصدره العقل الخطان المتوازيات لا يلتقيان أبدا و
الكل أكبر من الجزء فهذه البديهيات واضحة وضوحا عقليا و لا تزال قائمة إلى
حد اليوم إضافة إلى هذا فالتعريف الرياضية تعريفات ذهنية عقلية فالدائرة
مثلا تعرف على أنها منحنى مغلق جميع نقاطه على بعد متساوي من نقطة واحدة
ثابتة و على هذا الأساس فالرياضيات كحقيقة مطلقة في منهجها و معطياتها و
مبادئها كانت و ظلت عقلية و ينطبق هذا الطرح مع مذاهب أرسطو حيث أكد أن
الحقيقة تكمن في فكرة المحرك الأول الذي يحرك كل شيء و لا يتحرك فهو أبدي و
أزلي هو الله الذي يجب أن نؤمن به لأنه الأصل و المبدأ فهو صورة العالم و
مبدأ حياته فهذا الطرح يوصلنا إلى فكرة الثبات في الحقائق و الشمول فيدافع
عن مطلقية الحقيقة فلاسفة العالم التقليدي كامرسون و بوان كاريه و كلود
برنارد حيث يرون أن الطبيعة و أجزائها تخضع لمبدأ الحتمية الطلق الذي يقتضي
أنه متى توفرت نفس الشروط أدت حتما إلى نفس النتائج فلكون بأسره يخضع
لنظام ثابت لا يقبل و لا الاحتمال يمكن التنبؤ به متى حدثت الشروط التي
تحدد الظواهر فالحتمية كقاعدة علمية مطلقة و هذا ما تبناه كلود برنارد
بقوله " أنه لا يمكن لأي باحث أن ينكر مبدأ الحتمية المطلق " و كذا ما قاله
امرسون أمست دليل على أن المعارف العلمية و يقول في هذا الشأن لو وضعت في
موضع اختيار بين التكهن و عدم التكهن اخترت التنبؤ و بتالي الحتمية و على
هذا الأساس اعتبر بوان كاريه أن الكون كله يخضع لنظام ثابت و تجسد رأيه هذا
في قوله " أن العلم يضع كل شيء موضع الشك إلا الحتمية فلا مجال لشك فيها "
و أما الإشارة التي يمكن لحضها جيدا فإنها تتلخص في العقل الإسلامي الذي
بدوره يلح على أن الحقائق مطلقة و تتمثل في الحقيقة الذوقية و التي تعرف
ذلك الشعور الذي يستولي على المتصوف يستقي علمه من الله عن طريق التجربة
الذوقية و التي تتجاوز العقل و المنطق و تتم خارج الحواس فسيتنقل أثرها
المتصوف عن نفسه و يستغرق استغراقا مطلقا في ذات الله فتتأتى المعارف
مباشرة و تفيض المعرفة اليقينية و هذا لا يحصل إلا بمجاهدة النفس و الغاية
من الاتصال بالله هي تحقيق السعادة الكاملة حيث ابن العربي " السعادة تتحقق
عند الفلاسفة بمجرد اتصال الحكيم بالله دون اندماجه في الذات اللاهية" و
يقول كذلك " من هذب في طاعة جسمه و ملك نفسه ارتقى إلى مقام المقربين فإذا
لم يتق فيه من البشرية نصيب حل فيه روح الله في الذي كان في عيسى ابن مريم
" و تأصيلا لكل ما سلف ذكره نخلص إلى القول إن الحقيقة المطلقة هي حقائق
تتصف بالكمال و الثبات و الديمومة و لكن هل الحقيقة بهذا المفهوم توصلنا
إلى المعارف و اليقين ?
*إن ما جاء به زعماء الموقف الأول في اعتبار أن الحقيقة مطلقة يظهر للوهلة
الأولى صائب و لكن الانتقادات الكثيرة التي وجهت لهم جعلت رأيهم هذا خاطئ
فقد بالغوا كثيرا في إعطاء العقل السلطة المطلقة كمعيار للحقيقة المطلقة
متجاهلين أن العقل مثلما يصيب قد يخطئ فالعقلاء أنفسهم يخطئون فالحقيقة
التي يتكلم عنها الفلاسفة موجودة ضمن العديد من المذاهب النفعية و العقلية
الواقعية و الوجودية إلى هذا التعدد في التفسيرات و في النزاعات أخرج
الحقيقة من مطلقيتها إلى جزئيتها و ثباتها التي تغيرها و من الاتفاق إلى
التناقض .
