الذاكرة
- هل الذاكرة من طبيعة بيولوجية مادية أو نفسية ؟
- وهل تحدث الذكريات أثر في الدماغ ؟
- هل تعلل الذاكرة بالشعور؟
مقدمة:
يعيش إنسان حاضره بكل ما يحمله من أبعاد كما يمتاز الإنسان بقدرته على
استخدام ماضيه واستفادة منه للتكيف مع مختلف الظروف فهو(لا يدرك الجديد
إلا تحت نور الماضي) والذكريات ومنه كانت الذاكرة أحد الملكات العقلية
وإشكالية المطروحة:
- هل ذاكرة من طبيعة بيولوجية مادية أم نفسية ؟
- وهل تحدث الذكريات أثر في الدماغ ؟
الرأي الأول:
الذاكرة من طبيعة عضوية مادية:
ذهب أنصار الطرح البيولوجي إلى أن الذكريات مخزنة في خلايا المخ
والتجربة تثبت أن(الاختلال الهضمي ودوران الدم والتنفس تأثير على التذكر
وإن بعض المواد التي تهيج أو تسكن الجملة العصبية تنسي الذاكرة أو تضعفها)
كما أن فساد المخ يولد فقدان الذاكرة(الأمنيزيا) الكلي أو الجزئي وقد أثبتت
تجارب (بروكا) أن نزيفا دمويا في قاعدة التلفيف الثالث من ناحية الجبهة
الشمالية يولد المرض الجنسي والحقيقة أن هذه النظرية تؤمن بفكرة(ديكارت) [
تكسى الذاكرة في ثنايا الجسم] ويمثل هذا الرأي الفيزيولوجيون أمثال العالم
ريبو الذين يرون أن الذاكرة من طبيعة عضوية مادية وليس من طبيعة نفسية
معنوية ولذلك فالذاكرة توجد في منطقة الجسم تسمى بالدماغ الذي يعتبرونه
بمثابة الوعاء أو أسطوانة التي تحفظ أو تخزن كل الذكريات التي تنتظر بدورها
المثير الذي يعمل على بعثها من جديد وقت الحاجة ولذلك قال(ريبو) في كتابه
أمراض الذاكرة [إن الذاكرة حادثة بيولوجية بالماهية وحالة نفسية بالغرض]
ويدلل البيولوجيون على أن هذا الرأي بأن إصابة بعض الأجزاء الدماغ نتيجة
حادث ما ينتج عنه في الكثير من الحالات فقدان الذاكرة مما يعني أن الذاكرة
من طبيعة عضوية حسية يختص بها الجهاز العصبي في الدماغ وفي ذلك قال(ريبو)
في كتابه السابق الذكر[الذاكرة وظيفة عامة للجهاز العصبي تنشأ عن اتصاف
العناصر الخلايا العصبية الحية بالخاصية الاحتفاظ بالتبديلات التي تطرأ
عليها وبقدرتها على ربط هذه التبديلات بعضها ببعض] وقال ها رتيب: تحفظ
الذكريات على شكل اهتزازات وهكذا الذاكرة من طبيعة مادية .
نقد:
لو كانت ذكريات مخزونة في الخلايا المخ لاختلاف السنان باختلاف نسبة
التآلف لكن هذا الأخير يتبع نظاما ثابتا، نسيان الأسماء الخاصة ثم العامة
ثم الأفعال مما يدل على نسبية التفسير المادي.
الرأي الثاني:
الذاكرة من طبيعة نفسية:
عند أنصار هذا الرأي أن الذاكرة من طبيعة نفسية حيث رأى (برغسون) إنه
إذا أردت حفظ قطعة شعرية قسمتها بيتا ثم كررتها عدة مرات وكلما أعدتها مرة
تحسن حفظي لها فلا يقال حفظتها إلا إذا أصبحت قادرا على تكرارها دون خطأ أن
هذه الذاكرة شبيهة بالذاكرة الحركية ثم أنني أستطيع أن أتذكر أثر كل قراءة
مفردة في نفسي فأتذكرها أحدثت هذا الشعر في الأحاسيس أن هذه الذاكرة ثانية
لا تشبه العادة ولا تحتاج إلى التكرار لأن تكرار قد يضعفها أن لها تاريخا
إنها تامة منذ الولادة وهي صورة نفسية محضة يمكن استرجاعها في أي وقت ولا
تحتاج إلى زمن طويل وعندهم أن المخ آخر في استرجاع الذكريات في تخزينها إنه
مصفاة تصفي به الذكريات للفعل الحاضر وهكذا يميز الفرنسي(برغسون) بين
نوعية من الذاكرة ذاكرة حركية مخزونة في الجسم تكتسب بالتكرار والحركة
والعقل كالعادات الجسمية المختلفة وذاكرة نسبية مخزونة في النفس وهي التي
تعيد الماضي الذي مر بنا وهي غير قابلة للتجزئة وهي في ديمومة متصلة
ومتجددة فهي الذاكرة الحقة ولذلك قال(برغسون) في كتابه [المادة والذاكرة]
ذاكرة الذاكرة تسجل كل الحوادث التي تمر بنا أو على شكل صور وذكريات وتضعها
وفق تسلسل زمني إن الذاكرة الحق في نظر برغسون تتصور الماضي وتستحضره
فالذاكرة دائما مصحوبة بالشعور.
نقد:
بينت البحوث العلمية أن للتكرار الإرادي تأثير في اكتساب بعض الذكريات
النفسية ثم أن هذه النظرية لا تبين لنا أين تحفظ الذكريات.
التركيب:
التركيز على الجانب العضوي البيولوجي هو طرح آلي لا يفسر لنا الجوانب
الروحية للإنسان وهو يصل حقيقة لا نقاش فيها ألا وهي تأثير الجانب النفسي
على العضوي وفي المقابل الطرح النفسي يركز على الجانب الفرد و يهمل الجانب
الاجتماعي كتب (بيار بانيه) قائلا: الإنسان المنعزل لوحده لا يملك ذاكرة
لأنه ليس بحاجة إليها. ومعنى ذلك أن البحث في طبيعة الذاكرة يقود إلى
التركيز على الجانب الاجتماعي وهذا ما نبه إليه (ها لفاكس) فقال: الذاكرة
تستمد وجودها من الأطروحة الاجتماعية ويتجاوز الإشكالية أطروحة فيري أن
الإنسان يتذكر بكامل شخصيته وبأبعادها المختلفة المتفاعلة والعضوية
والنفسية والاجتماعية.
الخاتمة:
ومجمل القول أن الذاكرة من قضايا العلمية في شكلها الجديد وفلسفية في
صورتها القديمة طرحت أكثر من سؤال خاصة (طبيعة الذاكرة) وإذا كان ريبو يميل
إلى جانب العضوي واعتباره أساس كل تذكر فإن برغسون فتح مجال بالجانب
النفسي لكن الحقيقة الثابتة أن البحث العلمي معاصر قد أكد على أهمية الجانب
النفسي والعضوي معا من خلال وحدة متكاملة يساهم فيها البعد الاجتماعي وعلى
ضوء تحليل أسبابه وكذا منطق التركيب ونستنتج (الذاكرة من طبيعة عضوية
ونفسية واجتماعية وإنسان يتذكر بكامل عناصر شخصيته).