*جملة الانتقادات السالفة الذكر تقودنا للحديث عن نوع أخر من الحقيقة التي
تدخل بوصفها مصطلحا مطلقا في إمكانات هائلة و طرق متعددة من الصيرورة
المستمرة التي لا تعرف الثبات لأنها تكون في حالة إعادة و تعديل مفاهيمها
فما كان خيالا بالأمس البعيد أصبح اليوم حقيقة نسبية و ما اراه أنا حقيقة
راسخة في معتقدي و ديني قد لا يكون حقيقة خارج إطار هذا المعتقد و ما يعتقد
به مجتمع من حقائق قد تبدو لهم ثابتة لا يعتقده مجتمع آخر و ما ترسخ من
تصورات علمية قد يتقنه العلم الحديث بدراساته التحليلية و من بين الفلاسفة
الذين تبنو هذا المفهوم النسبي للحقيقة زعماء الفلسفة البراغماتية بيرس و
ويليام جيمس و جون دوي و زعيم الفلسفة الوجودية جون بول ساتر و فلاسفة
العلم الحديث انشتاين ديراك أديسن و هبرنبرغ و غاستون باشلار فقد أكد هؤلاء
الفلاسفة أن الحقيقة ذات طابع نسبي متغير قد تأتي هذه المعارف في غالب
الأحيان على أنقاض معارف غير حقيقية أخذ بها لسنوات فالحقيقة النسبية
متغيرة بحسب الزمان و المكان و اختلاف الأمم و الشعوب و بيان هذا التطرق
لبعض أراء الفلاسفة استنادا إلى أنشتاين الذي يرى أن كل الحقائق التي
أفرزها العلم تتضمن نسبة من الخطأ جعلتها عرضة للشك و الضن سواء في
الرياضيات و في علوم المادة حيث تجد الحقيقة النسبية عند البراغماتيين
أمثال بيرس و ويليام جيمس يؤكد كل واحد منهم أنه لا وجود لحقيقة مطلقة و
إنما الموجود هو الحقيقة النسبية تختلف من شخص إلى أخر و من زمان إلى آخر و
من مكان إلى آخر فالحقيقة تقاس بالتناغم العقلي بين الرغبة و الموجود أي
أن الحقائق تكسوها المنفعة حيث يقول ويليام جيمس " إنني أستخدم البراغماتية
بمعنى أوسع أعني نظرية خاصة في الصدق " فالصدق و الحقيقة كلمتان مترادفتان
الأمر الذي يجعل من الصدق أكيد للنجاح و الكذب أية للفشل فالتنسيق الذي
تبناه البراغماتيين واضح المعالم ينطلق من فكرة الواقع العملي (المنفعة)
ليحكم على هدف الأفكار و الحقائق و على هذا الأساس فأن المعارف لا يمكن أن
تكون مطلقة فهي نسبية بنسبة معيارها و على هذا يقول ويليا جيمس " الحقيقة و
المنفعة طرفان لخيط واحد و الحقائق الكلاسيكية كالأسلحة القديمة يعلوها
الصدأ و تعد قديمة " و تعزيزا لهذا الموقف فأن تطور الرياضيات من
المفهوم الكلاسيكي الذي ينطلق من البديعيات و التعريفات الذي تصدر منا
صادقة صدقا عقليا و بالتالي مطلقا جعل هذا المفهوم يتلاشى و يضمحل حيث أن
الرياضيات الحديثة أدحضت كل تلك المبادئ الرياضية العقلية و أنجز عن ذلك
رياضيات حديثة تمثلت في هندسة لوبا نسيتسكي ورمان ثم إن التطبيقات العملية
للرياضيات هي جعلت منها علم نسبي مجرد من أي إطلاق فقد تراجعوا الرياضيين
المحدثين عن العديد من المبادئ كالبديهيات التي كانت تحمل مفاهيم
اللانهاية. و التعريفات التي طالما أعتقد بأنها معرفة مطلقة و قد عبر رونيه
ديكارت نفسه عن إمكانية حدوث هذا التقييم في المفاهيم الرياضية بقوله " من
يدري ربما سيأتي بعدي من يثبت لكم بأن مجموع زوايا المثلث لا يساوي 180° "
و لعل التطرق للدحض و الرفض الذي واجهه علماء العلم الكلاسيكي من نشأته أن
يعجل جعل الحقائق نسبية و أن الطبيعة تخضع لنظام غير ثابت عكسيا ما كان
ينتقده علماء النظريات الفيزيائية الكلاسيكية فمع نهاية القرن التاسع عشر و
ظهور القرن العشرين و مع ظهور العلم و ظهور الفيزياء الحديثة أصبح الدفاع
عن مبدأ الحتمية المطلقة و الذي يقتضي أية من توفرت نفس الشروط أتت إلى نفس
النتائج أمر مستحيل ذلك لأن الكون يخضع لمبدأ الحتمية النسبية و منها هذا
المبدأ أية قد تتوه و نفس الشروط و لكن لا تؤدي إلى نفس النتائج و هذا ما
عبر عنه هيزنبرغ حين قال " إن الطبيعة كثيرا ما تجد نفسها في مفترق الطرق
فعليها حساب الاحتمالات " و قال أيضا " إن الوثوق في مبدأ الحتمية أصبح و
هما ذلك لأن الطبيعة لا تخضع للنظام الثابت و لا تخضع لقوانين مطلقة و
بالتالي الحتمية المطلقة ذلك لأن لا وجود لشروط مطلقة المحدثة للظواهر" و
هذا ما جعل ادنشقرن يقول " لقد أصبح الدفاع عن مبدأ الحتمية المطلقة
مستحيلا " فالعلم المطلق إذن مجرد مسلمة عقلية لا يمكن البرهنة عليها و
بالتالي قد تحتمل الصدق و قد تحتمل الخطأ و هذا ما يمثل الحقيقة النسبية و
قد عبر عن هذا اينشتاين حيث نسبية الحقيقة تمثال الرخام المنتصب وسط
الصحراء تعصف به الرياح بعواصف الرمال و لا يمكن أن يحافظ على نعامته
تتضوء الشمس إلا إذا تدخلت الأيادي النشيطة التي تنفض الغبار عنه باستمرار
فالحقائق النسبية تأتي على أنقاض حقائق أخرى سواء تصحيح لأخطائها أو
التعديل عنها و لعل ما قاله نفس الباحث أنشطاين أحسن دليل على أن الحقائق
تجردت من المطلقة و اتخذت النسبية أساسا لها حيث قال " كلما اقتربت
القوانين من الواقع أصبحت غير ثابتة و كلما اقتربت من الثبات أصبحت غير
واقعية " إضافة إلى هذا فأن العديد من الباحثين قد تراجعوا عن أرائهم على
أساس أن كل الحقائق التي أفرزها العلم تتضمن نسبية عن الخطأ نتركها عرضة
للشك و الارتباك في جل العلوم و من بينهم الباحث البيولوجي كلود برنارد حين
قال " يجب أن نكون مقتنعين بأننا لا نمتلك العلاقات الضرورية الموجودة بين
الأشياء إلا بوجه تقريبي كثيرا أو قليلا و أن النظريات التي نملكها هي
أبعد من أن تشل حقائق ثابتة أنها حقائق نسبية جزئية مؤقتة " كما يؤكد
الايستمولوجي صاحب نظرية المعرفة غاسنوز أن العلم الحديث في حقيقة الأمر
معرفة تقريبية و التطورات الحاصلة فيه هدفنا دائما بلوغ الدقة و اليقين و
هذا ما أثبتته في كتابه التحليل الكيميائي للنار حين أقر ان الطبيعة بين
المعارف القديمة و الحديثة شرط للموضوعية و نجد الفكرة نفسها عند صاحب
الفلسفة الوجودية جون بول سارتر الذي يؤكد أن حقيقة الإنسان
هي انجازه لماهيته لأنه في بداية الوجود لا يملك ماهية فهو محكوم عليه ان
يختار مصيره فلابد من ممارسة التجربة الذاتية القائمة على الشعور حتى يجمع
بين الحياة و الموت إذن الحقيقة تكمن في الجمع بينهما و هجره العقل و الغوص
في الذات الشاغرة فالشعور وحده هو مصدر الحقيقة فلا وجود للحقائق إلا تلك
التي تشعر بها فالشعور هو نقطة الانطلاقة لكل علم و فن و فلسفة و إذا كان
الشعور حالة ذاتية الأمر الذي يجعلنا نقر بأن الحقيقة نسبية كما يمكن سحب
هذا الرأي للموقف الإسلامي الذي يدعو الإنسان إلى المستقبل و يدعوه إلى
البحث و المعرفة و عدم التسلم بالعرف و التقليد الأعمى الذي لا يستند إلى
المعرفة الموضوعية القائمة على معطيات كالنص الديني و الوحي و العقل مصدقا
لقوله تعالى " يوم تشهد عليهم ألسنتهم و أيديهم و أرجلهم بما كانوا يعملون "
و نجد هذا الموقف واضحا جليا في قول الفارابي" إن الوقوف على حقائق
الأشياء ليس في مقدور البشر و نحن لا نعرف من الأشياء إلى عوارضها " كما أن
المتصور لا يستطيع أن يصل إلى درجة الكمال فالحقيقة عند لمعطى ذاتي يختلف
باختلاف مقاماتهم فهناك الزاهد العابد العارف فكلها يجمع بينهم هو
الاختلاف فأخرجوا الحقيقة من نفوذ المطلقة إلى النسبية و لا نخل بالرأي لو
تعرضنا إلى المواقف المختلفة التي يمكن لحظها عند الفلاسفة الكلاسيكيين
خاصة في مفهوم الحقيقة فتباينت أرائهم في إعطاء لمفهوم الحقيقة بالرغم من
القيم يتفقون حول فكرة المطلقة فالفيلسوف الألماني أفلاطون على أنها كائنات
انطوليجية خالدة و يعرفها أرسطو بأنها جوهر يختفي وراء المظهر و بينهما
ديكارت يعرفها على أساس الشك ....ومن هذه التعاريف المختلفة ألا بدل هذا
على أن الحقيقة في طبيعتها نسبية قابلة للشك جزئية ناقصة .
*المتأمل لهذا الرأي يجد أنهم استند إلى العديد من الأدلة جعلت أفكارهم
صادقة و لكنهم مادو كثيرا حين أعطوا السلطة للذات الإنسانية في إدراك
الحقائق الإنسانية كالذات الشاعرة و الذات النفعية متجاهلين تماما أن
الإنسان ذو أبعاد أخرى اجتماعية و عقلية و حتى سياسية و يزيد هذا الموقف
عيبا هو أن جميع الفلاسفة الذين تبنوا فكرة نسبية الحقائق يجمع بينهم
التناقض و هذا راجع إلى الاختلاف في المرجعيات و نسق كل فيلسوف
فأين نجد نسبية الحقائق في ظل هذا التباين.
*تحملنا الإشكالية السالفة الذكر إلى ضرورة التأكيد أن الحقيقة كموضوع و
مفهوم لاقت أهمية كبيرة في الدراسة نظرا لكثرة الآراء و تباينها بالتحليل
الذي قدم في هذه المقالة قد تكون مطلقة أزلية لا تتغير كحقيقة الله و لكن
هذا لا يعني أن ننفي نسبيتها ذلك لأن الإنسان محدود القدرات العقلية فلا
يستطيع العقل أن يدرك الأشياء إدراكا كليا فالحتمية الآنية هي خطوة نحو
الحقيقة اللاحقة بما نلمسه من تغير في المواقف و الاتساق و الأسس في
النظريات الفلسفية و حتى العلمية تدعونا إلى التأكيد و بصفة مطلقة أن
الحقيقة نسبية فالحقيقة إذا تبدأ مطلقة و تنتهي نسبية و أمام هذا التحليل
السابق نستنتج أن الدارس لموضوع الحقيقة يكتسب حقيقة غاية في الموضوع تكمن
في ان طبيعتها من بين المواضيع الفلسفية التي احتلت مكانة راقية و سياسية
من الدراسات دارت في مجملها حول مفهومها و معاييرها و طبيعيتها و لعل
التعرض للآراء السالفة الذكر يجعلنا نجيب دون إطالة و بعبارة جد مركزة و
بعبارة لا يتمادى فيها اثنان أنه لابد أن يؤمن بنسبة الحقائق مع تهذيب
مطلقيها فالحقائق ذات أصول فلسفية و علمية و رؤى دينية مرتبطة بالواقع
العلمي و العلمي الاجتماعي النفسي للإنسان لا تتأتى للفرد إلا إذا وضعها
بين النسبي و المطلق .
بين العقل والمنفعة الاخلاق
*خلق الإنسان ليكون فاضلا إلا أنه بإستطاعته أن يكون رذيلا فيشارك بذلك في
هذا العالم المليئ بالظواهر و المؤثرات بجسمه و يتصل عن طريق روحه بالعالم
العلوي هذا من شأنه أن يكسب الإنسان سعادة جسمية و طمأنينة نفسية روحية لا
لشيئ فقط حتى يتكيف مع أنماط سلوك بني جنسه وهذا ما يعرف بالأخلاق و الذي
يصطلح عليه بالمفهوم الشامل على أنه جملة من السلوكات التي يمارسها الفرد
في إطار ديمومة تاريخية قد نستحسنها و قد نستهجنها وفي إطار ا الإستحسان
والإستهجان جنهرة من الباحثين حملوا هم أساس القيمة الإخلاقية فراحوا
يكلفون أنفسهم عناء ومشقة و ضع السلوك الأخلاقي منطلقين في ذلك إلى تطوير
سلوك الإنسان نحو مزيد من الخير و السعادة و هكذا ظهر ما يسمى بالمذاهب
الأخلاقية تعددت حقيقتها و لكن الغاية واحدة تكمن في الوصول إلى النظام
الفاضل أفرز لنا هذا الجدل اراء مختلفة و متعددة ترجع كل منها أصل القيمة
الأخلاقية لعامل ووجهة معينة فظهر من جهة المذهب العقلي والذي يرجع من يرجع
أصل القيمة الأخلاقية إلى العقل فكل ما يحكم عليه العقل أنه خير فهو كذلك و
يعتبر هذا فعل أخلاقي وكل ما يحكم عليه العقل بأنه شر يعتبر بهذا فعل غير
أخلاقي في حين ظهرت وجهة أخرى تخالف الأولى في المبدأ وفي الفكرة حيث ترى
هته الأخيرة بأن الأفعال والقيم الأخلاقية مصدرها و مرجعها الأول والأخير
هو المنفعة فكل ما ينفعنا ويحقق لنا لذة وسعادة وخير فهو فعل أخلاقي في حين
أن كل ما يضرنا و لايحقق لنا لذة و سعادة فهو شر وبذلك نحكم عليه أنه فعل
لا أخلاقي و يمثل هذا الرأي المذهب النفعي ترى بين هذين المتناقضين و
النزاع و الإختلاف القائم بينهما أين نجد ظالتنا في معرفة مصدر كل قيمنا
الأخلاقية ؟ و بلغة فلسفية ناضجة : هل حقيقة أننا نجد من الضروري إستبعاد
الحكم العقلي حتى تقوم الأخلاق ؟
*إن الإشكالية السالفة الذكر تحتم علينا التطرق إلى أهم ما توصلت إليه
الدراسات التي أجريت في نسق تقييم الفعل الأخلاقي و أهم هاته الدراسات هي
المذهي النفعي والذي يمثله كل من جريمي بنتام أبيقور و أرستيب توماس هوبز و
جون ستيوارت ميل و بداية ننطلق من رأي الفيلسوف الأنجليزي جريمي بنتام و
الذي ينطلق من فكرة أن الإنسان نفعي بطبعه يسعى إلى تحقيق أكبر قدر من
المنافع يقول ’لا حياء و لاخجل و إنما الحياء والخجل من وضع الأعراف فقط و
مثال ذلك يقول *أنا لا أصلي لذات الصلاة و إنما أصلي إبتغاء مرضات الله* و
ينطلق في رأيه من مسلمتين اساسيتين الأولى يجب على المنفعة أن تكون جماعية
يقول في نسق ذلك *ما ينفعني ينفع غيري* فالمعلم والطبيب والفلاح ينتفعون من
العمل الذي يقومون به و ينفعون الإنسان ككائن بشري بالتعليم والتداوي و
التغذية على التوالي و أما المسلمة الثانية التي أرتكز عليها بينتام من أجل
تقييم الأفعال فهي أن تكون المنفعة موضوعية قابلة للقياس فنجده يحبذ كل ما
هو كمي قابل للقياس في حين يستبعد كل ماهو كيفي و ذلك يتطلب توفر 4 شروط
وهي :
المدة: فيجب أن تكون المنفعة ظويلة الأمد كالمنفعة و راء النجاح في الباكالوريا
الشدة : و هي أن تكون المنفعة ذات تأثير كبير كتأثير خبر النجاح
القرب : أن تكون المنفعة أقر إلينا كالنجاح والزواج و العمل
اليقين : و هي أ، تكون على يقين بأن المنفعة يقينية
وبذلك فإن كل سلوك يحقق لنا منفعة حسب رأي بينتام تكون جماعية شديدة
التأثير قريبة المنال يقينية و طويلة الأمد فهو سلوك أو فعل مستحب و مستحسن
و بهذا يكون سلوك أو فعل أخلاقي و كل فعل أو سلوك لا يحقق لنا منفعة يجب
إستبعاده عن القيم الأخلاقية وقربيين من رأي بنتام و بتطرقنا للمذهب النفعي
علينا ان نعرج على مذهب اللذة والألم والذي ظهر مع أرستيب و نضج مع ابيقور
والذي يتجه اتجاها نفعيا فيرى الفيلسوف الإغريقي ابيقور ان الإخلاق محور
الفلسفة وغايتها يرى هذا الفيلسوف أن اللذة هي الخير الأعظم و أنها خير على
الدوام و اللذة هي لإقصاء الألم و هي إما لذة جسمية تبلغ أعلى صورها في
الصحة الجسمية الكاملة و أما لذة عقلية إذا كانت تحرر من الخوف و القلق
ينطلق ابيقور من مبدأ الإنسان بطبعه نفعي و قد حذا حذو بينتام يسعى الإنسان
يقول ابيقور إلى تحقيق القدر الأكبر من اللذات فلاحياء و لاخجل من الطبيعة
البشرية لأن القيود والصوارف و البواعث ما هي إلا من صتع الأعراف والعرف
لا يستند إليه ويصنع شروط للذات حيث ينفر من اللذات التي تعقبها آلام أكبر
منها ويطلب الآلام التي تعقيها لذة أكبر منها فلذة الإنتقام و لذة شرب
الخمر كلاهما لذتان تعقيهما آلام أكبر من لذتهما فأما لذة الإنتقام فنجد
الألم الذي يأتي بعدها من تأنيب الضمير والسجن في بعض الأحيان و عقاب الله
من جهة أخرى كلها آلام أكبر من لذة الإنتقام في حد ذاتها و أما لذة شرب
الخمر فهي كذلك لذة تعقبها آلام تأنيب الضمير أضف إلى ذلك عقاب الله و
خسارة المال و الصحة و أما اللذة الثانية عند أبيقور فهي آلام تعقبها لذا
كآلام معاناة الطلاب في الدراسة و يكلل هذا الآلم و المعانات النجاح و ألم
قلع الضرس فرغم الآلم الذي تسببه هاته العملية إلا أن اللذة التي تأتي بعده
أكبر منه وتأسيس لكل ما سلف ذكره يمكننا القول أن أبيقور يبني أخلاقه على
أساس اللذة و خاصة اللذة طويلة الأ